بطل من فلسطين … قناص رام الله…الرجل الذي غير قواعد اللعبة بـ 24 رصاصة
الأربعاء 26/7/2017 م …
بطل من فلسطين … قناص رام الله…الرجل الذي غير قواعد اللعبة بـ 24 رصاصة …
الأردن العربي – كتب أمجد عرفات – على الرغم من رؤيته لأشكال العذاب بألوانه في المعتقل، ما زال المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي ثائر حماد يدعو إلى الانخراط بصفوف العمل الفدائي المسلح والمقاومة برسالة وصلت إلى نادي الأسير الفلسطيني برام الله، من دون أية مبالاة لوضعه الصحي ولا بالحكم المؤبد الذي يخضع له.
وفي ظل الأزمة التي تتعرض لها المقدسات المتمثلة بنصب الحواجز التي تعيق الوصول إلى أماكن العبادة، والتي تُخضع المواطن العربي لتفتيش يصل إلى حد الإهانة، كان من المهم هنا الحديث عن الأسير حماد، الذي بفضله أُغلق أحد أكبر الحواجز التي أقامتها سلطات الاحتلال بمدينة رام الله، لعل هذه القصة تدفع الحماس في قلوب العرب، وهو حاجز وادي الحرامية، الذي شهد ذل وإهانة المواطنين الفلسطينيين من قبل جنود الاحتلال، عدا عن التعرية الجسدية والقتل بدم بارد في بعض الأحيان.
ما زال رفاقه في المعتقلات الذين حالفهم الحظ في الحرية يستذكرون القصة التي رواها لهم الأسير، وما زال والده الذي أعدم له الاحتلال ثلاثة من إخوته يفخر بنجله الذي أخذ بثأرهم جميعاً ورد لهم الصاع صاعين، حيث وُصفت بالصحف العربية والأجنبية بأنها أكبر عملية قنص بالتاريخ، بينما وصفتها الصحف الإسرائيلية بأنها أكبر عمل مقاوم تشهده إسرائيل منذ 1967.
وكان نسيم خطاب أحد الأسرى المحررين الذي حفظ روايته عن ظهر قلب، حيث مكث معه بزنزانته عامين، ليأتي لنا بمجريات العملية كاملة كما جاء بها من سبقه بالحرية، حيث جاء حماد بـ (أكشن) غير مسبوق في كافة أنواع الدراما الخيالية والتمثيلية.
ويروي خطاب لـ”دنيا الوطن” تفاصيل العملية حسب رواية حماد “كانت العملية الفدائية في مطلع الفجر بتاريخ 3/3/2002، عندما تناول حماد بندقية القنص من طراز M1 الأمريكية، والتي تعود صناعتها لثلاثينات القرن الماضي، واتجه إلى حاجز وادي الحرامية، ليتوارى عن الأنظار أسفل شجرة زيتون جذورها ممتدة فوق الأرض، تبعد عن الهدف بأمتار قليلة فقط، وأحضر معه 70 رصاصة لتؤدي الواجب الفدائي بشكل كامل”.
وكانت صحيفة (يديعوت أحرنوت) العبرية، قد نشرت مقالاً يتناول مجريات العملية، حيث جاء فيها بأن الحاجز كان عليه خمسة جنود في البداية، فشاهد أحد الجنود أحد زملائه يسقط أرضاً من غير أن يسمع صوت إطلاق نار، فذهب ليتفقده فوجد جبهته تم حفرها برصاصة غير معروف مصدرها، وفجأة سقط الجندي الآخر، فأسرع إليهم الجندي الثالث الذي كان يجلس في إحدى الغرف بجانب الحاجز، بمجرد وصوله لهم شعر برصاصة عبرت من جانب أذنه ولم تصبه، سرعان ما أيقن بأنهم يتعرضون لهجوم.
ويتابع والده كايد حماد نقل مجريات العملية “ذهب الجندي الأخير بعد مقتل اثنين من زملائه مسرعاً إلى الغرفة يصرخ بصوت مرتفع بأنهم يتعرضون لهجوم، وقبل أن يصل إلى الإيواء، سقط أرضاً ليصاب بجروح خطيرة، بينما قُنص الرابع برأسه بمجرد إطلالته من نافذ الغرفة، فجاءت سيارة لنجدتهم بها جنود مسلحين، نزل أحدهم من السيارة ليتفقد القتلى، ليسقط فوقهم، ليأخذ السائق قرار الهروب، وقبل أن يفكر بالتحرك، اخترقت زجاجة سيارته رصاصة أصابته بجروح في ظهره”.
وتتابع (يديعوت أحرنوت) الرواية على لسان أحد الجنود الناجين “وصل بعدها موكب الرقيب في الجيش (رافي ليفي) ومعه الكثير من الحراسات، والذي أيقن بأن العملية انتهت، وأن جنوده قد سيطروا على الموقف، فيما لا يزال حماد في موضعه، حيث أطلق رصاصة أخرى اخترقت وجه الرقيب وأسقطته قتيلاً، ليبدأ الجنود بإطلاق النار بشكل عشوائي في كل الاتجاهات، بينما لا يزال حماد في مكانه، ليطلق آخر رصاصاته التي قتلت مستوطنين”، حيث اصطادهم جميعاً بـ 24 رصاصة قبل أن تنفجر البندقية منه ويلقيها أرضاً وينسحب من المكان”.
وكانت حصيلة القتلى الإسرائيليين حينها 14 شخصاً بينهم 11 مجند، لتبدأ قوات الاحتلال بتمشيط المنطقة كاملة، حيث عثرت على البندقية الأمريكية، بجانبها تبغ عربي والمعروف باسم (الدخان الشامي).
وأوضح والده بأن نجله عاد إلى البيت مباشرة عقب انتهاء عمليته من غير أن يشك به أحد، وساد التكهن حينها بأن عجوزاً من المشاركين في الحرب العالمية الثانية قد نفذ العملية، وقد زاد التشكيك بالأمر وجود التبغ العربي بجانب البندقية حيث يدخنها بكثرة فئة كبار السن، كما أن تكهنات إسرائيلية أخرى قد تحدثت عن مجاهد جاء من الشيشان ونفذ هذه العملية لبراعة مقاتليها بالقنص.
واقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي حينها بلدة سلواد الواقعة بجانب الحاجز لتعتقل أغلب شباب البلدة، وكان من بينهم حماد، ليتم الإفراج عنهم جميعاً، حيث لم يشك أحد به أبداً، وخاصة أنه كان يردد دائماً عقب العملية “العجوز اللي عملها زمان مات الله يرحمه، بقدرش يجري كل هالمسافة”.
وبعد 30 شهراً من العملية والبحث الطويل اقتحمت قوات الاحتلال منزل حماد لاعتقاله في الشهر العاشر من عام 2004، ليستيقظ الشعب الفلسطيني على خبر فجعهم بأن سلطات الاحتلال ألقت القبض على منفذ عملية وادي الحرامية، وبعد ثلاثين جلسة محاكمة أصدرت محكمة الاحتلال السجن 11 مؤبداً بحقه.
وجاءت العملية في ظل الأجواء المتوترة والمشحونة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل عقب اغتيال القائد العام لكتائب شهداء الأقصى في طولكرم رائد الكرمي بأيام معدودة، حيث اتهم رئيس وزراء الاحتلال (أرئيل شارون) الرئيس أبو عمار بتدبير الحادث ليعطي الأمر بقتل كل شرطي فلسطيني، فقامت قوات الاحتلال بإعدام 15 فرداً من الأمن الفلسطيني على حدود رام الله، الأمر الذي أدى لهيجان السلطة وقادتها، فأصدر أبو عمار لأول مرة منذ اتفاق أوسلو الأوامر بإطلاق النار على جنود الاحتلال بشكل علني، فبدأت الحرب بين الجهتين والتي انتهت باغتيال أبو عمار 2004 حسب ما جاء في القناة العبرية الثانية.
وتعد هذه العملية أولى العمليات الفدائية الفلسطينية التي يصل قتلى الإسرائيليين فيها إلى هذا العدد ويبقى منفذها على قيد الحياة، وقد أثلجت صدور الكثير نظراً لزيادة الجرائم والمجازر الإسرائيلية حينها، كما أنها زعزعت الأمن الإسرائيلي، وما يدل على ذلك اعتبار هذه المنطقة كمنطقة أشباح، حيث ما زال الحاجز منذ يوم تنفيذ العملية وحتى الآن مغلقاً.
ولعل خطورته على أمن الكيان الإسرائيلي هي من تمنع سلطات الاحتلال الحديث بشأنه في كافة صفقات تبادل الأسرى التي نُفذت عقب اعتقاله، مثل صفقة منظمة حزب الله اللبنانية، وحركة حماس، وكذلك صفقة الرئيس محمود عباس المبرمة مع الاحتلال بالإفراج عن جنود الأمن عقب وقف إطلاق النار بين السلطة وإسرائيل بداية 2007، كما يوضح رئيس وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة.
التعليقات مغلقة.