من القدس إلى عرسال.. المنتصر واحد والمهزوم واحد

 

 

قاسم شعيب ( الأحد ) 30/7/2017 م …

من القدس إلى عرسال.. المنتصر واحد والمهزوم واحد

الانتصار الذي حققه الفلسطينيون والمقدسيون في وقفتهم ضد الإجراءات الصهيوينة في المسجد الأقصى بشكل متزامن مع انتصار المقاومة اللبنانية في جرود عرسال ضد فلول الجبهة النصرة ليس فقط انتصار إرادة شعب ضد محتلي أرضه، ومجموعة مقاتلين ضد مجموعة أخرى تحترف الإرهاب وتخدم أجندات قوى معادية، بل هو بالأساس انتصار متجدد يحققه خط ونهج ممتد في عمق التاريخ، يتبنى قضايا التحرير ويجعل من أم القضايا في فلسطين محورا لتفكيره وعمله.

تزامن تحرير جرود عرسال مع إجبار الفلسطينيين الحكومة الإسرائيلية على رفع بواباتها الإلكترونية والتخلي عن وضع كاميراتها الذكية. ربما هو القدر الذي جمع انتصارين في وقت واحد ليقول لنا إن المنتصر في القدس وعرسال واحد والمهزوم فيهما أيضا واحد. عندما نتحدث عن محور أو كتلة أو خط يقاوم، فإن المبدأ الجامع الأبرز هو استراتيجية المقاومة الجذرية للعدو الصهيوني وكل أذرعته المكشوفة والخفية.

هُزم الصهاينة ذات صيف 2006، وبعد تقييم واسع وتفكير من خلال مؤتمرات كثيرة سرية أو معلنة كما هو مؤتمر هرتسيليا، كان الخيار تنفيذ اختراق يجعل العرب يتقاتلون داخليا. فالهزيمة المباشرة عادة ما تدفع المهزوم إلى الاختراق الداخلي وليس الاستسلام. والاختراق الداخلي كان هو القادر، في تقييم الصهاينة، على إثارة فتن تتوالد دون توقف. وأخطر تلك الفتن هي الفتنة الطائفية التي عمل على تأجيجها وتغذيتها.

تُجبِر المقاومة، أينما كانت، بالتزامها الأخلاقي وابتعادها عن أي خطاب طائفي كل من أعطى عواطفه للصهيوني ليكون عنده أفضل من شقيقه العربي أو أخيه المسلم، أو أعار انفعالاته لمجموعات مسلحة كانت تخدم أجندات العدو، على مراجعة أوراقه واستعادة عقله ليعيد النظر من جديد في حُكم أطلقه وكان خارج الموضوع. ولا غرابة أن يأتي الحسم من القدس حيث رفعت شعارات “يسقط آل سعود” تأكيدا على الاندماج الكامل بين نظام سعودي يبيع الأمة وقضاياها ونظام صهيوني يطلق رسائل الامتنان نحوه.

يلتقي الخطاب الطائفي الذي يتبناه محور التبعية والإرهاب مع الخطاب العنصري للكيان الغاصب. يصدر الأول عن عقل تكفيري لا يرى في الآخر سوى كافرا مستباح العرض والمال والدم. ويصدر الثاني عن عقل عنصري لا يرى في المختلف سوى “غوييما” لا حرمة لذاته ولا لمقدساته ولا لأرضه..

توجد المقاومة عندما يوجد اعتداء وظلم. وهي لذلك لم تكن حكرا على زمن دون آخر. قد تختلف سياقاتها التاريخية ومجالاتها الجغرافية. غير أنها تتحد في الجوهر. في كل مكان دخل إليه محتلون وُجدت مقاومة. وعندما يشعر المحتل بالهزيمة يلجأ إلى إنشاء طابوره الخامس. في المغرب العربي، مثلا، كانت هناك مقاومة مسلحة ضد المستعمر. وعندما عجز الفرنسيون على هزمها خلقوا في مواجهتها ميليشيا من “الصباحية” الذين كانوا يعلمون لمصلحة المحتلين. والصباحية spahis هي فرق عسكرية خيّالة أسسها الجنرال يوسف المملوك وأُوكلت مهمة تسييرها إلى ضابط فرنسي لتكون جيشا عميلا للمحتل الفرنسي ساهم بشكل كبير في احتلال الجزائر وشارك في سقوط تونس والمغرب بيد فرنسا، قبل أن يطردها المقاومون بعد عقود..

تنتصر المقاومات عبر التاريخ ولا تنهزم. وفي التاريخ المعاصر لم تتحرر الشعوب من محتليها إلا عبر المقاومة وليس أي شيء آخر. لا شك أن نضالات كثيرة تعرضت للسرقة. يُضحِّي المقاومون بكل ما لديهم ثم يأتي سياسيون ليبيعوا تلك النضالات ويقبضوا الثمن. حدث هذا بعد “الاستقلالات العربية” المغشوشة. غير أن ذلك لا يعني أن المقاومة خسرت.

لا تنفك المقاومات عن بعضها. فهي مسار واحد يراكم التجارب ويصوب نحو الهدف ذاته. لا شك في وجود إخفاقات وتعرجات وتلكؤات وآلام، غير أن ذلك كله لا يثنيها عن المضي في تحقيق ما تصبو إليه. كل ما تحقق هو جزء مما ينبغي أن يتحقق. فالطريق لا يزال طويلا وأشواك الإرهاب التي تم زرعها تحتاح وقتا كي يتم قلعها، والكيان الذي تم تجذيره يحتاج مجرفة عاتية كي يتم استئصاله. لا شيء يتحقق دفعة واحدة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.