“عرب” الجامعة , وعرب المقاومة والساحات
م. ميشيل كلاغاصي الإثنين 31/7/2017 م …
“عرب” الجامعة , وعرب المقاومة والساحات …
يبدو أن بعض الدول وحكام العرب , عزفوا عن جعل العروبة نطاقهم , وفضلوا لعبة الدم والحروب الدينية وحيث ولدت الديانات السماوية الثلاث , إذ وضع بعضهم أرجله على طريق الشرّ و اختار سفك الدماء الزكية , ولم يعرفوا طريق العدل والحق والسلام, واتبعوا الطريق الشائكة المعوجّة.
ويسأل البعض: هل حقا ً, يكرهون الشعوب العربية والعروبة وخصوصا ً سوريا !؟.
فلطالما كانت سوريا الوطن الأم للبشرية كلها, وتسعة آلاف عام ٍ في التاريخ وأقدم المدن والعواصم وأعرق الحضارات وأرض الرسالات السماوية و رسالة الإنسان للإنسان… وهي من وضعت أولى أقدامها على الطريق الصحيح, وبدأت تتلمّس طريقها في عالم التطوير والتحديث وقطعت أشواطا ًفي الديمقراطية, والإبداع العلمي والصناعي و الزراعي….الخ.. وهي التي دعمت العرب واحتضنت شعوبهم في ظروفهم الصعبة – بلا خيام – وساهمت في إعمار بلدانهم ومدنهم , وكانت السند الحقيقي للحق العربي في قضاياه الكبرى , وعلى رأسها قضية فلسطين المركزية.. وهي دولة العيش المشترك الحقيقي لأبنائها ولفسيفساء تركيبتها الطبيعية , الأمر الذي يمنع ويجهض قيام “الدولة اليهودية” لمجرد أنه يثبت العكس.
يبدو أنها هكذا أزعجت بعض العرب, وحاولت منع استسلامهم وانبطاحهم وانهيارهم وضياعهم , لكن البعض وقع في الفخ , وتراه يجيب على السؤال , نعم لهذا نكره سوريا ..!؟.
و يبقى من غير المقبول , اندفاع البعض للإنخراط في الحرب عليها , بما سمح للإدارة الأمريكية أن تقوده كالأعمى, ولكن إلى أين؟ , فمن الواضح أن العرب لم يعرفوا سوريا.. و لا حتى أمريكا ..!
إن لجوء الإدارة الأمريكية لتجنيد ما يدعونهم “الجهاديين” أو “المعارضين” ( مجرمون , إرهابيون , مضللون حتى لو كانوا ذوي نوايا حسنة ), ليس إلاّ لخدمة مشروعها , ولإستنزاف دول المنطقة وشعوبها.
فمن يراقب سياستها يعلم أنها لا زالت – ولم تتخلى يوما ً– عن سلاحها الأسهل , القائم على إثارة المشاكل و التمزيق وإشاعة الفوضى من داخل الدول, وهزّ استقرارها وجعلها تدفع ثمن استقرارها الجديد “المزيف”, الأمر الذي يُبقي أسباب الصراعات “القديمة” قائمة , ويرغم تلك الدول على مسالك العنف, وضرورة الإستعانة بها و بالاّخرين! , وكان على الزعماء والحكام والعقلاء العرب, أن يتسع أفقهم ويستوعبوا الحق, ويكتشفوا الباطل , و ألاّ يقعوا في الشراك الواضحة , ويدركوا أن التاريخ سيذكر بالخير من ينهض بأمته و يوقف التدهور ويطفئ نيران الغضب, و من يتسامح , وليس العكس, وأن يدركوا أن الحرب على العالم العربي قائمة حتى تبتلع مقدراته وثرواته ومياهه وكل خيراته , وعقول مبدعيه, وتمتص نفطه و بتروله حتى اّخر نقطة.
ومن الواضح حتى اليوم, أنهم لا يريدون وضع نهاية للحرب على سوريا وفي غير مكان , في وقت ٍ لا يملكون فيه أفقا ً أو خطة ً أو قرارا ً مستقلا ً للمتابعة , رغم يقينهم من صمودها وبقائها وإنتصارها.
سنواتٌ طويلة أمضاها “العرب” في التحضير لشن الحرب على سوريا , ما استدعى تأجير عقولهم وقلوبهم للشيطان , ووضعوا أنفسهم ومن جندوه رهينة المشروع الصهيو- أمريكي- التكفيري الجهنمي.
ومن يراقب عمل الجامعة العربية و منذ نشأتها يلاحظ دونما عناء , أنها لم تكن لتعبرعن ارادة و طموحات الشعب العربي و لو لمرة واحدة , ولن يكون من الصعب رؤية ما هو أبعد من الضعف أو عدم التفاهم واختلاف الرؤى حول قضايا الأمة, ولم يكن له أن يتخيل دولاً عربيةً إرتضت لنفسها مهمة خيانة العرب والعروبة, لكن الزمن تكفل بكشف وإثبات ذلك , وأن فشلها في دورها وقدرتها وامتلاكها القوة اللازمة للدفاع عن حقوق الأمة ليس قدرا ً, بل بفعل فاعل ٍ, استطاع أن يحولها إلى اّلة شجب ٍ و تنديد ٍ في مرحلة , وحرمها منه في مرحلة أخرى .
فلم تتخذ الجامعة قرارات مصيرية هامة إلا ما ندر وعُرقلت وتعطلت اًلية تنفيذ ما صدر عنها وبقيت قراراتها حبرا ً على ورق , وأرادها الفاعل الخفي جامعة ً لزرع الشقاق والخصام والتفرقة عبر الشتائم و المواقف الشخصية لحرفها عن دورها المفترض , واستجرّها نحو الخلافات تمهيدا ًلإختلاق الذرائع واستصدار المواقف القاتلة , نعم .. لقد حدث الشرخ وأصبحت الدول العربية تحت قبتها فريقان أو أكثر , و ارتضى لها فريق الفاعل أن تلعب دور “جامعة قتل العرب للعرب”, فعملت على محاصرة هذا البلد و معاقبة ذاك تحت عناوين مختلفة.
لقد نفّذت أجندات الغرب بحذافيرها ولعبت وتاّمرت على القضية الفلسطينية , ولعبت دورا ً مدمرا ً في لبنان إبّان الحرب الأهلية , والأمر نفسه في حرب تموز 2006 وحرب غزة 2008 – 2009 , و ما تلاها , وضاعت أصوات الشرفاء تحت قبتها فمنهم من هددوه و منهم من حاصروه , و بقي الصوت السوري لوقت ٍ طويل شبه وحيد.
وجاءت الأعوام الأخيرة صريحة ً وواضحة , إذ كشّر الفاعل عن أنيابه وخلع اّخر أقنعته , وظهرت الوجوه الكالحة على حقيقتها , فركبوا المقعد الأول في قطار “الربيع العربي” تاركين بلادهم كعنز ٍ شارد في غياهب التخلف والظلم والقمع والاستبداد , فيما هم يلّوّحون برايات الحرية والديمقراطية التي يفتقدونها تحت مسمى جامعة الدول العربية.
لقد حولوها لجامعة اّل … و اّل … ومن لف لفهم , و لعبوا بمصائر الشعوب العربية ,وأظهروا حقدهم وعدائهم بما فاق العدو الحقيقي ذاته, وجعلوا من الجامعة العربية رأس حربة في معارك الدم, فعلى أيديهم وبفضل إرهابهم و إرهابييهم ومالهم القذر وأسلحتهم اللعينة, سال الدم السوري بغزارة و دمّرت المدن والقرى والبنى التحتية.
لقد خلقوا المشكلة وعرقلوا الحل , وجمّدوا عضوية سوريا , وأرادوا نزع علمها الوطني واستبداله بعلم الذّل والعار والإنتداب , وانقلبوا على ميثاق الجامعة وخالفوا كنهها , وأضحت الجامعة بفضلهم رهينة الموقف السياسي المنحاز لقطر والسعودية اللذان سعيا و منذ البداية الى استحضار التدخل العسكري الخارجي بأوامر أمريكية.
اليوم وبعد الصمود والنصر السوري واقتناع مشغليهم بعدم امكانية سقوط سوريا , وإتجاههم نحو التسوية السياسية , فبدأوا يبحثون عن مقعد ٍعلى طاولة الحل والتفاوض , الأمر الذي يبدو مستحيلاً بعد كل ما فعلوه والإنحياز والعداء الذي أظهروه , ولم يعد بالإمكان الحديث معهم أوعبرهم , فما زال قتل أيُ ارهابي ٍ يشكل صفعة ً لهم , فليحصّنوا دفاعاتهم ما استطاعوا , فالزلزال السوري قادم وإطاحتهم واجبة وواقعة لا محالة.
ومن باب الإنصاف لما كان يدور في أروقة الجامعة و مجالسها , فلا يزال السوريون يذكرون وزير الخارجية اللبناني الأسبق عدنان منصور الذي اعتبر أن :”قرارات الجامعة ساهمت بتصعيد العنف في سوريا” , و طالب برفع تجميد عضويتها, كذلك فعل نظيره العراقي الأسبق هوشيار زيباري الذي اعتبر أن الجامعة هي جامعة دول عربية و”ليست جامعة معارضات”.
ومنذ بضعة أيام أدهشنا المقترح القطري الذي عرض وساطة المشيخة لإحلال السلام و بجعلها منصة ً للمفاوضات المباشرة بين الدولة السورية والمعارضة بقيادة روسية.! , الأمر الذي رفضته موسكو مباشرة ً.
فيما انبرى الأمين العام للجامعة لتحديد أربعة “ثوابت” تخص الأزمة السورية وتتلخص بخلطة من السم والدسم , وبما يدعم الموقف الأمريكي , وبما يملي الشروط على الدولة السورية خصوصا ً ما يتعلق بربط تواجد المجموعات الإرهابية بالوجود الشرعي لحلفاء سوريا ومن دعاهم أبو الغيط ب “الأجانب”, وبدعم تشكيل “الناتو العربي” كمقدمة لتدخله ليحل محل القوات الروسية وكافة حلفاء سوريا , لكنه وقع في المصيدة إذ قال أن :” الأزمة السورية هي بالأساس أزمة عربية”, وأثبت ذاكرة ً فذة , تتناقض مع ذاكرة الجامعة التي جمدت عضوية سوريا و سمحت بتدويل الأزمة السورية , و بدا كلامه بالنيابة عمن يراسهم كمن يحدد شروطا ً لوقف الحرب وإعلان نصر سوريا.
وفي وقت ٍ تتألم فيه سلطات الإحتلال الصهيوني من تفكك عناصر الحرب على سوريا وخاصة ً إتفاق الجنوب بالتوازي مع فشل كافة مخططاتها , فسعت لإفتعال مشهدا ً مألوفا ً عبر استباحتها المسجد الأقصى و بالإعتداء على المصلين والفلسطينيين , وإعلاق بوابات المسجد الأقصى وتركيب بوابات ٍ إلكترونية وكاميرت مراقبة, بهدف :
1- الضغط على واشنطن , التي يسير بها ترامب على قاعدة “أمريكا أولا ً “, لمراعات أمنها وهواجسها و مصالحها , و”الخطر” الفلسطيني تجاهها , والعودة لشعار “إسرائيل أولا ً”.
2- منح بعض الحكام العرب , فرصة ً لتلميع وجوههم .
3- إعادة من سار في ركبهم من القادة الفلسطينيون وبعض الفصائل إلى الحضن الشعبي الفلسطيني ليبقوا بمثابة عينها الساهرة للاّتي من الأيام , خصوصا ً بعد الزخم الشعبي والإلتفاف الجماهيري الشامل حول فكر ونهج و إنتصارات المقاومة في لبنان و سوريا و اليمن و العراق .
وإذ رضخت سلطات الإحتلال أمام الغضب الفلسطيني وبطولات وتضحيات ودماء شعبنا الفلسطيني, وقررت إزالة البوّابات الالكترونية والكاميرات , في وقت ٍ تداعى فيه وزراء الخارجية العرب بدعوة أردنية لإجتماع ٍ طارئ ، وسط إعتذار بعضهم بذريعة إرتباطهم بفعاليات أخرى، ما اضطر الجامعة لتأجيل الإجتماع يوما ً إضافيا ً, وعقد الإجتماع يوم أمس الأول , واتحفنا فيه الأمين العام بأن :”القُدس خطٌ أحمر لا يقبل العربُ والمسلمون المساس به” , تصريح ٌ يحتاج فقط إلى من يصدقه لعرب ٍ ارتضوا التطبيع الكامل وإنهاء حالة العداء بالمجان و قبل إستعادة الحقوق , ومنهم من سبق له وخاطب نتنياهو ب”صديقي العزيز” , ومنهم من اعتبر الكيان الغاصب “حضنا ً دافئا ً” , ومنهم من وافق على حل الدولتين في العلن , وما خفي أعظم ! , فيم أتت أسطر البيان المزدحمة بالكلام المكرر غير المدعوم بأي نية ٍ في تغيير الواقع المرير لطاعتهم و إنقيادهم الأعمى .
أخيرا ً .. مع الفرق الشاسع بين “عرب” الجامعة وعرب المقاومة والساحات , ومع غياب الثقة بجنوح الإدارة الأمريكية نحو السلام , واستمرار دول الخليج في صب أحقادهم وعمالتهم, و إنجراف أردوغان إلى أقصى درجات العنف والتطرف , و ما بين المواقف الهلامية للقارة العجوز , وتحول قادتها إلى دمىً سخيفة , وغياب الوعي العربي وصمته المخيف في ظل استمرار سفك الدم العربي .. و بغياب التحرك الواسع للشعوب العربية للمطالبة بوقف تقديم دماء العرب كقرابين على مذبح الصهيونية وعملائها , قد نرى الشعوب الغربية تسبقها في تحركها كما فعلت إبان العدوان الأمريكي على العراق .. ويبقى تعويل العالم العاقل على قوة وصلابة الجيش العربي السوري وحلفاء الدولة السورية في محور المقاومة لتكون السد المنيع للحفاظ على الحقوق والإنسان والقيم الإنسانية.
التعليقات مغلقة.