أُحجية خلافة عباس
ابراهيم ابوعتيله ( الأردن ) الأربعاء 2/8/2017 م …
أُحجية خلافة عباس …
تناولت الأنباء القادمة من رام الله الحالة الصحية للرئيس محمود عباس ، فمن أخبار تقول بأن حالته مطمئنة إلى أخبار تقول غير ذلك وأن صحة الرئيس حرجة .. وعلى ذلك ، فإن مجرد التفكير بهذا الأمر يفتح أبواباً على كل الاحتمالات خاصة وأن الرئيس قد تجاوز الثمانين من عمره ، مما يثير المزيد من الإرباك على الحالة الفلسطينية المربكة اصلاً فهو علاوة على كونه رئيساً ل ” دولة فلسطين ” فهو يتولى أيضاً رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئاسة حركة فتح ، ومن هنا يتبين مدى حالة الإرباك التي قد تنجم عن غيابه المفاجئ فيما لو حصل .
لقد تناوب على قيادة المنظمة أربعة أشخاص ولم يشعر أحد في تلك الحالات بحالة الارباك التي نشعر بها الآن مع التحفظ على الأسلوب الذي تولى به ياسر عرفات الرئاسة بعد السيد يحيى حمودة الذي تقلد المنصب لفترة انتقالية قصيرة بعد أن تم إبعاد المؤسس المرحوم أحمد الشقيري من قبل تيار ” فتح ” وبدعم من الأنظمة العربية حيث قامت العديد من الدول العربية بدعم حركة ” فتح ” كي تتعاظم قوتها على حساب التنظيمات الأخرى من خلال الدعم المالي تارة والإصطفاف معها وتكفير قوى اليسار تارة أخرى ، وكانت النتيجة أن هيمنت حركة ” فتح ” على منظمة التحرير الفلسطينية وتقزمت بالمقابل الفصائل الأخرى شيئاً فشيئاً بما فيها فصائل اليسار ، حتى وصل معه الأمر إلى يعتقد العامة بأن فتح هي المنظمة والمنظمة هي فتح ، وبالنتيجة باتت قيادة المنظمة ترتبط تماماً وبشكل طبيعي بمن يتولى قيادة حركة ” فتح “.
ومع ما صاحب ولاية عرفات للمنظمة ، وما شهدته تلك الحقبة من تنازلات كبيرة على صعيد القضية الفلسطينية والتي انتهت باتفاقية الخزي والعار في أوسلو والتي تخلت بموجبها المنظمة عن الميثاق الوطني الفلسطيني وعن مبررات وجودها لتحرير فلسطين كل فلسطين ونبذ الكفاح المسلح الأمر كويلة وحيدة وأساسية لعملية التحرير، كما وشهدت تلك الحقبة غياب العديد من رموز” فتح ” والمنظمة إما ابتعاداً طوعياً أو إبعاداً قصرياً أو بالإغتيالات المتلاحقة كل ذلك بالإضافة إلى بعض الإنقسامات التي حصلت في ” فتح ” ، فكان لابد أن يترأس المنظمة بعد وفاة عرفات من يستمر في ذات النهج من حيث التراخي في المطالبة بالحقوق والتمسك بالثوابت واعتبار التفاوض وما يسمى ” سلمية النضال ، وسلمية المقاومة !!! ” طريقاً وحيداً لتحرير 22% من أرض فلسطين التاريخية لإنشاء دولة مسخة على هذا الجزء وتسميتها تجاوزاً ” دولة فلسطين ” ، ولم يكن هناك من يتولى قيادة المنظمة بعد وفاة عرفات في تشرين الثاني/نوفمبر 2004 إلا محمود عباس الذي تقلد منصب الرئاسة رسمياً مع بداية عام 2005 وهو الذي قاد عملية التفاوض في عهد عرفات وصولاً لاتفاقية أوسلو ، علاوة على ما حظي به عباس من دعم كبير من الغرب أثناء توليه منصب رئيس الوزراء في عهد رئاسة عرفات ، فكان لعباس ذلك ، وتولى الرئاسة ، وسار على نهج المفاوضات كما هو مخطط ، وكيف لا ، وهو الذي يعتبر ” الأب الروحي للمفاوضات ” كما قام عباس بانتهاج ما يسمى ب” سلمية المقاومة ” النضال للوصول إلى الدولة .
والآن وبعد أن تجاوز عمر الرئيس عباس الثمانين عامأ ، ومع ما يشاع عن حالته الصحية التي قد تقوده إما إختياراً أو قصراً للتنحي عن موقع الرئاسة ، تزايد الحديث عن خليفته المحتمل، وكثرت الأسماء التي تحاول تلميع نفسها وكسب ود الداعمين من فلسطينيين وعرب وغيرهم من خلال استخدام سينوريوهات مختلفة ينتهجها كل واحد منهم ، فتاهت التوقعات ، ولغاية هذه اللحظة ، لا يكاد يتفق اثنان على شخصية الرئيس المنتظر، ولو أن هناك أسماء بعينها يتم ترديدها وتداولها على ألسنة عامة الناس ، ولعل من بين هذه الأسماء :
· ماجد فرج والذي يتولى حالياً منصب رئيس المخابرات الفلسطينية ويتميز بشخصية حازمة كما يحظى بعلاقة جيدة مع تيار المفاوضات وقد يحظى بدعم من الدول العربية ومن المعسكر الغربي وعلى رأسه أمريكا فموقعه كرئيس للمخابرات يؤكد قدراته وعلاقاته الواسعة .
· صائب عريقات أو كبير المفاوضين يتولى حالياً موقع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وهو المتمرس في عملية التفاوض منذ أن شارك عباس في مفاوضات أوسلو حتى الآن .
· جبريل الرجوب وهو رئيس سابق لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني وامين سر اللجنة المركزية لحركة فتح حالياً ويتولى رئاسة الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم واللجنة الأولمبية الفلسطينية.
· الدكتور ناصر القدوة الذي يتمتع بخبرة سياسية ودبلوماسية كبيرة من خلال عمله كعضو في في المجلس الوطني الفلسطيني ومساعد للمندوب الدائم للبعثة الفلسطينية في الأمم المتحدة وعمله كممثل فلسطين الدائم في المنظمة الدولية علاوة على قربه من ياسر عرفات وحامل وحافظ سر مقتله.
· محمد دحلان ويحظى بدعم عربي واضح و يترأس ما يسمى بالتيار الإصلاحي في حركة فتح ، وهو الذي يحاول العودة بقوة للساحة الفلسطينية ولقد باركت حركة حماس عودته للمجلس التشريعي الذي عقد اجتماعه في الآونة الأخيرة في غزة بعد أن كان أحد مبررات انقلاب حماس على السلطة كما وصلت حماس مع دحلان إلى تفاهمات واضحة في إدارة الشأن الفلسطيني ، ولكن وعلى الرغم من قوة دحلان إلا أنه يبقى شخصية خلافية لمعارضته من قبل القسم الأكبر من حركة” فتح ” .
· مروان البرغوثي والذي يسمى أحيانًا بمانديلا الفلسطيني بالنظر لوجوده في سجون العدو الصهيوني لفترة طويلة ، ويتميز بجهوده الحثيثة لتوحيد الصف الفلسطيني وتزعمه لإضراب الأسرى الأخير ، ولقد كان البرغوثي الزعيم الوحيد الذي تقدم على زعيم حركة حماس في غزة، إسماعيل هنية، عندما تم استطلاع رأي الفلسطينيين حول خليفة عباس ، ولقد قال صائب عريقات كبير المفاوضين وأمين عام منظمة التحرير الفلسطينية في تصريح اذاعي بأنه سوف يقف إلى جانب البرغوثي إذا ما ترشح للرئاسة، ولكن المشكلة الكبيرة التي تواجه البرغوثي كونه خلف القضبان حيث يقضي خمسة أحكام بالسجن مدى الحياة على التوالي بتهمة القتل ، مما يعني صعوبة توليه منصب الرئيس ، ما لم تصدق الإشاعات التي تقول بأن هناك صفقة تبادل قريبة للأسرى بين حماس والعدو الصهيوني وسيكون البرغوثي على رأس من سيتم إطلاق سراحهم ، مما يعني الموافقة الحمساوية الضمنية على توليه الرئاسة ويعني أيضاً سهولة الحصول على موافقة تيار دحلان على ذلك بعد ما تم الوصول إليه من تفاهمات بين حماس ودحلان في الآونة الأخيرة .
· ورغم قوة الأسماء التي ذكرت ، إلا أنه ما زال هناك من يقوم بترديد أسماء أخرى كالدكتور سلام فياض والدكتور محمد اشتية .
ولعل الأمر الأكثر أهمية من موقع الرئيس هو أن تتم عملية الخلافة بهدوء وبدون خلافات كبيرة بين الفلسطينيين .
التعليقات مغلقة.