الإعلامي الأردني محمود كريشان يكشف جوانب مهمة من مواقف الشهيد وصفي محلياً وعربياً ومصدر الرصاصة القاتلة

 

الأردن العربي – محمد شريف الجيوسي ( الخميس ) 5/3/2015 م …

كتب الزميل الإعلامي محمود كريشان ، مادة مهمة جداً دقيقة ومنصفة وموضوعية تتوفر على كمٍ كبير من المعلومات والحقائق حول شخصية الشهيد وصفي التل ومقتله .. ، أضعها بين يدي القراء ، للإطلاع والاستزادة ، رغم أنني أختلف مع الكاتب في جزئيتين أولاهما المتعلقة بالراحل العربي الكبير جمال عبد الناصر، وإن كنت أتفق مع الكاتب والشهيد التل بعبثية المشاركة في حرب حزيران وفق الإمكانيات العسكرية والظروف التي كان الأردن عليها وقتذاك.

والجزئية الثانية التي اختلف فيها مع الكاتب فيها قناعة وصفي التل بعدم جدوى المقاومة ، وإن كنت اتفق معه بأن العمل الفدائي بالصورة التي كان عليها ( والذي لم يكن مقتصراً على الفلسطينيين تشارك اردنيون وعراقيون وسوريون ولبنانيون فيه وغيرهم حتى تروتسكيين أوروبيين ) ارتكب ( أي العمل  الفدائي) أخطاء فادحة وانحرافات طفولية يسارية ويمينية ، وابتعد عن الغايات التي يفترض أنه نشأ من أجلها حتى أكاد ارى أن هذه الانحرفات لم تكن ناجمة عن سوء تقدير وإنما بأفعال فاعلين ، لإيصالنا إلى ما نحن فيه .     

وما كتبه الزميل كريشان ، يكشف مدى التعاون الأردني السوري ؛ الرائع .   

وأترك النص كما ورد حتى بأصله المتضمن النزر من الأخطاء المطبعية .

مع تحيات رئيس التحرير : محمد شريف الجيوسي

 

قاتل وصفي التل يستجدي موافقة لدخول الاردن!

الهلال نيوز- محمود كريشان

قال مصدر مطلع في تنظيم الجبهة الشعبية / القيادة العامة / احمد جبريل ان المدعو مفيد الونج “اسم حركي”أحد الكوادر العسكرية للتنظيم في البقاع اللبناني وأحد المتهمين باغتيال الشهيد وصفي التل يبذل جهودا واسعة نحو السماح له بالدخول الى الاردن برفقة عائلته الموجودة في دمشق تمهيدا للاقامة الدائمة.

وزاد المصدر ان طلب مفيد “الونج” قوبل برفض اردني شديد لاعتبارات هامة لا يمكن المساومة حولها.

ويذكر ان المرحوم د. محمد الجمل كان قد كتب عن قصة استشهاد وصفي التل ما نصه:- أربعة عقود مرت على ذكرى اغتيال الشهيد وصفي التل… وفي كل سنة يلتقي صفوة من علية القوم لاستذكار مناقب الفقيد ولا أحد يقترب من الحقيقة زعما ان القضية ملتبسة- كما يدعون- عذرا كاذبا لعدم الاقتراب من الحقيقة.

فضائية الجزيرة بإدارتها المتحيزة كلفت مقاول إخراج تفلزيوني بطبخ حلقة في برنامجها الشهير “الجريمة السياسية”.. فحضر فريق العمل من مصر إلى الأردن.. والتقى عدداً من الشباب من أقارب الشهيد وصفي التل ومن بينهم طارق التل الذي اقترح عليهم الاتصال بي قائلا لهم أن لدي ما يستحق ان يسمع، وتم الاتصال الهاتقي بي فحذرتهم بدايةً ألا يتكرر المشهد السابق الذي ظهر على شاشة الجزيرة من خلال برنامج “قصة ثورة ” وفيه ظهر أحد القتلة “جواد أحمد أبو عزيزة” حيث قال مفاخراً: لقد أطلقنا عليه 14 طلقة – ولي مع هذا الرجل قصة اخرى سأتعرض لها لاحقاً- لا أجافي الحقيقة إن زعمت ان الشهيد وصفي التل هو رئيس الوزراء الأردني الوحيد الذي كان يملك رؤية شمولية لبناء دولة عصرية تعتمد على ذاتها بعيداً عن الضغوطات الاقتصادية الدولية.

ومن مأثرة في هذا المجال ما لا يمكن حصره…على سبيل المثال:

خلال لقاء الرئيس وصفي مع السفير الأمريكي بعمان أوائل عقد الستينات من القرن الماضي قال السفير موجهاً كلامه إلى وصفي: إن الشعب الأردني شعب كسول… فسأله وصفي: كيف؟ أجاب السفير: أستطيع أن أجوعه بكتاب أوعز فيه بوقف المساعدات الأمريكية من القمح للأردن.

استفز هذا الطرح المرحوم وصفي التل فرد على السفير: افعل ما تراه، إن الشعب الأردني لن يجوع بإذن الله ابداً. ثم ذهب وصفي إلى الملك حسين – طيب الله ثراه – وروى له قصته مع السفير.. وأردف قائلاً: إني سأعلمه درساً عن حقيقة الشعب الأردني.

اتصل وصفي بالمسؤولين السوريين وطلب منهم قمحاً لزراعته في الأردن..فاستجابوا لطلبه..ثم بدأ بجولة على أنحاء البلاد بدأها بمحافظة معان.. ويروي لي المرحوم “زرقان أبو حيانة” – وهو أحد وجهاء معان- ان وصفي زار المدينة والتقى بوجهائها قائلاً لهم: أين كوايركم (الكوارة كانت تستخدم لخزن القمح والحبوب كافة) أريد أن أراها.. فزار عدة بيوت ليجد ان الكواير كانت فارغة تماماً.. خاطبهم وصفي قائلاً: لا أريدها بعد الموسم القادم أن تكون فارغة… استخدم وصفي شحنات القمح السوري بواسطة قطارات بلغ عددها 14 قطاراً ووزعت على المزارعين في شتى أنحاء البلاد.. فزرعوا الأرض التي لم تغزها القلاع الاسمنتية بعد… يتابع زرقان أبو حيانة القول: لقد أنعم الله علينا في ذلك العام قمحاً وفيراً وكانت سنة خير وبركة وكما يقولون “غلال” فصدرنا القمح من إنتاج محافظة معان فقط إلى السعودية وغيرها كما أنتجت مختلف المحافظات قمحاً وفيراً… وذلك أثبت وصفي للسفير الأمريكي الشعب الأردني شعب حي منتج إن وجد التوجيه والتخطيط السليم البعيد عن الفساد والإفساد والتغول على مقدرات الشعب.

وقصة أخرى من قصص وصفي التي تظهر جلياً مدى استشراف الرجل للمستقبل وحرصه على بناء الأردن الحديث ما يلي:

كنت أعمل في أبو ظبي وجئت لزيارة الأردن في شهر نيسان 1971 …فحملني المسؤول التعليمي الظبياني رسالة إلى وزير التربية والتعليم حنذاك الدكتور اسحاق الفرحان..وكان مضمون الرسالة الطلب من الحكومة الأردنية الموافقة على تمديد إعارة 60 مدرساً وكذلك إيفاد 60 مدرساً جديداً كإعارة لما كانت تتمتع به الكوادر التعليمية الأردنية من كفاءة ومستوىً عالٍ في العطاء والإخلاص في العمل.. فقال لي الدكتور الفرحان إن التمديد للمعلمين بحاجة إلى موافقة دولة الرئيس وبالمناسبة فإن دولة الرئيس عاتب عليَ لأني عرضت عليه الموافقة على ترخيص مدرستين خاصتين فرفض قائلاً لي: والله إن تفشت هذه الظاهرة في البلاد ستجدون أنفسكم بعد عقود أمام أجيال لا تستطيعون التحدث معها.

وأضاف أن التعليم والرعاية الطبية مسؤولية الدولة حيال مواطنيها مما يستوجب وجود مؤسسة نقل عام حكومية فاعلة لخدمة الناس في التنقل بيسر وسهولة

ولا يخفى أن هذه الخدمات الثلاث: التعليم .. الصحة.. النقل.. بوضعها الحالي تشكل معاناةً كبيرة وعبئاً مادياً لا طاقة للمواطن به عندا يبحث عن البديل.

ومن مأثر وصفي القصة التالية:

زار ولي العهد الأمير الحسن عام 1965 مدينة السلط ويروي الأستاذ فاروق بدران الذي كان مديراً لمدرسة السلط أنه وبعد تناول طعام الغذاء قام أحد المرافقين يصب الماء على يدي سموه وأمسكت أبريقاً لأصب على يدي وصفي فرفض قائلاً: لا والله، مدير مدرسة السلط الثانوية العتيدة يصب الماء، لا والله. فقلت له انني أتولى هذا العمل لثلاثة أسباب: الأول أنك ضيفي في مدرستي، والثاني لأنك أكبر مني، والثالث لأنك أخو صديقي. فقال: ومن صديقك؟ قلت: سعيد التل، فقال: ولو، شوف واحد غيرك يا مدير مدرسة السلط الثانوية المحترم.

وذات يوم ترأس اللجنة المركزية لتنظيم السير بعمان فسمع أحد المجتمعين يقول:بأن أصحاب شركات الباصات الذين يملكون حق الوقوف وسط العاصمة هم من المتنفذين الذين يصعب إجبارهم على تنفيذ الخطة المقترحة فما كان منه إلا ان أجاب: إن الحكومة التي لا تستطيع تنظيم السير لا تستحق ان تكون حكومة. ومن نافذة القول أن هيبة الحكم في زمنه قد وصلت إلى درجة جعلت كبار المسؤولين وحتى صغار الموظفين يشعرون وكأن وصفي يقف بقامته أمام كل منهم وهو يؤدي عمله.

وقصة أخرى من قصص وصغي ؛ كان وصفي قادماً من عجلون إلى جرش في طريقه إلى عمان وكان من عادته أن يحمل منظاراً “دربيل” معه في سيارته وعندما استقام الطريق بعد ساكب شاهد بالمنظار جنوب غرب الطريق أربعة رجال يقطعون أشجارا حرجية … فاتصل بالمركز الأمني بجرش وطلب منهم سرعة تطويق الرجال وجلبهم مخفورين وأمر بإيداعهم في السجن العسكري بالزرقاء، وفي اليوم التالي طلب من مدير القضاء العسكري ورئيس المجلس العسكري أن يحضرا إلى مكتبه وسألهما عن عقوبة قاطعي الأشجارالحرجية وسرقتها فأجاب أحدهما: السجن مدة شهرين و استبدالهما بغرامة… فاستهجن وصفي العقوبة فقال: لكن هؤلاء ارتكبوا جريمة الاعتداء على املاك الدولة وسلبها بقوة السلاح… فقال مدير القضاء العسكري: هكذا ؛ الجريمة اختلفت وعقوبتها من 3- 6 سنوات فأصر وصفي على إنزال العقوبة الأشد بحقهما كي يكونوا عبرة لمن اعتبر.

انجازات وصفي لبناء الدولة الحديثة شواهد عملاقة.. ابتداءً من تأسيس الجامعة الأردنية حيث قام وصفي شخصيا باختيار موقع مستنبت وزارة الزراعة في الجبيهة ليكون موقعا دائما للجامعة الأردنية للاستفادة من إمكانيات المستنبت في تأسيس كلية للزراعة في الجامعة لتساهم في تطوير القطاع الزراعي الذي كان يوليه اهتمام خاصا ، اضف الى ذلك البنك المركزي ومؤسسة الإقراض الزراعي وبنكها والمنظمة التعاونية ومدرسة الشوبك الزراعية والربة الزراعية وقسمي البيطرة والمراعي في وزارة الزراعة.

ولعل اخراج معسكرات الحسين للبناء هي خير شاهد على تسخير الطاقة الشبابية لتعمير الوطن وتشجيره واقامة الغابات ولا تزال انجازات المعسكرات ماثلة للعيان ومن ابرزها غابة الشهيد وصفي التل على طريق عمان / جرش .

ومن مآثر وصفي التي تسجل له ولا ينكرها الا جاهل انه كان يبادر بمجرد ان يشكل اي حكومة من حكوماته الى اطلاق سراح المعتقلين السياسيين احتراما للرأي والرأي الآخر.

صدف ان احد نشطاء الحزب الشيوعي المحظور في مطلع الستينات وهو المدرس بمدرسة الامير محمد بعمان “عبد الفتاح تلستان” تم اعتقاله وخلال خضوعه للتعذيب باشراف خبير اجنبي لقي حتفه … وبعيد أن شكل وصفي حكومته اتصل فورا بمدير المباحث العامة (التي اصبحت في وقت لاحق المخابرات العامة) وطلب من مدير المباحث ترحيل الخبير الاجنبي الذي يعمل في الدائرة فورا وعندما حاول مديرالمباحث التلكؤ في تنفيذ الامر محاولا الاختباء خلف جلالة الملك قال له وصفي بحزم “انا رئيس الحكومة المسؤول عنك ويجب تنفيذ امري فورا … وهذا الرجل يجب الا ينام الليلة في الاردن”… وهذا ما كان.

ومن مآثر وصفي انه عارض مشاركة الاردن في حرب حزيران لانه كان يدرك حقيقة الاوضاع… بينما كانت رؤية العاهل الراحل الحسين اننا ان لم ندخل الحرب فسنوصم بالخيانة وكان ما كان … وحلت الهزيمة وضاعت البلاد والعباد وانسحب الجيش مهزما يتجرع المرارة واصبحت منطقة خو مركز تجمعه… قام وصفي بزيارة الجند في المعسكر … وكان حينها لا يتولى اي منصب رسمي … فوجد ما هم عليه من اوضاع … يروي لي احد الضباط الذي رفض ان اذكر اسمه ان وصفى انطلق واحضر كميات كبيرة من الخبز في شوالات من مخابز صويلح والمحطة والزرقاء كما احضر شوالات من السكر وصناديق من الشاي ليتمكن الجنود من ان يقيتوا انفسهم في تلك الظروف الصعبة واستمر في ذلك عدة ايام.

كل الأردنيين يعرفون أن وصفي كان له شعبية شديدة في القوات المسلحة والكل يذكر هتافهم له في المدينة الرياضية والتي حضرها بمعية المرحوم الملك حسين فأحرج وصفي وما كان منه الا أن تناول يد الملك ورفعها لتحية الجماهير.

أذكر أن أحد كبار الحزب الشيوعي الأردني شارك في حفل تأبينه وألقى خطابا رائعا كله ثناء على الشهيد مستذكرا مواقفه الوطنية ومشيدا بفكره العميق وعمله الدؤوب لمصلحة الوطن ، وبعد انتهاء حفل التأبين سأله أحد الخطباء المشاركين: ولماذا لم تقل ذلك يا دكتور من زمان ؟ وكان جوابه: كنت أخاف سطوة الحزب.

كان وصفي ضحية موقفه الصلب ضد الشعارات التي ملأت العالم العربي بآلة الاعلام الناصرية (كلفتها 40 مليون حنيه سنويا) والتي كانت محاورها تمتد بين بيروت والقاهرة وانتقال أبو عمار الى بيروت جعل توجيه الحملة ضد وصفي أقوى بكثير مما سبق.

لم يكن وصفي سياسيا ميكافيليا لأن أخلاقه لا تقبل ذلك، والا لما اغتيل لو كان مراوغا ويميل مع تيارات الكذب والمداهنة.

ولعل المقابلة التي أجراها معه سليم اللوزي لمجلته الحوادث في نيسان والتي احتلت 8 صفحات عكست فكر وصفي الذي انتقد بشدة العمل الفدائي الذي طرحه قادته بديلا عن الجيوش العربية لتحرير فلسطين.

كان ملخص رأي وصفي: لا يحرر فلسطين الا جيوش موحدة، عالية التدريب ولديها ارادة القتال، بالاضافة الى تثوير الاهل في الوطن المحتل. هذا الرأي السديد كان الدافع عند وصفي للسفر الى القاهرة لطرحه على وزراء الدفاع العرب.

بدأت القصة بالدعوة الروتينية السنوية لعقد لقاء وزراء الدفاع العرب السنوي برعاية الجامعة العربية وفي مقرها في القاهرة مع طلب تسمية رئيس الوفد وأعضائه، واستجابت الحكومة الأردنية وكان الجواب أن رئيس الوفد هو وصفي التل رئيس الوزراء ووزير الدفاع.

السفير الأردني في القاهرة قضى شهر أيلول في عمان في اجازته السنوية حاملا رسالة من ادارة الجامعة ووزارة الدفاع المصرية تقول نصاً ((أنهم لا يريدون وصفي التل رئيسا للوفد)) .. كانت الرسالة شفوية.

هذا الكلام استفز وصفي الى أقصى درجات الغضب وقال للسفير: كيف حملت الرسالة؟ لماذا لم ترفضها؟ أنا ذاهب الى الجامعة العربية ومقرها في القاهرة، وبقي على هذه القناعة حتى سافر. وأنا مضطر للاستطراد في هذه الجزئية خدمة للبحث عن الحقيقة التي أغفلناها لأربعة عقود، سأعيد ذكر السؤال حول هل يسافر الرئيس الى القاهرة أم لا؟ ولماذا؟ أي ما هي المشكلة؟

بحثت عن مذكرات علي الحياري، السفير الأردني في القاهرة فلم أجد له أي مذكرات أو أي شيء مكتوب أو منشور عن ذلك.

سألت اثنين من كبار ضباط دائرة المخابرات فأنكرا علمهما بأي شيء حول هذا الموضوع، فارس سليمان النابلسي قال لي أن علي الحياري زار والده راجيا اياه أن يثني وصفي عن السفر لأن هناك خطورة على حياته، وفي أقل تقدير قد لا يقدم المصريون الاحترام البروتوكولي اللازم لوصفي، فاتصل أبو فارس به وطالت المكالمة التلفونية بلا فائدة.

من أعجب ما قرأت حول هذا الموضوع ما جاء في مذكرات نذير رشيد ( مدير المخابرات حينئذ – ص 212 ): “كانت دائرة المخابرات العامة تعلم أن هناك محاولة جادة لاغتياله، وتعرف أسماء القتلة تماما . وكان معروف أيضا أن حكومة الرئيس أنور السادات لن تقدم له أو تؤمنه بحماية مناسبة، بل انها ربما ستساعد القتلة على تنفيذ مخططهم كما حصل فعلا!!!؟ “انتهى الاقتباس الحرفي.

مشكلة أخرى تستحق الاستقصاء والنقاش : هل كان مع وصفي حرس خاص؛ بداية الملك حسين حضر فجأة للمطار لوداع وصفي واقترح عليه الغاء السفر مع اجراء تعديل وزاري وتكليف ابراهيم الحباشنة بوزارة الدفاع ويقوم بالمهمة الا أن وصفي رفض بشدة شارحا للملك أنه لا يوجد ما يستوجب هذا الخوف وأنني ذاهب الى رحاب الجامعة العربية وبين كل وزراء الدفاع العرب، وأضاف أن معه النشامى أعضاء الوفد وكلهم ضباط.

عند وصول وصفي الى المطار لم يكن في استقباله الا السفير الأردني وموظف بسيط من قسم التشريفات في الجامعة، علما بأنه كرئيس وزراء يستقبله الأمين العام (كان عبد الخالق حسونة)، أو ينوب عنه الأمين العام المساعد للشؤون العسكرية (كان الفريق سعد الدين الشاذلي)، ولكن وصفي كان يعتبر هذا التقصير لا أهمية له.

عاصمة عربية أخرى كانت مهتمة بوصول وصفي الى القاهرة ، الفاكهاني في بيروت كان قد رصد الرجل أبو اياد (صلاح خلف) أسر برغبته في اغتيال وصفي لأبي يوسف (محمد يوسف النجار) فرحب بذلك وقدم الدعم المادي لتجنيد ثلة من حرسه الخاص للقيام بالمهمة وكانوا أربعة وتولى فخري العمري تدريبهم وسافر معهم الى القاهرة في أوائل تشرين الثاني وفي مطار القاهرة رصد رجال الأمن مسدسا مع جواد البغدادي (اسمه الحقيقي جواد أحمد أبو عزيزة ) وتركوه يدخل الى القاهرة بمسدسه بحجة أنه سيكون أحد أفراد مكتب المنظمة.

انتظروا في كافتيريا شيراتون من ظهر الأحد 28/11 لقناعتهم أن المؤتمر سينتهي مع نهاية الجلسة الأخيرة (الصباحية) وبعد الثالثة ظهرا تقاطرت الوفود فخرجوا الى الحديقة المقابلة لبوابة الفندق وعند خروج وصفي من السيارة وصعوده على درجات الفندق أطلق جواد عليه طلقة واحدة ( فقط ليس كما ادعى 14 طلقة ) أصابته في عضده الأيمن، وحاول وصفي اخراج مسدسه الشخصي الا أنه سقط فجأة.

جواد (البغدادي) قال لي عندما قابلته في منزل شقيقه محمود أبو عزيز في أبو ظبي عام 1973 وقلت له أنت الذي قتلت وصفي التل أجاب: لا والله. أنا أطلقت عليه طلقة واحدة ثم (روكب) مسدسي كما نقول أردف أظن أن الطلقة أصابته في ذراعه اليمنى لأنه مد يده اليسرى ليخرج مسدسه الا أنه سقط فجأة وهربت.

طبيب الفندق أعلن وفاة وصفي ولم يكن قد سال من جسده دماء كثيرة.

مساءً وصل الى القاهرة مدير المخابرات ومعه أحد كبار ضباطه الذي حضر التحقيق كاملا، الا أنه أصر على الكشف عن جثمان الشهيد وتردد الضباط المصريون كثيرا وأمام الحاح الضابط النبيه وعناده أخذوه الى المشرحة ورأى مدخل طلقة في العنق خلف عظمة الترقوة غير الطلقة الثانية التي في العضد، أي أن قاتلا آخر كان أطلق من مكان عال.

قدم القتلة الى المحاكمة وتطوع أحمد الشقيري للدفاع عنهم وتوالت الجلسات العديدة وذات يوم انكشفت المسرحية على رفع القاضي الجلسة فشكره المحامي المصري قائلا ان شاء الجلسة القادمة سأقدم دليلا قاطعا على براءة المتهمين، فسأله القاضي وما هو؟ فقال المحامي انه تقرير الطبيب الشرعي الذي شرح الجثة وأفاد أن الطلقة القاتلة لم تنطلق من أي مسدس من مسدسات المتهمين.

نشرت جريدة الأهرام هذا الكلام في صفحتها الأولى وفي اليوم الثاني قرأ الرئيس السادات ذلك وأوقف المحاكمة وألغاها وتدخل القذافي وأطلق سراح المتهمين وظلوا عدة شهور يسرحون ويمرحون في القاهرة.

بعد أيام من وقف المحاكمة وصل أحمد الشقيري الى بيروت وأطلع أبو اياد على تقرير الطبيب الشرعي فكان تعليق أبو اياد؛ أن أبو يوسف أعطاني مجموعة من الهواه.

حواشي تستوجب الذكر أولها: اطلاق النار الكثيف الذي انطلق من الفاكهاني ومخيمات بيروت.

ثانيها: لقد تحريت ولمدة طويلة عن دور أبي عمار في الاغتيال وكثيرون أكدوا لي أنه من المستحيل أن يحدث الاغتيال دون علمه وموافقته عكس ما كتبه الأستاذ طاهر العدوان في جريدة العرب اليوم منذ سنوات عندما كتب مستنكرا ظهور جواد (القاتل) على شاشة الجزيرة مدعيا بصفاقة: أطلقنا عليه 14 طلقة (كان ذلك حلقة من وثائقية الجزيرة بعنوان: قصة ثورة).

ثالثها: وصلت الى قناعة أكيدة أن اهمالا شديدا حدث قبل الاغتيال وبعده وكذلك في القاهرة.

في عمان قبل الاغتيال، لو أجري التعديل الوزاري قبل أيام مجبرا وصفي على عدم السفر حيث أنه لم يعد وزيرا للدفاع، وكان من الواجب ارسال ثلة من الحرس معه.

الاهمال في القاهرة من السفارة فان مكتب الملحق العسكري به من كان يستطيع القيام بدور الحراسة.

أما الاهمال بعد الاغتيال فاني اؤكد عكس ما يدعي البعض أنه لم يجري أي تحقيق وعلى أي مستوى.

الخلاصة: أن الاغتيال تم بالطريقة المافوية، أي بتواجد هواه يطلقون النار وبشكل معلن بينما القاتل الحقيقي قناص حاذق معه بندقية عالية الجودة يطلق طلقة واحدة في مقتل.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.