الافتاء العام ” في الأردن ” يفند جواز الحرق استناداً غلى الحديث الشريف لا يعذب بالنار إلا رب النار

 

الأردن العربي – محمد شريف الجيوسي ( الخميس ) 5/3/2015 م …  

فندت دائرة الافتاء العام ( في الأردن ) ما يُروى عن بعض الصحابة من حرق للمرتدين والاعداء.

وجاءت الفتوى ردا على سؤال ورد الى دائرة الافتاء، هل صحيح ما تقوم به عصابة داعش الإرهابية من قتل وحرق وتعذيب هو عمل يستند إلى أدلة شرعية من فعل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، أم أنه كذب على الصحابة؟

وتاليا نص فتوى دائرة الافتاء جوابا على السؤال – ما يستدل به خوارج هذه الأمة إما أن يكون عن جهل بالدين، أو افتراء عليه، والضلال يبدأ حين يقصد أحدهم إلى الروايات التاريخية الشاذة، فيستدل بها على ممارساته الإجرامية البشعة، ضارباً عرض الحائط بكل النصوص الشرعية والقواعد الفقهية التي تؤسس لشريعتنا الإسلامية السمحة.

ونحن نؤكد هنا ونقول: لم يثبت عن أحد من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أنه حرق أحداً من الأعداء، فقد كانوا ملتزمين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يعذِّبُ بالنار إلا ربُّ النار” رواه أبوداود (2673) .

وأما ما يُنشر في بعض مواقع الإعلام عن الصحابي الجليل أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه أمر بحرق بعض المرتدين، مثل الفجاءة السلمي، فهذا لا يخفى على علماء الحديث ونقاد التاريخ أنه مكذوب عليه رضي الله عنه: فقد رواه الطبري في “تاريخ الأمم والملوك” بسند فيه راو اسمه سيف بن عمر الضبي، قال فيه الإمام ابن حبان: يروي الموضوعات. “يعني المكذوبات” وقال الإمام الحاكم: اتهم بالزندقة، وهو في الرواية ساقط. “ينظر تهذيب التهذيب” وبسند آخر فيه راو اسمه علوان بن داود، قال فيه الإمام البخاري: منكَر الحديث.

وبهذا تعلم أن النقل عن كتب التاريخ من غير علم ولا دراية يؤدي إلى طريق الفساد، ولا ينتج إلا شذوذاً في الرأي، وإرهاباً يُكسى كساء الدين.

وهذا ما حذر منه الإمام الطبري رحمه الله ؛ نفسه، الذي ينقلون عنه رواية الحرق، فقد تبرأ رحمه الله في مقدمة كتابه من هذه الأخبار المنكرة، وطلب من الباحث المنصف التحقق من الصحة والثبوت، وتجنب النقل الأعمى، فقال رحمه الله: “فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه … فليعلم أنه لم يؤت في ذلك مِن قِبَلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أُدي إلينا”.

وكذلك الخبر الذي يُروى عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه طبخ القدر على حرق رأس مالك بن نويرة لم ترد بإسناد واحد، ولم تذكرها كتب التاريخ المحققة معزوة إلى إسناد يمكن دراسته والبناء عليه، ولهذا لا يجوز رد الحديث النبوي الصحيح في النهي عن التعذيب بالنار، وإساءة الظن بالصحابة الكرام بنسبة الحرق إليهم من غير حجة ولا برهان.

وما يروى في كتاب “الطبقات الكبرى” لابن سعد، فليس فيه عن خالد أنه قطع رأس أحد وطبخ عليه القدر، ثم إن في إسناده انقطاعاً ظاهراً بين عروة بن الزبير – راوي الخبر – وبين زمان الخبر والواقعة. فقد قال أبو حاتم وأبو زرعة – وهما من كبار نقاد الحديث – إن حديث عروة بن الزبير عن أبي بكر الصديق وعمر وعلي رضي الله عنهم مرسل. كما في “جامع التحصيل” للعلائي.

وأما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فمن ينقل عنه الحرق ولا يستكمل حقيقة الخبر فإنما يُلَبِّس على الناس بما يخالف المنهج العلمي الصحيح. ذلك أن علياً بن أبي طالب لما أحرق الذين قالوا بألوهيته، أنكر عليه الصحابي الجليل عبدالله بن عباس، وذكَّره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يعذب بعذاب الله” كما رواه الإمام البخاري في “صحيحه”. وابن عباس هو من دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال: “اللهم فقهه في الدين” رواه البخاري. فندم علي رضي الله عنه، وسلَّم بما قاله ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأنه حفظ الحديث النبوي، ونسيه علي رضي الله عنه. كما ذكره احتمالا الحافظ ابن حجر في “فتح الباري”.

ثم على فرض صحة شيء من أحداث التاريخ المنقولة، فإن المعلوم في قواعد العلم الشرعي أن الدليل من الكتاب أو السنة الصحيحة لا يعارَض بحكايات تاريخية عن أحد من الناس، بل العكس هو الصواب، أن يُنقد التاريخ بمعيار الدليل، ونحسن الظن بالصحابة الكرام الذين قد يظن فيهم مخالفة السنة الصحيحة، فنعتذر عنهم أنهم لم تبلغهم تلك الأحاديث التي تنهى عن الحرق، أو أنهم نسوها.

وقد قال الإمام مالك رحمه الله: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر. يعني النبي صلى الله عليه وسلم. والصحابي إن اجتهد فليس اجتهاده حجة شرعية في نفسه؛ لأنه ليس معصوماً، وباب الخطأ يرد عليه.

وقد اتفقت كلمة الفقهاء على أنه لا اجتهاد في مورد النص.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.