الى حركة فتح… بِصراحة

خالد بركات* ( فلسطين )

بصراحة شديدة، لم نعُد قادرين اليوم على إقناع فلسطينيّ مُحترم واحد، أو صديق واحد، بإمكانية عقد مصالحة وطنية فلسطينية، أو تحقيق الوحدة الوطنية، في ظل نهج قيادة حركة «فتح»، الذي وصل إلى حدود التعاون الأمنيّ والسياسيّ مع العدوّ الصهيوني، وأدرك السقوط والعار الشاملين.

بصراحة أكبر، صارت الشتائمُ تطاولنا نحن أيضاً، في الفصائل الفلسطينية الأخرى، لا بسبب قصورنا الشديد فحسب، ولا بسبب عجزنا وتلكّؤنا غير المبرَّرَين أحياناً فقط، بل أيضاً لأننا ندعو إلى الوحدة الوطنية بمشاركة حركة فتح، ولأننا جزء من منظمة التحرير التي نعتبرها «إنجازاً وطنياً تاريخياً». ولكن، بصراحة، أخفقنا في إحداث التغيير الديموقراطي المطلوب أو إصلاح مؤسسات المنظمة التي يقبض على روحها السيد محمود عبّاس وفريقُه.




ربّما من المهمّ اليوم تجديد الدعوة إلى الحوار الوطني الفلسطيني، لكنْ على أساس المكاشفة العلنية، دفعةً واحدةً، وتحت الشمس، أمام شعبنا، لا في الغرف المغلقة، ولا اجتراراً لما سبق من «جاهات عرب». وربّما من المهمّ أيضاً مُخاطبة الإخوة والأخوات، قواعد حركة فتح وأنصارها تحديداً، ومن فيها من المناضلين والمناضلات والأحرار، والقول لهم بشفافية وصدق: إنّ مهمّتكم الأساس هي ردعُ قيادتكم الرسمية لأنها تبيع حقوقَ الشعب الفلسطيني، وتعتدي على كرامة شعبنا في كلّ ساعة، سراً وعلناً؛ ولأنها ـــ بعد الكيان الصهيوني ـــ هي الجهة الفلسطينية الداخلية والمسؤولة عن الكارثة الشاملة التي حلّت بشعبنا وقضيتنا الوطنية.

ليقل لنا الإخوة في حركة فتح، بصراحة متبادلة: كيف يمكننا أن نُدافع، مثلاً، باسم «الوحدة الوطنية»، عن شخص مثل السيّد نبيل شعث، مسؤول العلاقات الدولية في الحركة وعضو لجنتها المركزية، وقد شارك بالأمس فقط في مؤتمر هرتسيليا الصهيوني؟ هذا المؤتمر معدّ لتقديم النصائح والمشورة للعدو ولاستراتيجياته، وشعث يشارك في المؤتمر وهو يتّكئ على فكرة «الشرعية» الزائفة التي لم يعد يصدّقها أحد، ويزعم أنه موجود في هرتسيليا فقط لقراءة «خطاب الرئيس»!

وكيف نبرِّر مثلاً سلوك أخيكم محمد مدني؟ مدني عضو كامل الأوصاف في اللجنة المركزية لحركة فتح، وشغلُه الوحيد هو التطبيع مع العدوّ الصهيوني، واستقدامُ الوفود الصهيونية إلى رام الله، باعتباره مسؤولاً عمّا يُسمّى «لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي». وهذه لجنة مشبوهة وخطيرة، وقد سبق أن طالبت «اللجنة الوطنية للمقاطعة في الأرض المحتلة» بحلّها ومحاسبة مسؤولها غيرَ مرّة وفي أكثر من بيان!

وماذا نقول عن جبريل الرجوب، أحد قادة حركة فتح، والحاصل على أعلى الأصوات في «مؤتمر» الحركة الأخير؟ الرجوب يعتدي على تاريخ شعبنا ومقدّساته في القدس، و«يتبرّع» بحائط البراق إلى العدوّ الصهيوني في مقابلة تلفزيونية مع قناة صهيونية. هل حاسبه أحد؟ من يحاسبه أصلاً؟ توفيق الطيراوي؟ محمود عبّاس؟ وكيف يحاسبه محمود عبّاس وهو (أي عبّاس) المسؤول رقم واحد عن هذا الخراب؟ الرجوب، أيها الإخوة في حركة فتح، يتحدث باسمكم. إنّه شخص لا يحترم عقولكم، ولا يحترم عقولنا، ولا يحترم مقدّسات شعبنا، ولا يحترم قادةَ أسرانا، فلماذا نحترمه؟ وكيف نجلس معه؟ كيف نبرِّر ذلك أمام قواعدنا وأنصارنا؟

وكيف ندافع عن شخص مثل أحمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي يترأسها محمود عبّاس (رئيس حركة فتح)؟ مجدلاني قال لنا في العام الماضي، لكي يبرِّر مشاركته في مؤتمر هرتسيليا، إنّه ذهب بتوجيهات من «الرئيس». هذا منطقُ مهزومٍ يتّكئ على مهزوم أكبر! مجدلاني يعتقد أنه يصبح شرعياً إذا تحدث باسم محمود عباس، ويمكنه أن يحتمي بحركة فتح ليمارس التطبيع. أليست مسؤوليتكم، أيها الإخوة، أن تردعوه وتمنعوه من التحدث باسمكم؟ أمْ أنكم صدّقتم أنكم مجرد «ضحية من ضحايا السلطة»؟

ولكنْ مَن يصدّق أنّ قيادة حركة فتح، التي تهيمن على كلّ المؤسّسات الفلسطينية والأجهزة والوزارات والسفارات والمال والقرار السياسي والمنظمة والسلطة، ضحية؟ هل حقّاً تريدوننا أن نصدق أن «المشكلة» الفلسطينية الداخلية تتلخص في حركة «حماس»؟!

حركة حماس هذه عندها ألف مشكلة، وخمسون خطيئة، على الأقلّ، آخرها هذه الوثيقة البائسة الجديدة التي لا تختلف كثيراً عن بدايات استسلام منظمة التحرير منذ عقود. ومن حقّ، بل واجب، كوادر حماس، كما من حق وواجب كوادر «الجبهة الشعبية»، وكلّ فصيل آخر، محاسبة قيادته حين تتراجع أو تهادن المحتل أو تغامر وتقامر. لكنّ مسؤولية السلطة، التي تحتمي بحركة فتح، أعظم لأنها أسقطت البرنامجَ الوطني برمّته، ناهيكم بأنّها حوّلت حركة فتح ومنظمة التحرير إلى مزرعة خاصة، برئاسة مختار جديد، بعدما ورثهما عن الختيار الشهيد!

ثم يقولون لنا إن «المشكلة» في دحلان وجماعته. هل المشكلة في دحلان فعلاً؟

بالطبع، محمد دحلان قابلٌ لارتداء كلّ صنوف العار والتنازل. لكنْ لا تنسَوا أنّ هذا الانقسام في حركة فتح هو إنتاجُكم أنتم، وصنيعةُ نهجكم أنتم. الهجوم على دحلان لا يعطي فاسداً آخر «صكًّ استقامة» أو «صكّ غفران وطني»! فالأمر كلُّه أنّ فاسداً يهاجم شريكَه الفاسد، الذي صار الآن غريمَه، أو منافسَه، الذي «يُضارب» عليه في كسب رضى الأنظمة وأجهزة المخابرات وبراميل النفط. كأننا إزاء ديكة مذعورة، تتصارع على جيفةٍ في مزبلة!

أليس من المعيب جداً، بل من العار، أن يقضي رئيسُ السلطة الفلسطينية ساعات في الحديث عن كهرباء غزّة وعن قطع الرواتب، وكأنّه يدفع للناس من ماله الخاص؟!

لقد مسخوا القضيّة المركزية للأمّة، اذ أوصلوها إلى تناحر على «سلطة» زائفة، وعلى من يكون أكثرَ ملاءمةً لموقع «التابع» لهذا المحور أو ذاك. واليوم يحاول السيّد عبّاس أن يهندس، على مقاسه، دورةً للمجلس الوطني الفلسطيني في رام الله… وتحت حراب الاحتلال!

لقد طفح الكيل، ولم يعد هناك ما يجمع بين رؤية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وبين محمود عبّاس وفريقه. فالحقّ أنّ أيّ إطار وطني وحدوي وديموقراطي يستمدّ شرعيته من ممارسة مقاومة الاحتلال ومقاطعته، ومن البرنامج السياسي الذي يصوغه شعبُنا بإرادة وطنية حرة. ومثل هذا الإطار الوطني الجبهوي الموحّد يصعب تحقيقُه اليوم في ظل وجود القيادات الفاسدة التي تسيطر على مؤسسات السلطة والمنظمة؛ ذلك لأنّ وجودها في المشهد سوف يعني إعادة إنتاج الأزمة، وحرثاً في المستنقع ذاته!

إنّ مَن وقّع اتفاقَ أوسلو الكارثيّ، وجلَبَ كلَّ هذه المصائب والكوارث لشعبنا، ودَمّر مرتكزات برنامج الإجماع الوطني الفلسطيني، لا يمكن أن يكون اليوم مؤتمَناً على إعادة الروح إلى المشروع الوطني التحرري الديموقراطي، ولن يكون في وسعه أن يكون مكوِّناً أصيلاً وطبيعياً في برنامج ثوري قائم على تحقيق العودة والتحرير والاستقلال الناجز فوق كامل ترابنا الوطني.

* قيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.