مجلس الأمن القوميّ الأميركي .. ماكماستر وبانون يتواجهان
جورج عيسى
لا تزال الأزمات السياسيّة تعصف بالتركيبة الهشّة داخل الإدارة الأميركيّة الحاليّة وفي أكثر من مجال. فالإدارة التي شهدت استقالة وطرد العديد من السياسيّين خلال الأشهر الأولى على تولّي المهام الرسميّة، تبدو متّجهة إلى مزيد الخضّات الداخليّة على وقع كشف وثائق جديدة تبرز “التحزّبات” الجانبيّة داخلها. والقصّة هذه المرّة جاءت من داخل مجلس الأمن القوميّ الأميركيّ.
فقد كشفت مجلّة “فورين بوليسي” الأميركيّة منذ يومين، مذكّرة كتبها ريتشارد هيغينز الذي كان ضمن فريق التخطيط الاستراتيجي ووزّعها على المقرّبين منه في #البيت_الأبيض كانت هي سبب “انفجار” المجلس بحسب تعبيرها. تضمّنت الصفحات السبع لتلك المذكّرة والتي يعود تاريخها إلى أيّار الماضي، تحذيراً من “الدولة العميقة” التي تحاول أن تُخضع الرئيس الأميركيّ لسياساتها الخاصّة. والدولة العميقة بحسب الوثيقة التي حصلت عليها المجلّة الأميركيّة تشير إلى أنّ ترامب يتعرّض للهجوم لأنّه يمثّل “تهديداً وجوديّاً للماركسيّة الثقافية التي تسيطر على الخطاب الماركسيّ السائد”. كما يتعرّض للتهديد من “مناصري العولمة والإسلاميّين والمصرفيّين والمؤسّسة الجمهوريّة”.
“تنظيف البيت الأبيض”
يدور الصراع في البيت الأبيض بين مستشار ترامب للأمن القوميّ الجنرال أتش آر #ماكماستر وكبير المخطّطين الاستراتيجيّين ستيف بانون الذي يرى فيه تهديداً لأجندة ترامب. وتضيف “فورين بوليسي” أنّه على الرغم من عدم ذكر ماكماستر بالاسم، فقد علم أنّه هو المقصود عندما قرأ المذكّرة، فقام بطرد هيغينز الذي كان من مناصري المستشار السابق للأمن القوميّ#مايكل_فلين. وبحسب مصادر من البيت الأبيض غضب #ترامب من ماكماستر بعدما علم بالطرد من إعلاميّ مقرّب منه، “وما زال غاضباً”. وبعد طرد هيغينز أراد الجنرال “تنظيف البيت الأبيض” والتخلّص ممّن يسرّبون الأخبار إلى الصحافة فأقال إيزرا كوهين واتنيك (مسؤول استخباري بارز في المجلس) وديريك هارفي (مسؤول عن ملفّ الشرق الأوسط).
“إنّه صديقي وهو موهوب”
لكنّ ترامب عاد يوم الخميس ودافع أمام الإعلام عن #ماكماستر بغضّ النظر عن امتعاض المحافظين منه ومطالبتهم الرئيس الأميركي بإقالته بعدما أجبر عدداً من “المتشدّدين” على إعلان استقالتهم من المجلس. “إنّه صديقنا، إنّه صديقي وهو رجل موهوب جدّاً. أحبّه وأحترمه”، قال ترامب في اجتماع حضره ماكماستر مع نائب الرئيس مايك بنس ومدير ال “سي آي أي” مايك بومبيو.
خلافات سياسيّة
إلى جانب الخلافات الشخصيّة داخل أروقة البيت الأبيض، برزت خلافات سياسيّة تتعلّق ببعض الرؤى التي قدّمها ماكماستر للرئيس الأميركيّ. فهو طالب ترامب باعتبار #روسيا خصماً للولايات المتّحدة، كما وافق على إرسال المزيد من الجنود إلى #أفغانستان. ووصف موقع “برايتبارت” (ستيف بانون كان مديراً تنفيذيّاً له) ماكماستر بأنّه “سيّد التخفّي” مستخدماً التلاعب بلفظ ماستر، كما اتّهمه بشنّ حملة “تطهير ضدّ الأوفياء”. في نفس السياق، تحدّثت مجلّة “بوليتيكو” الأميركيّة عن سعي ماكماستر لإقالة بانون من منصبه.
منظّمة صهيونيّة تهاجمه
واتّهمت المنظّمة الصهيونيّة في أميركا (زوا) ماكماستر بأنّه مناهض لإسرائيل فيما نسبت كارولاينا غليك من صحيفة “ذا جيروزاليم بوست” أقوالاً للجنرال يصف فيها إسرائيل ب “قوة احتلال”. لذلك أرادت المنظّمة الصهيونيّة إجراء مراجعة لسياساته بحسب موقع “بريتبارت”. واتّهِم ماكماستر أيضاً، بدفع واشنطن إلى تأييد الاتفاق النووي مع إيران بسبب ارتباطاته بشركة رأسماليّة كبيرة لها مصالح في إيران بحسب “بريتبارت”، أمر رأته المنظّمة كتهديد للأمن الإسرائيليّ. واعتبرت “زوا” طرد واتنيك وهارفي المتشدّدين إزاء إيران بمثابة استمرار لسياسة أوباما القديمة بتطمين طهران. لكنّ مسؤولاً إسرائيليّاً رفض الكشف عن اسمه قال لصحيفة “هآرتس” إنّ “أيّ شخص من بيننا يلتقي ماكماستر ويتواصل معه، يتأثر بمدى تاييده لإسرائيل”. وكان ترامب نفسه قد أكّد بداية هذا الشهر أنّ ماكماستر مؤيّد لها. من جهتها اتّهمت صحيفة “ذا وول ستريت جورنال” الأميركيّة بانون بكونه يقف خلف جميع الحملات الإعلاميّة التي يشنّها اليمين المحافظ على مستشار الأمن القوميّ.
من المعزول؟
وفي حين قال أحد المسؤولين للفورين بوليسي إنّ ماكماستر بات معزولاً في الإدارة ولا يتمتّع بعلاقات تحصّن له موقعه، يرى آخرون أنّ رئيس شؤون الموظّفين المعيّن حديثاً جون كيلي هو حليف قويّ لماكماستر و “غطاء” له داخل أروقة البيت الأبيض. ليس هذا وحسب، بل إنّ ستيف بانون هو الذي بات معزولاً بعد مجيء كيلي، الجنرال المتقاعد الذي خدم في البحريّة الأميركيّة بحسب “بوليتيكو”. واستلم الأخير منصبه الجديد وفي نيّته إزالة الخلافات الجانبيّة في البيت الأبيض وعدم السماح بالتسريبات الكثيرة التي كانت تخرج إلى الصحافة في عهد سلفه رينس #بريبوس. أمّا ماكماستر فلم يستطع أن يخفي إعجابه بتسلّم كيلي منصبه الجديد متوقّعاً في حديث إلى قناة “أم أس أن بي سي” الأميركيّة تحسّن الانسجام بين أعضاء فريق عمل الرئيس.
صديقه لم يعد موجوداً
وستبقى قدرة كيلي بإعادة الانضباط إلى البيت الأبيض محطّ مراقبة كثر. فبإمكان بانون أن يستمرّ في شنّ حملته على ماكماستر من خارج أروقة البيت الأبيض عبر مواقع التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلاميّة التي يملكها اليمين القوميّ. المهمّة التي ستكون صعبة بلا شكّ على كبير موظّفي البيت الأبيض قد تفرض مزيداً من القيود على بانون الذي أوحت بعض الأجواء الصحافيّة أنّه كان يريد الاستقالة سابقاً. لكنّ رينس بريبوس هو الذي جعله يتراجع عن الفكرة آنذاك. المشكلة تكمن في ما إذا عاودت تلك الفكرة تراود بانون في حال زادت الضغوط عليه. صديقه القديم لم يعد موجوداً ليمنعه من المغادرة.
منقول عن مركز الحوار العربي عن النهار
التعليقات مغلقة.