المعارضات السورية وسؤال.. «إعادة الهيكلة»!

محمد خروب ( الأردن )

فجأة.. باتت المعارضات السورية وخصوصاً تلك المنضوية تحت راية ما وصِف ذات يوم إئتلاف قوى المعارضة والثورة، في حاجة الى إعادة هيكلة.. ولمّا لم يمضِ على استيلاد بديله الذي حمل اسم الهيئة العليا للمفاوضات سوى عام ونصف (تشكلت في 10/12/2015)، ما يعني ان العطب سرعان ما اصابها ودب الوهن وانعدام الفاعلية في صفوفها التي تم تجميعها على عجل، فإن الارتباك وتناقض التصريحات وما «يفلت» من «أسرار» وتفسيرات عن سبب هذه الدعوة العاجلة لإعادة الهيكلة، وخصوصاً «الوّد» المفاجئ الذي ابداه رعاة الهيئة العليا للمفاوضات وخصوصاً إئتلاف اسطنبول (هل ما يزال للاتراك «مونة» عليه؟) تجاه منصتي القاهرة وموسكو، يشي بأن ثمة قطبة مخفية او سراً كبيراً يقف خلف هذا الانقلاب، الذي وإن كان متوقعاً إلاّ انه لم يكن يخطر على بال أحد انه سيكون على هذا النحو الذي «خلط» المسارات وخرائط الطريق التي اعتمدها الذين اخذوا على عاتقهم إسقاط الدولة السورية واشاعة الخراب والفوضى في بلاد الشام، والعمل من أجل تحويل سوريا الى «مختبر» للمنطقة بأسرها، وبداية لرسم خريطة تحالفات ومعادلات جديدة، تكون اسرائيل جزءاً لا يتجزأ منها بل ومَن يُوكَل اليها كتابة جدول أعمال دول المنطقة وتحديد اولوياتها.

لن يستطيع الساعون الى إعادة ضبط وتوجيه مسار الهيئة العليا للمفاوضات، التي حلّت عملياً مكان إئتلاف اسطنبول بعد استنفاد المهمة القذرة التي اوكلت اليه، عندما جيء بها على يد هيلاري كلينتون بديلاً عن جسم مصطنع أيضاً سمّي المجلس الوطني السوري، إخفاء حقيقة انه يجري «صرْف» رياض حجاب عن رئاستها بعد ان اظهَر الرجل تواضع امكاناته ومواهبه وقدراته، وأن الرهان عليه كان خطأ بعد ان ظن كثيرون ان عملية تدبير «انشقاقه» وخصوصاً انه كان رئيساً للحكومة السورية، سيُشكل ضربة قاضية للنظام ويعجّل بسقوطه ولم تكن الضجّة الاعلامية المثيرة التي رافقت عملية «تهريبه» سوى اشارة على مدى وعقم الرهان الفاشل على شخصية هزيلة حان – في ما يبدو – وقت تبديلها لأنها لم تُوفِر البضاعة.




ليس مهماً والحال هذه ان يُصار لاختراع رئيس جديد للهيئة العليا للمفاوضات، التي لم تُنجِز اياً من المهمات الموكلة اليها، وليس مثيراً او مفاجئاً ان يجري تداول اسم «الشيخ» احمد الجربا رئيساً جديداً بعد ان كان ترأس «الإئتلاف» لفترة معينة، ما لبث ان أُطيح به بعد صراع بين «ممثلي» العواصم الاقليمية عربية وتركية لصالح اسماء جرى تلميعها فترة معينة ثم ذهبت هي الاخرى الى دائرة النسيان ولم يعد أحد يحفل بها، تماماً كما كانت حال «رؤساء» المجلس الوطني بدءاً من برهان غليون وليس انتهاء برئيسه المفلس الحالي الشيوعي التائب جورج صبرا.

هنا والآن وخصوصاً إذا ما، وعندما يتم تنصيب رئيس تيار الغد احمد الجربا الذي ارتفعت اسهمه كثيراً في الفترة الاخيرة وبات يتوفر على فصيل عسكري، يُراهن عليه الاميركان وبعض العرب وخصوصاً لجهة يتمكن السيطرة على مدينة دير الزور كي تكون مقراً وممراً للثوار الجدّد الذين يُحضّرون اقليمياً واميركياً من أجل السيطرة على حقول النفط والغاز في تلك المنطقة السورية الحيوية.. ما لا يدركه الساعون الى إعادة هيكلة هيئة المفاوضات واستبدال رياض حجاب بأي شخصية يتم التوافق عليها بين الذين لم يفقدوا بعد التفاؤل بإسقاط الدولة السورية، هو ان ما عجزوا عنه في ميادين التخريب والذبح والتفجير والحملات الاعلامية المنسقة، لن يستطيعوا تحقيقه على طاولة المفاوضات التي باتت السلال الاربع هي التي تحكم جدول اعمالها وخصوصاً ما تفرزه ميادين القتال وساحاته من حقائق ميدانية، ليس أولها إقرار من سيُعاد هيكلتهم أنهم مجرد ادوات ودمى في لعبة اقليمية ودولية قذرة فاشلة.

ليس مهماً ان يأتي الجربا او يتم تأهيل شخصية اخرى، فالمشهد الميداني تغيّر وتصريحات نصر الحريري رئيس الوفد المفاوِض.. النارِّية، عن «إصرار» وفده على رحيل رأس النظام ومحاكمته، لا تعدو كونها مزايدة وتسجيل مواقف، ومحاولة للحفاظ على «وظيفته» التي استطاب البقاء فيها، أما ان تصريحاته تندرج في بند السياسة او العقلانية والتوفر على فهم عميق لمفهوم «التفاوض» وآلياته، فهذا غير موجود؟، ولم يتوفروا عليه حتى عندما كانت تتبدّى لهم الأمور انها تسير في صالحهم، على ما حاول المُشغِّلون والرعاة والممولون الايحاء لهم، لِبثّ بعض التفاؤل في صفوفهم المتصدعة والمحمولة على انعدام ثقة وتشكيك مُتبادَل.

منصتا القاهرة وخصوصاً موسكو، لم تُبديا حماسة للدعوة المفاجئة لهما بحضور مؤتمر الرياض المتوقع انعقاده منتصف تشرين الاول القريب، وما سيسفر عنه اجتماع الإئتلاف الطارئ الذي سيعقد بعد غد الثلاثاء سيكون المؤشر على امكانية وحظوظ إعادة الهيكلة، التي ربما ستكون الصاعق الذي سيُفجِّر الإئتلاف والهيئة العليا للمفاوضات، بعد أن تدهورت العلاقات بين أنقرة والدوحة والرياض وسعي كل منهما لاستمالة انصارها في هذين التشكيلين غير الفاعلين، ناهيك عما يدور من حديث حول تعجّل الاميركيين في التخلص من تبعات المرحلة التي ستلي تحرير الرقة، وعدم التورط عسكرياً في سوريا. وما حدث في محيط معسكر التنف والسويداء، كذلك في ما خص تخلي واشنطن عن مواصلة دعم بعض الجماعات المسلحة في تلك المنطقة، مؤشر على ان «أمراً» ما في طريقه الى الحدوث، وان عملية إعادة الهيكلة لن تكون ذات تأثير فعلي او عملي على مسار الاحداث السورية وسيرورتها.

… عبثاً يحاولون.

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.