النخب الريعية والدولة الريعية والإصلاح / جورج حدادين

الريع هو مفهوم اقتصادي، يعني إيرادا من خارج دورة الاقتصاد الإنتاجي. بيع مواد خام أولية أو بيع مقدرات وطنية، بيع مؤسسات الدولة و / أو الموقع الجيوسياسي لصالح وظيفة لدى المركز الرأسمالي، تسليع أيدي عاملة وخبرات وكفاءات خارج دورة الإنتاج الوطني…الخ




عرف العلامة إبن خلدون الريع على أنه “الكسب” وميزه عن “الرزق” الذي يتطلب جهدا.

الريع، يحجز التنمية الحقيقية، التي تتمثل في تغيير البنية الاقتصادية – الاجتماعية، عبر التحول نحو الإنتاج على كافة الصعد: الاقتصادية والثقافية والروحية، الذي يشكل شرطه الرئيس تنمية قوى الإنتاج الوطني.

السيطرة على مصادر الريع هي السبب الرئيس للصراعات القائمة في الدول العربية، صراع بين مختلف قوى التبعية، برز بشكل واضحٍ وجلي في العقد الأخير ، حيث أنفجر الصراع – بتخطيط ورعاية ودعم وتمكين من المركز الرأسمالي العالمي – بين التيارات الدينية والتيارات اللبرالية للسيطرة على هذا الريع، ولد حالة من الاستقطاب المزيف، بين صفوف المجتمع، وتحديداً بين هذين التيارين، ليشكل معضلة حقيقية لحركة التحرر الوطني.

بعد أزمة النفط المفتعلة عام 1973 ، وارتفاع أسعاره ( لصالح شركات النفط العملاقة، التي تسيطر فعلياٍ على صناعة النفط: الاكتشاف الإنتاج التوزيع التكرير والصناعات البترو كيماوية ) ولّد ظاهرة “دول المراكز الريعية” التي وظيفية في مسار الإجهاز على مسيرة التحولات في الدول الوطنية، التي تحققت في مرحلة النهوض الوطني، لا بل حصل ارتدادات ساحقة على تلك المنجزات، وخاصة في مصر واليمن والجزائر، عبر الخضوع لإملاءات المركز الرأسمالي العالمي ومنها إملاءات خصخصة التعليم والصحة والنقل…الخ وبيع القطاع العام والتراجع عن المنجزات الاجتماعية التي تحققت.

في هذه البيئة الريعية تم بناء “النخب الريعية” من خلال إغراء “البترو دولار” وتم تزيف الوعي الجمعي للرأي العام العربي، حيث أصبح العدو، المركز الرأسمالي و” الكيان الصهيوني” صديقا، والصديق، القوى المناهضة للمركز الرأسمالي و”إيران” عدوا، بفعل سياسة ” صناعة القبول وثقافة القطيع” التي حققت نجاحات كبيرة، ولكنها مؤقتة.

أسباب قوة تأثير المراكز الريعية الناشئة في المحيط العربي:

• القدرة على استقطاب واستيعاب ملايين العمال العرب، وكذلك الكفاءات والخبرات ، حيث خدمت هذه السياسة، من جانب منع تشكل طبقة عاملة في دول مراكز الريع، ومن جهة أخري حرمت الدول المصدرة للعمال والكفاءات من تنمية قوى إنتاج وطني، وهي معطيات تخدم “قانون التبعية” لصالح المركز الرأسمالي.

• بناء برجوازية ريعية في دول “مركز الريع”، من متعهدين ورجال أعمال، والمساهمة في بناء برجوازيات ريعية في الدول العربية الأخرى، شكلت أدوات ضغط وقوى ارتداد لصالح المركز الرأسمالي، مثلا الحريري في لبنان، البرجوازيات الريعية في سوريا، وفي مصر والأردن…الخ.

• تحويلات العاملين في دول مراكز الريع، شكلت مصدر دخل ريعي للدول المصدرة للعمالة والكفاءات والخبرات، وأصبحت جزءاً رئيساً من اقتصاديات هذه الدول، يصعب الاستغناء عنها، وتبعاً يصعب الانفكاك من التبعية للمركز الرأسمالي.

• المساعدات الخارجية وتدفق الاستثمارات للدول العربية غير النفطية شكلت بديلا مانعا لسياسة إحداث تراكم رأسمالي وطني، وبناء اقتصاد وطني منتج.

من تداعيات هذه الحقبة الريعية:

1. ترييف المدن وانفجارها في كافة الاتجاهات، وبناء أحزمة الفقر حول هذه المدن وفي داخلها، شكلت بيئة ملائمة لعملية استقطاب مزيف لصالح القوى اللبرالية والقوى الدينية، من خلال نشر ثقافة غيبية وظلامية، تخدم آلية السوق الحر، وتخدم شريعة الغاب، باسم الحرية وباسم الدين، حيث يأكل القوى الضعيف.

2. تنامي الظلم الاجتماعي: انتشار ظاهرة البطالة وخاصة بين صفوف الشرائح الشابة المتعلمة، وتغييب منظومات الخدمة والتأمين الصحي، ونمو ظاهرة الفقر بين صفوف المجتمع، نتيجة انزياح وتراكم هائل للثروة من يد الدولة والمجتمع ليد أفراد وعائلات الريع التابعة.

3. تدني مستوى منظومة التعليم واغترابه عن شروط ومتطلبات التنمية الوطنية .

4. حجز التنمية الوطنية المتمحورة حول الذات الوطنية، لصالح منظومة اقتصاد الريع.

نماذج الدول الريعية:

الدولة الريعية النفطية

الدولة الريعية القائمة على الثروات الطبيعية غير النفطية

الدولة الريعية القائمة على الموقع الجيوسياسي

الدولة الريعية هي مشروع المركز الرأسمالي لضمان استمرار هيمنته ولضمان استمرار نهبه لثروات وخيرات ومقدرات دول المحيط التابعة، لذلك يتم شراء قاعدة اجتماعية للحكم ويتم تزييف الوعي الجمعي:

بسبب غياب قاعدة اجتماعية للدولة الريعية فإنها مجبرة على تشكيلها وتكوينها.

• بناء برجوازية ريعية تحمل مشروع الدولة الريعية لمنع بناء برجوازية وطنية حامل مشروع الدولة الوطنية الحديثة الرأسمالية.

• شراء وبناء نخب ريعية كونها الأقدر على تزييف الوعي الجمعي لما تمتلكه من مخزون ثقافي وسردي معروض للبيع لمن يدفع

• إعادة إنتاج مصادر الشرعية البدائية أداة للحكم: البنية البدائية – القبلية العشائرية الطائفية المذهبية الإقليمية – التراث والتقاليد والثقافة الدينية لضمان بقاء المجاميع ومنع الاندماج لتشكيل المجتمع الحديث.

• تسليع الأرض لتصبح مولدة لثروة مالية وحجز دورها في الإنتاج وظيفتها الطبيعية

• توظيف مقولة الأمن والأمان فزاعة في المجتمع لفرض إرادة قوى التبعية على المجتمع المزيف الوعي بشكل جمعي

خلاصة

الإصلاح في الدول الريعية التابعة مغلق ، وذلك لأسباب ومعطيات لا يمكن تخطيها، وفي مقدمتها البنية الاجتماعية لهذه المجتمعات:

• لم يسمح المركز الرأسمالي المهيمن، للدول الريعية التابعة، أن تبلور طبقة عاملة حاملة وصاحبة مشروع التغيير.

• لم يسمح المركز الرأسمالي المهيمن للدول الريعية، أن تبلور طبقة برجوازية وطنية تحمل مشروع وتقود بناء الدولة الوطنية الرأسمالية الحديثة.

• في الدول الريعية تنشا نخب ريعية تساعد الحكم الريعي وتحافظ على نمط الإنتاج ألريعي .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.