“فلاسفة” ضد الوطن .. معارضو الملح والخميرة / م. ميشيل كلاغاصي

 




نُخبٌ مزعومة , وقعت في مكيدةٍ فكرية , فانساقت وراء شعارات ٍ وهمية , ساقتها عبر تسطيح ٍ و سذاجة سياسية بما لا ينسجم مع اعتباراتها الثقافية , أخفت تحتها أحلام ٌ “ربيعية” وأطماع وأحقاد شخصية , فتقاذفتها رياح “الحرية” من الليبرالية إلى أحضان السلفية الظلامية الارهابية ,

فسارت مع من ساروا وهاجمت مع من هاجموا دون النظر لهويتهم , ولم تبال إلاّ بقوة رياح مراكبهم والتعلق بأشرعتهم , دون الإكتراث بشلالات الدماء وفظائع التدمير والخراب.. فقد خدعوا أنفسهم وعاشوا عصر ماجلان, وبدأت رحلة القفز من مركب ٍ الى مركب , ومن عوّامة ٍ الى عوامة , وفي لحظات الضعف وتلاطم الأمواج وانعدام الرؤية هل ينتعش حلم التوبة أملا ً بالنجاة ؟.

فمنهم من عاد ودخل الوطن خسلة ً أو عبر نفق أوخندق, ونفخ سمومه عبر فوهة كلاشينكوف أو مدفع جهنم , ومنهم من شحذ بيده سكاكين وسيوف الغدر, ومنهم من دخل بوابة “نصرة” أهل الشام وعَبَر إلى نصرة تل أبيب وواشنطن , واليوم يلقون السلاح مكرهين مهزومين , فيتذكر بعضهم أقلام الحبر الناشفة , ليعودوا إلى ذات النغمة ….

بعضهم مثقفون, وقرأوا الكثير, وكتبوا الكثير, ولكن .. فاتهم أن الثقافة التي تُفضي إلى خراب الوطن وتدميره لا تمت إلى الثقافة الحقيقية بصلة , فما نفع الثقافة بعيدا ً عن بوصلة الوطن والمواطن, وبعيدا ً عن استشراف و رؤية نهاية الطريق الذي يسيرون فيه , فالثقافة كالمصباح , وما نفعها إن أضلت الطريق وأنارت طريق جهنم !.

وأن أردنا التعامل مع حسن النوايا , فأين الهروب من عشرات ومئات أقوالهم وأفعالهم ؟ فخلال السنوات العشر الماضية , سطّر البعض كلاما ً لا نستعيره هنا للتشهير أو الإساءة , أو بإنتقائية مقصودة , فقد كتبوا وعملوا وتحدثوا في العلن.

فالمعارض ميشيل كيلو , وبعد سنوات من الحرب التي ألبسوها ثوبا ً طائفيا ً ومذهبيا ً, يتساءل عن ماهية “ثواره” : وهل هم “حماة الله أم مختطفو البشر؟” , ويقول : “الله لا يحتاج خلقه” فليسوا قادرين ولا مكلفين بحمايته , و “لم يفوض أحداً بمعاقبة من يرتكبون معصية أو يكفرون”.. وعن الثورة يقول : بأنها “غدت “ثورة في مهب الريح”، ويتحدث عن “انحطاط العقل” الذي يقودها , ويستغرب من ” يريدون أن يظلوا حملتها ووقودها” , ويخلص إلى أنه “من علامات الهزيمة إنكار وقوعها”.. و تمنى توثيق الجرائم التي ارتكبها فريق ٌ منهم بإسم “الثورة” ويقول : “فعن أي ثورة وحرية تتحدثون”.

ومن المستغرب أن ينسى السيد كيلو يوما ً احتاج فيه رؤية السيد المسيح بينهم وعلى الأرض , يوم تهجّم على الكنيسة المشرقية واعتبرها “في طور غربةٍ “عن بيئتها و بعدائها للمسيحيين , “نتيجة المرض الذي أصابها” ما “يستدعي مسيحها العودة الى الأرض متظاهرا ً”.

فيما انتقل المعارض برهان غليون من الثقافة إلى السياسة إلى المعارضة إلى قيادة المعارضة والخنادق والتي وجد من خلالها أن “جبهة النصرة ليست خطراً على الثورة”, و بعد أن أتم الدوران حول نفسه , بدأ يتحدث “عن احياء منطق المسؤولية” وعن ضرورة ال” عودة إلى قيم الصراحة والشفافية والصدق”. ” وضرورة ” المراجعة والمساءلة والمحاسبة الذاتية لدى النخب الاجتماعية”, وعودة “النخب العربية باتجاهاتها وتياراتها الإسلامية وغير الإسلامية إلى وعيها وتعتبر بدروس الحرب” , ويرى أن :”المعارضة السورية تملك المصداقية الأخلاقية والسياسية” !, ويقفز فوق سنوات الحرب ويوميات الدماء و الدمار ليكتشف أنها “فشلت بالقيام بواجبها”, وأن الإعتذار (لمن انخدع بهم) لا يُنقص من قيمة أحد” , ويقول بإختصار :” نحن نراجع أنفسنا”.

ويذهب المعارض أكرم البني, لإتهام الدولة السورية بخلق وإيجاد “داعش” وتسهيل دخوله وسيطرته على الرقة وتدمر والبادية , لتبرير إنخراط حزب الله في الصراع السوري لإستباحة وإذلال اللاجئين ولتسويغ معاركه في جرود عرسال لتحييد “داعش” لينال من “جبهة النصرة” – دائما ً الكلام بحسب “البني” – , هل يستطيع أحدكم وصفه بالعاقل المدرك و “المثقف” ؟, فلا يستحق كلامه أي رد , ومن الواضح أنه يتألم من هزيمة الإرهاب ومشغليه , فقط للتذكر فالرئيس ترامب اعترف بأنهم من وقفوا وراء صناعة “داعش”.

لقد أدخل نفسه بمتاهات الحديث عن الإسلام السياسي بين الاعتدال ورافضيه والإصلاح الديني – بلسان الغير- , وبأصوات من يرون أنه ” آن الأوان لمعالجة جذرية لعلاقة الديني بالدنيوي” , ورأى أن :”الإخوان” التقطوا ببراعتهم البراغماتية الحاجة الأميركية، فغازلوا الشعارات الغربية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية، ليعززوا شعبيتهم وحضورهم عبر اللعبة الديمقراطية – التي لم ير دمويتها حتى الاّن – !.. وفي الوقت نفسه يتحدث عن اللعنة الأبدية التي تفصل السياسة عن الأخلاق ويربطها “بتنامي التحلل من الضوابط والقيم الأخلاقية لتحقيق المرامي والأهداف السياسية”.. ويعتبر بعض المثقفون اللبنانيون والسوريون – ممن يتفق معهم-, بعدما شكلوا النواة الأولى للهجوم على سورية و لبنان والمقاومة , وممن ساقهم المشغلون ليرفعوا منسوب العداء تجاههم , وليمهدوا طريق التدخل الدولي, بهدف إخراج سورية من لبنان والإستفراد بالمقاومة أولا ً, و شن الحرب المباشرة على سورية لاحقا ً, هؤلاء من قال عنهم “البني” أنهم “يقومون بدور إنقاذي مشترك آمنوا به” ، واعتبرهم “بضع مئات من المثقفين، لكنهم ملح الأرض وخميرتها”!!.

فيما لخص وحيد عبد المجيد , حل الأزمة السورية عبر التقسيم ، بحل ٍ يبدأ من القرى والبلدات والمدن , في ظل إتفاق خفض التصعيد , “عبر صيغة تقوم على بناء ترتيبات لامركزية وتسويات محلية من شأنها أن تترك مساحات من سوريا تحت سيطرة فصائل المعارضة المعتدلة، تديرها بطريقة مستقلة و ربطها بمركز الدولة الرمزي في دمشق، دون أن يملك صلاحيات مطلقة، ما يفقده القدرة على فرض إرادته في المناطق المستقلة ذاتياً”.

لم يعد القارئ العزيز بحاجة لإستحضار نماذج أخرى لمن يُفترض بهم أن يكونوا مثقفين وأصحاب رأي , فالقصة واضحة وضوح الشمس , فالعداء للدولة والشعب السوري والإرتهان لأعداء الأمة وخدمة مشاريعهم تفترض بهم تسويق السموم و الأكاذيب , لتمهيد الطريق الدولية أمام وحوش الأرض لخوض الجولة الثالثة من الحروب الحديثة ضد الدولة الإيرانية , و الرابعة ضد روسيا , والخامسة ضد الصين , والسادسة ضد من يبقى من البشر على سطح هذا الكوكب.

لم و لن نحاول مصادرة اّرائهم , مع التأكيد على ضرورة كشف أضاليلهم , ومحاربة وإسقاط مشاريع مشغليهم , ويأتي حديثنا اليوم في وقت ٍ تلاشت فيه هكذا معارضات, ولم يبق منها سوى أفلام حبرها الناشفة , فلتكتب ما تشاء , فوعي الشارع العربي عموما ً والسوري خصوصا ً وصل حدا ً من التنامي والنضج ليرفض أكاذيبهم و ينفضّ عن أمثالهم من مروجي تجارة الأوطان و الناس .

فالحرب على سورية انتهت حسابيا ً وعمليا ً , والهزيمة طالت صاحب المشروع الأساسي في واشنطن و تل أبيب و بعض العواصم العربية و الإقليمية في المنطقة , وفي هذا الظرف الدولي شديد التوتر والتعقيد , ومخاوف العالم من إنتقال شكل وأدوات المشروع الإرهابي لغير مكان وغير بلدان , ستخرج سورية فائزة , منتصرة , للهوية السورية – العربية , ولإعادة الإعتبار لثقافة الإنتماء للأرض والعرض والكرامة الوطنية والقومية .

فقد سعت و قررت وصممت – منذ اليوم الأول – للإنتصار على الإرهاب ومشغليه وأدواته الخارجية , في الوقت الذي حرصت فيه على عدم تكريس معادلة الهزيمة والإنتصار لأبنائها السوريين سواء كانوا من المضللين أو الحاقدين أو ممن باعوا جماجمهم للشيطان , فقد فتحت أبواب العودة و المصالحات وتتالت مراسيم العفو واحدا ً تلو الاّخر , فلن تُسر الأم السورية يوما ً بهزيمة أبنائها , بل سعت ولا تزال لتحقيق النصر السوري الكبير و للسوريين جميعهم , إذ يقول السيد الدكتور فيصل المقداد:” سوريا مقبلة على مرحلة الانتصار, ونحن لا ندعو إلى وحدة سوريا فقط وإنما إلى وحدة الأمة العربية بكاملها”, – فكيف الحال بالنسبة للسوريين – ؟.. فيما تقول الدكتورة بثينة شعبان : ” لم نشهد قيمة عالية للفكر والمفكرين, بينما كان أعداؤنا يستهدفون قادة فكرنا وقادة أمتنا وقادة حضارتنا لأنهم يعلمون أن كل مفكر يعادل أشياء هامة جدا ً”, وتتابع :” اّن الأوان لإعادة الإعتبار للكتابة”.

فإلى أي نوعية من الكتابة لجاتم , ألم يحن الوقت للتفكير جديا ً وعمليا ً بأن الدين لله و الوطن للجميع , وأنه من المعيب أن توظفوا مواقفكم السياسية على حساب الدين والأنبياء والمرسلين وتعاليم السماء , حسبكم حاولتم الإساءة للإسلام ولنبي الله المصطفى(ص) وفشلتم , ويالها من جرأة ٍ ووقاحة ٍ أن تستعملوا كلام السيد المسيح أيضا ً,حسبكم نسيتم قوله :” مملكتي ليست من هذا العالم” , فكيف لكم أن تجندوه في “ثورتكم”, وفي دولة “خلافتكم” , وتحرّفون مقاصد كلامه لتلامذته في عظته على الجبل :” أنتم ملح الأرض , فإذا فسد الملح فبماذا يُملّح “, ولا بد من أن يكون واضحا ً , إن الملح لا يفسد من تلقاء ذاته، لكنه يفسد إذا إختلط بالتراب والأوساخ ، فلا يعد صالحا ً للطعام ، كذلك المواطن الصالح عليه أن يكون كالملح الجيد ليضيف مذاقا ً طيبا ًبعد أن يذوب في بوتقة طهر وشرف الوطن, ونسأل هل اختفت مصالحكم وذبتم كالملح الجيد , أم أن التراب فعل فعله ؟, و”لفلاسفة اّخر الزمان” يقول فرانسيس بيكون : “قليل من الفلسفة يؤدي إلى الإلحاد”.

المهندس : ميشيل كلاغاصي

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.