علامة تعجب.. كيف يقود “ابو هادي” قافلة الانتصار في زمن الانهيار ؟!

فهد الريماوي ( الأردن ) الأحد 20/8/2017 م …




*رئيس تحرير جريدة “المجد” الاردنية …

ما اروع ان يخرج الحي من صلب الميت، وينبجس الماء من عين الصخر، وينبت الخير في بوادي الشر، ويطلع الفجر من غياهب الليل، وتنبعث العنقاء من كومة الرماد، وتنطلق البطولة من جراح الشعوب المقهورة، وتنبثق المعجزة من تضاريس الزمن الصعب، وتشرق شمس السيد حسن نصرالله وسط آفاق عربية ملبدة بالهزائم والهموم وعلامات التعجب.

هذا الرجل سيد جليل في قوله وفعله، وليس فقط في حسبه ونسبه.. وهو قائد مقدام في المعارك السياسية والاعلامية، وليس فقط في الحروب العسكرية والامنية.. وهو مبدع خلاق في عوالم البلاغة والخطابة والجملة السحرية، وليس فقط في ميادين التعبئة والتنظيم والادارة اليومية للمستجدات الطارئة والقضايا الواقعية.

هذا الرجل له من اسمه نصيب كبير، فهو نصرالله وناصر العرب الذي ما دخل معركة حربية الا وكان النصر حليفه، وما خاض مساجلة اعلامية الا وكان النجاح رفيقه، وما اطل من الشاشة التلفزيونية الا  وكان مالئ الدنيا وشاغل الناس، وما طرح فكرة او اطلق رؤية الا وكانت محل اهتمام واحترام العدو قبل الصديق، والبعيد قبل القريب، والمختلف معها قبل الموافق عليها.

هذا الرجل/الرمز ليس رئيس دولة وازنة، ولا ارطبون جيوش عرمرمية، ولا زنكيل مليارات نفطية، ولا قيصر امبراطورية اعلامية، ولا سندباد رحلات وجولات ومؤتمرات دولية.. ومع ذلك فقد  بز كل قادة العرب ورؤسائهم واثريائهم وادبائهم وجنرالاتهم في الشهرة العابرة للقارات، وفي القدرة على حصد الانتصارات، وفي الشجاعة الطالعة من كربلاء، وفي التضحية البالغة حد الجود بالابن البكر، وفي المصداقية التي يشهد العالم بها ويبصم باصابعه العشرة عليها.

هذا الرجل يشكل منحة سماوية جادت بها الاقدار، ويجسد صدفة عبقرية وفرها لنا التاريخ، ويمثل ظاهرة كاريزمية لم تتحقق لغير جمال عبدالناصر بالامس القريب، ويعبر عن اعلى درجات النبل والترفع والاريحية، سواء في مواقفه السياسية، او مبادئه الوطنية والاسلامية، او شمائله الروحية والاخلاقية والطهرانية.. وسيكون من سوء حظ العرب وبؤس طالعهم، ان يفوّتوا فرصة وجود هذا القائد الملهم في مقدمة صفوفهم، دون ان يلتفوا حوله ويشدوا ازره لكي يحرروا التراب الفلسطيني ويمحقوا الكيان الصهيوني الغازي والدخيل.

من حق اي عربي ان يعارض حزب الله، ويختلف مع بعض مواقف السيد نصرالله وطروحاته، فاختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية، كما تقول الحكمة المعروفة.. ولكن من العيب، بل العار، على من تسري دماء العروبة في عروقه، ان يمقت هذا الفارس الشهم، ويتحامل عليه، ويشكك في غاياته وولاءاته، ويشترك مع امريكا واسرائيل في محاولات تشويهه واتهامه بما ليس فيه من مثالب ومعايب ونعرات طائفية ومذهبية وجهوية ضيقة.

حسن نصرالله ليس فرداً، بل جمع مذكر سالم، وقاسم مشترك اعلى لابناء امته العربية كافة، وليس لطائفته الشيعية، او ديرته اللبنانية، او ركيزته الايرانية.. وهو صاحب حضور شعبي هائل يتجاوز الارقام القياسية لدى ملايين العرب والمسلمين.. وهو على موعد حتمي مع التاريخ الذي طالما فتح صفحاته الذهبية للزعماء العظماء.. وليس في صالح هذا الرجل، او في حسبانه، ان يهبط من علياء هذه المكانة المرموقة الى درك المربعات الفئوية والمسطحات المذهبية.

هذا الشيخ المعمم ليس يسارياً ولكنه اقرب للكادحين واحنّ على الفقراء والمظلومين من اساطين اليسار واقطاب الاشتراكية.. وهو ليس قومياً ولكنه رفع رؤوس العرب عالياً حين هزم اسرائيل بالنيابة عنهم جميعاً.. وهو ليس مسيحياً ولكنه من اشد المسلمين احتراماً للمكون المسيحي العربي، والتزاماً بالعيش اللبناني المشترك.. وهو ليس فلسطينياً ولكنه اكثر حرصاً وولاء واخلاصاً لقضية فلسطين من بعض زعاماتها وقياداتها التي سكرت بكؤوس الوهم، وهرولت لعقد “سلام الشجعان” مع رابين وبيريز ونتنياهو وتسبي لفني.

مشكلة هذا الرجل ليست كامنة في ذاته ومواصفاته، بل موجودة لدى اعدائه وغرمائه.. فهم مغتاظون من استقامته وليس اعوجاجه، ومن امانته وليس انحرافه، ومن تسامحه وليس تزمته، ومن نجاحه وليس اخفاقه، ومن مجمل فضائله وحسناته وليس سلبياته وسيئاته.. شأنهم في ذلك شأن المثل الشعبي المصري الذي طالما ردده المرحوم ياسر عرفات : ”مالقوش في الورد عيب، قالوا له يا احمر الخدين”.

اما جريمة هذا الرجل الكبرى التي لا تُغتفر عند الاعداء والعملاء، فتتلخص في كونه صاحب مشروع كفاحي تحرري حاسم ومتصادم على طول الخط مع الصهاينة والمتصهينين العرب والاجانب، وليس في حياته وبرامجه واجنداته ما يتقدم على هذا المشروع الاستراتيجي العظيم، وليس لديه ذرة شك ان الصراع العربي مع الصهاينة صراع وجود وليس حدود، وان الجغرافيا الفلسطينية وحدة واحدة لا تقبل القسمة على اثنين، وان العدو الاسرائيلي لا يفهم سوى لغة واحدة قوامها النار والبارود.

من نقاء العقيدة استخلص”ابو هادي” قوة الارادة، واكتسب مضاء الهمة والعزيمة، وامتلك بُعد النظر وعمق البصيرة، ورفض الدخول- بالمطلق- في لعبة الكلمات المتقاطعة والاواني المستطرقة التي تورطت فيها منظمة التحرير الفلسطينية.. فما هادن ولا ساوم ولا فاوض ولا تنازل ولا اقترب من اثم الصلح والتطبيع مع الكيان الغاصب.. ذلك “لان ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة”.

في خطابه الاخير الذي اعقب تحرير جرود عرسال اللبنانية من قبضة جبهة النصرة الارهابية، زف لنا ”ابو هادي” بشرى الانتصار الوشيك في سوريا، ورغم ان كل الوقائع الميدانية تؤشر الى هذا الاتجاه، الا ان للبشرى الصادرة عن هذا الرجل نكهة عذبة، وعبق طيب، ومعنى فصيح ومريح وباعث على الثقة والتفاؤل.. وطوبى لهذا البشير الذي يبصر بعيني ”زرقاء اليمامة”، ويرى قبل الآخرين، ويحظى بفراسة المؤمن، ويغشى الوغى ويعفّ عند المغنم !!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.