داعشية الأزهر / د.سميح مسعود

 

 

د.سميح مسعود ( الإثنين ) 9/3/2015 م …

ـ” عقد الأزهر مؤتمرًا لمواجهة الارهاب والتطرف في كانون الأول الماضي، ساهم فيه شخصيات دينية بارزة من مسلمين ومسيحيين على اختلاف طوائفهم، تم عقده في وقت بالغ الدقة والتعقيد والخطر المُطبق على الدول العربية، نتيجة ارتفاع منسوب الوحشية التي تمارسها الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها داعش بشكل متعمد ومحسوب، وما يترتب على ممارساتها من انتهاك للكرامة والقيم الإنسانية، وإهدار للدم وارتكاب أبشع الجرائم والتباهي بنشرها عبر مختلف وسائل الإعلام باسم الدين.

أكد بيان المؤتمرعلى ان “الجرائم التي تقوم بها الحركات الإرهابية والميليشيات الطائفية تجاوزت كل الحدود التي رسمتها الأديان والأخلاق”، كما أكد أيضًا “على أن الجرائم ضد الإنسانية التي تُرتكب تحت رايات دينية، لا تتعارض مع صحيح الدين فحسب، لكنها تسيء إلى الدين الذي هو دين السلام والوحدة ودين العدل والإحسان والأخوة الإنسانية”.

تعمد الازهر في هذا البيان عدم تكفير داعش وغيرها من الحركات الظلامية الأخرى

، التي نشأت وترعرعت في ظل ثقافة تكفيرية متطرفة خطيرة تُكفر كل المسلمين الذين لا يمارسون الحياة الإسلامية واتباع تعاليم الإسلام في السياسة، بالاعتماد على أفكار الخطاب الديني المتشدد لابن تيمية وسيد قطب وابو الاعلى المودودي، التي تُحل دماء المسلمين وأموالهم اعتقادًا منها أن مسلمي هذا العصر من الكافرين.

وبرر الأزهر عدم تكفيره داعش وغيرها من الحركات الظلامية  المتطرفة الأخرى، لأن  للتكفير ضوابطه في نهجه الأشعري “ولا تكفير لمؤمن مهما بلغت ذنوبه” ولهذا اكتفى فقط باعتبار داعش من المُفسدين في الأرض ويجب معاقبة اتباعها وقتلهم، وقد أثار هذا الأمر انتقادات جهات إعلامية وسياسية ودينية على المستويين المصري والعربي، وتم طرح الموضوع برمِّته في وسائل الإعلام المختلفة، وأشار وكيل الأزهر في تصريحاته الصحفية إلى أن الأزهر ” لم يُكفر أي شخص أو جماعة على مدار تاريخه.”

أقصر كلامي هنا على قبول التصريح السابق على علاته، لكن السؤال الذي يجدر طرحه هو: لماذا لم يتخذ الأزهر على مدار تاريخه أي إجراء ضد شيوخه الكبار الذين أفتَوا بتكفير عدد كبير من الشيوخ والكتاب؟ وأكتفي هنا بإعطاء أمثلة على ذلك، منها أن الأزهر قد شكك في عقيدة المُصلح محمد عبده وأجبره على التخلي عن منصبه كمفتٍ للديار المصرية، وأخرجه من زمرة شيوخه لانه دعا إلى إصلاح الازهر، كما حاكمت هيئة كبار العلماء في الأزهر الشيخ التنويري علي عبد الرازق في عشرينات القرن الماضي وجَرد ته من درجته العلمية، وعزلته عن القضاء لأنه كتب في كتابه “الاسلام وأصول الحكم” أن الخلافة ليست من أصول الدين الإسلامي، ودعا فيه أيضا إلى مدنية الدولة، كذلك اتهم الأزهر طه حسين بالتعدي على الدين بسبب كتابه “في الشعر الجاهلي” وسهل بهذا تكفيره من قبل المتشددين، واتهم الأزهر أيضا خالد محمد خالد باعتدائه على الدين في كتابه “من هنا نبدأ” واعتبره من المارقين، كما كفر الأزهر الكاتب نجيب محفوظ ومنع نشر روايته “أولاد حارتنا” وبناء على تكفيره حاولت مجموعة من المتطرفين قتله.

وفي أواخر الثمانينات من القرن الماضي صدرت فتاوى بارتداد الراحل فرج فودة بسبب نقده للدولة الدينية والدعوة لمدنية الدولة، وقد كفرته جبهة علماء الأزهر ببيان صريح أدى إلى اغتياله، وأيد تكفيره من شيوخ الازهر الشيخ محمد الغزالي بفتوى مفادها  “أن من يدعو للعلمانية مرتد يستوجب أن يطبق عليه حد الردة”، ولا أغفل  هنا ذكر مساهمة الأزهر في تكفيرنصر حامد أبو زيد وتفريقه من زوجته “لأنه لا يجوز لمسلمة أن تتزوج كافرًا” على حد تعبيرهم، وتم ذلك كله بسبب آرائه التنويرية، وأزيد في هذا السياق  أيضا مساهمة الأزهر في تكفير الشاعر المصري حلمي سالم بدعوى الإساءة للإسلام في قصيدته “شرفة ليلى مراد”.

وهناك امثلة أخرى كثيرة من تاريخ علماء الأزهر تُضيف رتوشًا وتفاصيل دقيقة في مجال التكفيرلا يتسع المجال لذكرها في هذه العُجالة، تشير كلها إلى أن للأزهر سابق عهد في ممارسة تكفير بعض المفكرين لأسباب من “الصغائر” التي لا تَرقى بأي حالٍ من الأحوال إلى الجرائم الوحشية التي ترتكبها الجماعات الإرهابية، وما دام الأمر كذلك  يحق التساؤل بصوت عالٍ: كيف يُكفر الأزهر كتابًا ومفكرين ويتجاهل تكفير القتلة من مستغلي الدين كداعش وغيرها من الجماعات الأخرى التي تكفر المخالفين لها وكل عناصرها من القتلة والمجرمين والمفسدين في الأرض؟ 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.