التزامن في جبهات سورية والعراق خطة / ناصر قنديل

 

 

ناصر قنديل ( لبنان ) الإثنين 9/3/2015 م …

– لم يسبق أن شهدت الجبهات القتالية في سورية هذه الاندفاعات المتزامنة من جانب الجيش السوري، ولم يسبق أن كانت هذه الاندفاعات ذات زخم هجومي واضح يستند إلى تحشيد قدرات تتخطى حدود المفاجأة والمشاغلة، لتثبت مع تواصل زخمها أنها هجوم متكامل الأركان، سواء لجهة معطيات الاستطلاع والتحضير، أو لجهة حشد القدرات البشرية والتسليحية اللازمة.

– نشهد في جبهة الجنوب منذ أكثر من شهر هجوماً متصلاً، على رغم وجود فواصل زمنية بين الوثبة الهجومية والأخرى، وهو وجود يؤكد الطبيعة الاحترافية العسكرية للهجوم، فيبدو بوضوح أنّ الفواصل هي ضرورات المواصلة، لتقييم الوثبة التي سبقت، وتقدير الموقف ميدانياً بردود فعل القوى التي تقف على الضفة المقابلة من الجبهة، وإعادة تقويم الخطط القتالية وتحديثها وتأمين مستلزمات الوثبة التي تلي، لكن الواضح والأكيد أنّ المراقب يستطيع أن يلحظ بوضوح ثلاث وثبات ونقلات نوعية في جغرافيا جنوب سورية، الأولى حسمت دير العدس وما حولها، وشقت الطريق نحو محوري تقدم واحد باتجاه درعا والثاني نحو القنيطرة، والوثبة الثانية وصلت إلى تلال فاطمة التي تسمّى بمثلث الموت، وتشكل نقطة الفصل والوصل بين المحافظات الثلاث ريف دمشق ودرعا والقنيطرة، والوثبة الثالثة تبدأ نحو عمق محافظة درعا ومن خلفها الحدود الأردنية، فيما تعترف مصادر «المعارضة» بأنّ قتلاها قد قاربوا الستمئة في هذه الوثبات وزاد عدد جرحاها على الألفين، وهي بذاتها أرقام حرب كاملة وليست فقط مجرّد أرقام لعملية تكتيكية لشهر من حرب مستمرة منذ أربع سنوات.

– في جبهة الشمال يلتقي الأداء العسكري بالعمل الأمني المحترف، بحيث نجح الربط العسكري الذي أنجزه الجيش السوري بين طريق حندرات شرقاً وطريق حريتان حلب غرباً، بما ضيّق الخناق على الأحياء التي يسيطر عليها المسلحون داخل مدينة حلب، وامتلك الجيش بذلك فرصة التحكم بخطوط الإمداد التي يستند إليها المسلحون لجهة الحدود التركية، وتزامن ذلك مع عمليات أمنية متعدّدة تستهدف قادة المجموعات المسلحة، وترتب إصابتها بالشلل، وربما أحياناً حذفها بالكامل خارج المشهد العسكري، وكان أبرز هذه العمليات الاستهداف الموفق لقادة «جبهة النصرة» بصاروخ من طائرة من دون طيار في ريف إدلب اعترف المعنيون به بحجم تسديده المحترف واستناده لمعلومات استخبارية دقيقة، فالقتلى هم قادة «النصرة» ومؤسّسوها، وعلى رأسهم مسؤولها العسكري المركزي.

– في الجبهة الشرقية الشمالية على محوري دير الزور والحسكة وخلال الشهر ذاته، ينجح الجيش السوري، مع قوات الدفاع الشعبي وبالتنسيق مع مجموعات محلية من السكان والأحزاب الكردية، أو من العشائر العربية، بالدخول إلى قرابة الخمسين قرية وبلدة في كلّ من المحافظتين، اللتين تقعان نظرياً تحت سيطرة قوات «داعش»، ويبدو لكلّ مراقب، أنّ المشهد هو العكس تماماً عن المفترض، حيث يظهر بقوة خلال شهر كامل أنّ الجيش السوري هو صاحب المبادرة العسكرية، وأنّ الإنجازات المحققة تتراكم بثبات يؤكد استنادها إلى خطط ومقدرات مدروسة.

– يتزامن كلّ ذلك مع الهجوم النوعي الأول الذي بدأه الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي، في محافظة صلاح الدين، وهو أكثر من مجرّد عملية استرداد لموقع هام، وأكثر من صدّ لعملية توغل قامت بها مجموعات «داعش» وتشكل خطراً على مواقع حساسة، كما كانت الحال في السابق حتى في عملية بيجي، للمرة الأولى يبدو أنّ الهجوم العراقي يعبّر عن قرار استراتيجي، لإنهاء وجود «داعش»، حيث محافظة صلاح الدين التي تتوسط محافظات ديالى والأنبار ونينوى، تشكل المفصل الذي يقرّر مستقبل «داعش» في العراق، بحيث تصير عملية الهجوم على الموصل بعد استرداد تكريت، مسألة زمن.

– الهجوم العراقي الاستراتيجي يتمّ من دون تنسيق مع الأميركيين والتحالف الذي أنشأوه لقتال «داعش»، بل لا يحتاج المراقب إلى جهد كثيف ليكتشف حجم الغيظ الأميركي والسعودي والتركي من الهجوم، لا يقلّ عنه الغيظ «الإسرائيلي» والأردني من هجوم الجنوب السوري، ومثلما لا تملك «إسرائيل» أن تفعل شيئاً، وكلّ شيء يجري أمام أعينها، بعدما أعلنت المقاومة بلسان السيد حسن نصرالله إثر عملية مزارع شبعا تغيير قواعد الاشتباك، ومثلما يذهب وزير الخارجية الأردني إلى طهران طلباً للتوسط، يندب السعوديون والأميركيون الحرب على «داعش» التي لم تعد هي الهدف بل صار قلب الأميركي والسعودي على حساسيات الوحدة الوطنية العراقية، التي تبدو على رغم النحيب الأميركي السعودي بألف خير، حيث مقاتلو العشائر العراقية يشاركون الحشد الشعبي في القتال، وحيث قادة العشائر يستقبلون القوات المهاجمة بالزغاريد والأهازيج.

– هجوم متزامن ومكثف، على كلّ جبهات سورية والعراق، وصولاً إلى التحكم المشترك بخطوط الحدود بين البلدين، ويستهدف ثنائي «داعش» و«النصرة»، وليس أحدهما دون الآخر، ويشكل الجيشان السوري والعراقي قوته المركزية، وتشترك فيه وحدات شعبية سورية وعراقية، ومستشارون وخبراء ووحدات نخبة من كلّ من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وعلناً ترتفع أعلام الأطراف المشاركة، من دون تحفظ، لا بل يبدو أنّ التقصّد هو في إظهار هذه الشراكة كرسالة مقصودة من أطراف حلف المقاومة، بأنّ هذا الحلف يتصرّف كجبهة موحدة ووفقاً لخطة موحدة، ومتى حدّدت ساعة صفر فعلى الآخرين توقع النتائج.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.