لأن اسرائيل من معسكر الخاسرين وروسيا من معسكر المنتصرين فان نتانياهو لم يجد لدى “القيصر” ما يسره
محمد النوباني ( الثلاثاء ) 29/8/2017 م …
المتابع للشأن الاسرائيلي يلاحظ بدون عناء ان الخطاب التاريخي الذي القاه الرئيس بشار الاسد امام مؤتمر وزارة الخارجية و المغتربين السورية بالتزامن مع اقامة معرض دمشق الدولي لاول مرة منذ ست سنوات قد اصاب الدوائر الحاكمه في اسرائيل بدوار شديد و حالة من فقدان التوازن لم يسبق لها مثيل منذ استزراعها في فلسطين عام 1948.
فهذه الدوائر باتت تستشعر بعد ان ذهبت السكرة و جائت الفكرة و انقلب السحر على الساحر في سوريا بأن الانتصارات الهائلة التي حققها و يحققها الجيش السوري في حربه ضد العصابات التكفيرية على امتداد الجغرافيا السورية و الانهيار المتسارع لتلك العصابات يؤشران الى اقتراب لحظه اعلان الانتصار النهائي لاعداء اسرائيل الجذرين مما يهدد ليس امن اسرائيل فحسب و انما مستقبل وجودها الاحتلالي برمته على الارض العربية في فلسطين و الجولان ايضا.
ان اسرائيل مثلها مثل الولايات المتحدة الامريكية و بعض دول الخليج التي انخرطت في الحرب الكونية على سوريا منذ اليوم الاول بالاضافة الى تركيا اردوغان و قوى الاسلام السياسي المتصهينة كانوا يعتقدون بان ايام الاسد في السلطة ستكون معدودة مما سيتيح لهم تحقيق اهدافهم المعروفة بالقضاء على معسكر المقاومة و الممانعة في المنطقة و اسقاط الدولة السورية و تدمير جيشها العقائدي الذي شارك في كل معارك الامة دفاعا عن سوريا و من اجل فلسطين و شعبها.
و لكن صمود الجيش العربي السوري و حلفاؤه في حزب الله و قوى المقاومة العراقية و بعض قوى المقاومة الفلسطينية و ايران بدعم روسي قد افشل اهداف تلك الحرب و رد كيد المتامرين الى نحورهم و اسقط كل مخطتاتهم و وضع مشروعهم على طريق الانهيار المحتم, و الاهم من كل ذلك انه ادخل كل القوى التي دعمت العصابات التكفيرية في ازمات حاده تهدد مستقبل وجودها نفسه.
فاندلعت الازمة بين قطر و دول التحالف الرباعي, السعودية و الامارات و البحرين و مصر و فقدت امريكا مقدرتها على التأثير في الازمة السورية بعد انفلتت زمام المبادرة بشل شبه كامل لصالح روسيا حليفة سوريا, الامر الذي دفع بأخر سفير امريكي لدى دمشق روبرت فورد للطلب من ادارة ترامب التسليم بالامر الواقع و الاعتراف بان اللعبة التي بدأها الامريكيون قد انتهت, و باتت اسرائيل التي دعمت العصابات التكفيرية لوجستيا في جنوب سوريا , و احيانا من خلال الاشتراك المباشر في العمليات العسكرية دعما لها في المعارك ضد الجيش السوري تعيش هي الاخرى في ازمة حقيقية و تشعر بخطر وجودي عليها جراء تبدل ميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة لغير مصلحتها.و انسحب ذات الشي على الاتراك الذين سلموا هم ايضا مؤخرا بوحدة سوريا الجيوسياسية كما نقل عنهم رئيس الاركان الايراني, و كذلك على الكرد في سوريا و العراق الذين بدأت امريكا بالتخلي عنهم.
و من هنا فقد ارسلت حكومة نتانياهو رئيس الموساد الى واشنطن ظنا منها بان ادارة ترامب قد تساعدها في الخروج من المأزق الاستراتيجي التي وقعت به نتيجة لوجود قوات حزب الله و ايران و بعض فصائل الحشد الشعبي العراقي على مرمى حجر من الحدود الشمالية, و لكن الجواب كما ذكرت مصادر دبلوماسية مطلعة لا حلول لدينا, اذهبوا الى روسيا فقد تساعدكم في ذلك.
و على خلفية هذا الجواب الصادم فقد سافر بنيامين نتانياهو الى سوتشي و التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن شارحا له الاخطار التي تواجه اسرائيل جراء وجود ايران و حزب الله على بعد عدة كيلو مترات من هضبة الجولان السورية المحتلة, و لكن من الواضح ان بوتن لم يشفي غليله بدليل انه لم يعقد معه حتى مؤتمر صحفي مشترك, مما دفع رئيس الوزراء الاسرائيلي و جنرالته الى التلويح بالحرب للخروج من المأزق الاستراتيجي الذي تعيشه جراء الاوضاع المستجدة في سوريا.
ان حكام اسرائيل يدركون بان صيغة عالم القطب الكوني الامريكي الواحد, التي نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1992, قد انتهت و ولت الى غير رجعة , كما صرح بذلك وزير الخارجية الروسي لافروف في معرض تعليقه على العقوبات الامريكية الاخيرة التي اقرها الكونجرس و وافق عليها ترامب مؤخرا حيث اصبحت روسيا الجديدة هي قطب الرحى الثاني الى جانب امريكا, كما يدركون بان تعملق قوة ايران و حزب الله و بقية الحلفاء و وجودهم العسكري الضخم على امتداد الجغرافيا السورية , قد قلب و غير كل موازين القوى في الشرق الاوسط لغير مصلحة اسرائيل.
ولكن اولئك الحكام الذين عاشت دولتهم عقودا طويلة و هي بمنأى عن اي خطر ” عسكري عربي و اسلامي حقيقي يهدد مستقبل وجودها على هذه الارض لا يريدون ان يقروا بان الدنيا و المنطقة قد تغيرت و لذلك فانهم يحاولون اعادة عقارب الساعة الى الوراء عبثا.
فالخيار العسكري التقليدي بالنسبة لاسرائيل هو مثل خيارها النووي بات اشبه بخيار شمشون” علي و على اعدائي يا رب” خيار انتحاري, فهي لم تستطع قهر ” حماس″ في غزه في العام 2014 في حرب استمرت لاكثر من خمسين يوما, و خرجت من هناك مهزومة مذعورة, فكيف ستنتصر في حرب ضد الجيش السوري و حزب الله و ايران في حرب مفتوحة و لا خطوط حمراء فيها؟!
و لعل ما يقلق اسرائيل ايضا و يسبب لها حالة من الارباك و الذعر الشديدين ان الرئيس بشار الاسد الذي تفننت اسرائيل في ايذائه و ايذاء جيشه طيلة سنوات الحرب الاهلية في سوريا لن ينسى لها ما فعلته و لن يغفر لها بدليل ما قاله في خطابه من ان القضية الفلسطينية سوف تبقى في صلب اهتمام سوريا, و بأن اسرائيل ستبقى هي العدو, و لذلك فان انتصار سوريا و استقرار الاوضاع فيها بالتغلب على الاعداء الداخليين سيؤديان به للتفرغ لمواجهة اسرائيل سلما ان وافقت على الانسحاب من الجولان و بقية الاراضي العربية المحتلة و حربا ان واصلت سياستها المتغطرسة و اصرت على استمرار تمردها على قرارات الشرعية الدولية التي تنص صراحة على ان وجودها الاحتلالي غير شرعي و لا بد من وضع حد له.
لذلك فان عامل الوقت يعمل لغير مصلحة اسرائيل , و هذا ما يقلق حكامها و يضيق من هامش مقدرتهم و خياراتهم, و يضع مستقبلهم الاحتلالي برمته تحت علامة استفهام كبيرة, لن تنفع معه كل محاولات الانقاذ من ترامب و لا صفقات قرنه الدونكيشوتية.
بقي القول و كخلاصه أن روسيا التي تعملقت عسكريا ونهضت اقتصاديا في عهد الرئيس فلاديمير بوتن بعد ان ارجعها الرئيس بوريس يلتسن الى مستويات عالم ثالثية اثر انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عادت لتشكل القطب الثاني المنافس بشدة للولايات المتحدة الامريكية عبر البوابة السورية و باتت منظومة المصالح التي تربطها بالدولة السورية و ايران و حزب الله اقوى بكثير من تلك التي تربطها باسرائيل حليفة امريكا و شريكتها الاستراتيجية, و لذلك فانها لن تتخلى عن حلفائها من اجل سواد عيون نتنياهو.
التعليقات مغلقة.