الأسد والفصائل العراقيّة وسرّ التلاقي؟ / مصطفى حكمت العراقي





مصطفى حكمت العراقي ( الثلاثاء ) 29//2017 م …

كانت ولا تزال خطابات الرئيس الأسد نقطة فصل بين ما سبقها وما بعدها، فما تحتويه من مضامين غنيّة بالرسائل السياسيّة والأمنيّة والاجتماعية يتمّ تحليلها وتفكيكها من الأعداء قبل الأصدقاء، حتى وصلنا إلى الإطلالة الأخيرة للرئيس السوري في افتتاح مؤتمر وزارة الخارجيّة السوريّة، فوضع النقاط على الحروف كعادته، وبشّر بملامح الانتصار وفشل المشاريع المعادية إلى الآن، وحذّر من المقبل وعدم الاكتفاء بما تحقّق من منجزات ميدانيّة وسياسيّة بفضل صمود الشعوب وتضحيات الجيش ومن معه من أصدقاء، ذكرهم بالاسم قائلاً إنّ التاريخ سيكتب صفحات عن إيران الإمام الخامنئي وروسيا الرئيس بوتين وحزب الله وقائده السيد حسن نصرالله، وقال إنّ شهداء «الحزب» ورجاله لم يختلفوا في حرصهم على التراب عن أيّ مجاهد سوريّ آخر. وأسهب الرئيس السوريّ في وصف الحلفاء، ليلجم بذلك الأفواه المشكّكة بحلفاء دمشق وقرب تخلّيهم عنها مع أيّ مبادرة تقارب يتمّ طرحها أو جلسة دوليّة يتمّ عقدها، ولكنّ الخطاب لم يتطرّق إلى الفصائل العراقيّة التي تقاتل في سورية لا من قريب ولا من بعيد، ما شكّل حالة انقسام في الداخل العراقيّ وجعل سهام التشكيك والانقسام والتخوين تنطلق صوب هذه الفصائل، لثنيها عن مواقفها وجعلها في موقف التبعيّة لحلف لا يحترم دمائها كما وصفوا ذلك، وهنا ينبغي التوضيح لفكّ الملابسات ولجم الأفواه.

الفصائل العراقيّة كانت ولا تزال تدافع عن التراب السوريّ في حرب الدفاع عن محور المقاومة من طهران إلى بيروت مروراً بدمشق، وهذا ما أكّده قادة أحد الفصائل لـ«البناء»، بقوله إنّ التفاهمات في أعلى مستوياتها مع القيادة السوريّة، وإنّ المواقف متطابقة وهي في تزايد لا في تناقص. وفي ردّه على اعتراضات البعض على كلام الرئيس الأسد وتجاهله للدماء العراقيّة، قال إنّ الرئيس الأسد زعيم مقاوم وقائد محنّك يدرس كلّ حرف قبل النطق به، وينظر إلى مصالح الحلفاء كما ينظر إلى مصالح الدولة السوريّة، وإنّ عدم ذكر الفصائل العراقيّة متّفق عليه لجهة رفع الحرج عن الحكومة العراقيّة التي تعلن رسمياً عدم مشاركتها في الحرب على الإرهاب في الداخل السوريّ، رغم تنسيقها مع دمشق على أعلى المستويات، حتى إنّ مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض قد يكون من أكثر المسؤولين الذين التقوا مع الرئيس الأسد منذ اندلاع الحرب على دمشق.

الفصائل، ومن مصادر خاصة بـ«البناء»، اتّفقت مع الدولة السوريّة وقيادة المقاومة وقيادة الحرس الثوري على التنسيق في الميدان في جميع الخطوات وعدم الالتفات إعلاميّاً لما يطرحه البعض، رغم أنّ الجميع منزعج من موقف الحكومة الضعيف بعض الشيء، لأنّ الحكومة العراقيّة تتحجّج بأنّ هذه الفصائل مشتركة رسميّاً بهيئة الحشد الشعبي المرتبطة بمجلس الوزراء، وأنّ هذا الارتباط يحتّم الانفصال عن القتال في الداخل السوريّ لأنّ الموقف الحكوميّ الرسميّ يرفض القتال في الداخل السوريّ حتى وإنْ كان ضدّ الإرهاب، وهذا يأتي مجاملة وانصياعاً لموقف الولايات المتحدة الرافض حتى التنسيق مع دمشق، وهذا ما يبرّره رئيس الوزراء العراقيّ الحاليّ بأنّ الفصائل ذهبت للقتال في سورية بعهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ليبرّئ العبادي نفسه أمام حلفائه الأميركان…

قائد فصيل عراقيّ فاعل في القتال في ريف دمشق وحلب، عبّر لـ«البناء» عن استغرابه من كلام البعض واعتراضهم على خطاب الرئيس الأسد، وهم ذاتهم طالبوا في أكثر من مرّة بتنحّيه عن السلطة، ورفضوا قتال فصائل المقاومة العراقيّة في سورية، بل كانوا يعترضون على تسمية العراقيّين المستشهدين في سورية شهداء أصلاً. وقال القائد المشار إليه، إنّ الرئيس الأسد قائد ملهم ومقاوم ووفيّ وحليف من الطراز الأول، وهو من يقدّر الحكمة في خطاباته والكلمات التي يطرحها من عدمها، ونحن على العهد ثابتون ولا نلتفت لما يقوله البعض، فقافلتنا تسير وهُم.. كعادتهم.

الفصائل العراقيّة جميعها لا تكترث، وهي تقدّم الشهداء في العراق والشام وتعي المعطيات السياسيّة بشكلٍ دقيق وتنسّق كلّ ذلك مع الحلفاء، فهي لن تكون عبئاً لا على العراق ولا حتى سورية، وهي ستبقى عامل ردع عسكريّ منيع وقوّة ضاربة بيد حلف المقاومة وقادته، ولم ولن تلتفت لتفاهات البعض، كما أنّ الحدود قد سقطت والجبهات توحّدت وسيأتي الوقت الذي يقف الجميع ليعلنوا الانتصار النهائي في العراق والشام، وستكون قيادات المقاومة العراقيّة مع قيادة المقاومة اللبنانيّة وقيادة الحرس الثوريّ والقيادة السوريّة، ويكون الجميع منتصراً. أمّا الشكر والثناء فالدّماء المشتركة هي أبلغ تعبير، وكما أنّ حزب الله والحرس الثوريّ صمتا ولم يعترضا على تجاهل الحكومة العراقيّة وعدم ذكرها وشكرها مشاركة هذه القوّات في تحرير الأراضي العراقيّة.

خلاصة الحديث، إنّ عراق ما بعد «داعش» انضمّ لمحور المقاومة شعبيّاً وسينضمّ حكومياً ورسمياً في الانتخابات المقبلة، وإنّ غمامة الانحناء والضعف والتماهي مع حلف واشنطن ستزول، وسيبقى المضحّي بدمائه والباذل عرقه في سبيل عزّة الشعوب بوجه من بذل شرفه لذلّة الشعوب.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.