عن وحدة المعركة بين العراق وسوريا ولبنان.. هل ينتبه العرب فيحمون مصيرهم؟! / طلال سلمان





طلال سلمان ( لبنان ) الجمعة 1/9/2017 م …

ما بين جرود منطقة عرسال ــ رأس بعلبك ــ القاع، وهى بعض سلسلة الجبال الشرقية حيث تقع الحدود الدولية بين لبنان وسوريا، وتل عفر العراقية امتدادا إلى الحدود مع سوريا، من شرقها، تكاد تختتم الحرب على التنظيم الارهابى «داعش» بعد ثلاث سنوات وشهرين من اجتياحه العراق وصولا إلى الموصل التى اتخذها عاصمة لدولة «خلافته».

جرت مياه كثيرة، خلال هذه الفترة، فى نهر الفرات الذى ــ ينطلق ــ كما «داعش» من تركيا ويخترق شمالى سوريا وشرقها ليلاقى نهر دجلة الآتى من جنوب تركيا أيضا عند «شجرة آدم»، قبيل البصرة، فى جنوب العراق، ليشكلا معا شط العرب قبل المصب فى الخليج العربى.

سالت دماء كثيرة عبر هذه السنوات الثلاث، دماء أطفال ونساء ورجال، وهدمت مدن من أمهات التاريخ، كالموصل، ودمرت شواهد على حضارة أرض الرافدين التى كانت قد شهدت طفرة عمران، ولو جزئية فى عهد صدام حسين، قبل أن يدخلها جيش الاحتلال الأمريكى فى ربيع العام 2003 فينهب كنوز الآثار من مقتنيات المتاحف والجامعات وإدارات الثقافة والعلوم فى بغداد وسائر المدن.. فضلا عن إقدامه على حل الجيش الوطنى العراقى وتغذية أسباب الفتنة بين السنة والشيعة ليتمكن من بعث «الفتنة الكبرى» بحيث تشغل العراقيين عن نهبه أو تدميره إبداعات الحضارة الأولى فى التاريخ الإنسانى.

على أن هذه الانتصارات الباهرة، قد حققها الجيش العراقى (مدعوما بالطرفين الخصمين: الولايات المتحدة الأمريكية بطيرانها وبعض «خبرائها» العسكريين، وإيران ممثلة بـ«الحشد الشعبى» وهو التنظيم السياسى العسكرى المرتبط نظريا بالمرجعية الدينية الشيعية فى النجف، وإن ظل تسليحه وتدريبه إيرانى المصدر، عمليا..).

فى حين أن الانتصارات على «داعش» وما ماثله من تنظيمات إرهابية متحدرة من القاعدة فى سوريا وقد أنجزها الجيش السورى بالشراكة الفعالة مع الاتحاد الروسى بقيادة فلاديمير بوتين، و«حزب الله» اللبنانى معززا بالحرس الثورى الإيرانى، مع «تدخل» أمريكى محدود تبدى جليا فى نصرة أكراد سوريا وتعزيز تنظيمهم (الاتحاد الديمقراطى السوري) فى معركتهم لتحرير مدينة الرقة، بينما كان الجيش السورى يتقدم نحوها عبر الصحراء.

لا بد من الإشارة هنا إلى أن هذه التنظيمات الارهابية قد طاولت باعتداءاتها المدن اللبنانية، بيروت وضواحيها الجنوبية وبعض فنادقها، وأوقعت عشرات القتلى ومئات الجرحى ودمارا واسعا فى المناطق التى طاولتها هذه الاعتداءات عبر السنوات الثلاث.

ــ2ــ

كان العدو واحدا، لكن تلاقى الدول الضحايا (العراق وسوريا ولبنان) قد احتاج إلى كثير من الدم قبل أن يتأكد على الأرض، وإن ظلت الأغراض السياسية تحاول تعكيره عبر إثارة الحساسيات الكيانية والطائفية، لا سيما فى لبنان.. حيث كابرت بعض القوى السياسية ذات المنطلق الطائفى فأنكرت على «حزب الله» دوره الريادى فى اقتحام الجبال، ثم أنكرت على سوريا دورها ــ بالشراكة مع «حزب الله» فى تحرير الجانب السورى من الحدود، ومن ثم إجبار «داعش» ــ بعد استسلامها ــ على تسليم جثامين العسكريين الثمانية من أفراد الجيش اللبنانى الذين أسرتهم ثم أعدمتهم مستمرة فى التفاوض على تسليمهم حتى انكشاف الحقيقة مع تحرير القسم السورى من الجرود.

 

للهزيمة أب واحد أما النصر فكثير الآباء..

وهكذا فإن للنصر فى العراق، بعد الجيش والشعب فيه، الحشد الشعبى بتسليحه الإيرانى، والطيران بالطيارين والخبراء الأمريكيين، ومقاتلى القبائل.

وللنصر فى سوريا، بعد الجيش والشعب فيها، الحرس الثورى الإيرانى، و«حزب الله» اللبنانى الذى تدعمه إيران، ثم الخبراء الروس بطائراتهم ومستشاريهم العسكريين، ومدفعيتهم بعيدة المدى التى تقصف فى سوريا انطلاقا من الاراضى الروسية، ثم حاملة طائراتهم فى المتوسط.. وكذلك هناك الأمريكيون الذين يدعمون، الكرد فى معركة تحرير الرقة قبل أن يصل إليها الجيش السورى عبر الصحراء لتحريرها..

يمكن القول إن الجانب الحربى من معركة تحرير العراق من «داعش» قد اكتمل أو أنه على وشك أن يكتمل.

ويمكن القول أيضا إن الجانب العسكرى من الحرب فى سوريا وعليها يشارف على النهاية، وإن كان مشروع الحل السياسى للازمة ما زال قيد الإعداد وقد يحتاج إلى مزيد من الوقت قبل التوصل إلى صياغته النهائية..

ــ3ــ

لقد انتهت «داعش» كمشروع اجتياح للمنطقة العربية بالشعار الإسلامى المزور… لكن مئات وربما الآلاف من مقاتليها الذين تمكنوا من الهرب والعودة إلى ديارهم، أو فى اتجاه أوروبا، ولا سيما فرنسا التى يعرفونها جيدا، إذا افترضنا أن مئات منهم من أصول تونسية ومغربية أساسا، وهذا قد ينقل المعركة إلى أرض أخرى من دون أن تنتهى الحرب..

وانتهت مع «داعش» المنظمات الإرهابية الأساسية، سواء التى حاولت أن ترث «القاعدة» كتنظيم «النصرة» أو «أحرار الشام» أو غيرها..

لكن حقائق الواقع العربى مرة، ولا تساعد على توقع استقرار قريب فى هذه البلاد التى اجتاحتها عصابات الارهاب وتحكمت فى مصير دولها وأهلها لسنوات طويلة وقاسية.

أخطر هذه الحقائق أن الدول العربية، مشرقا ومغربا، إما متخاصمة وإما تربط بينها علاقات باردة… وثمة بينها من دعم عصابات الإرهاب مباشرة أو بشكل غير مباشر أو اتخذ منها، موضوعيا، حليفا ضد النظام الآخر الذى اعتبره خصما له..

لولا هذا الواقع الموضوعى لما تمكن «داعش» من اجتياح العراق والتمركز فى الموصل التى اتخذها «عاصمة للخلافة» مع تعيين «الأمراء» على النواحى الأخرى، وإحراق المدن والقرى، وإحراق البشر وتصويرهم وهم يحترقون فى أقفاص ونشر صورهم على العالم، لترهيب الناس فى كل مكان..

كذلك فلولا المساعدات المالية والعينية (السلاح والذخيرة) التى تلقتها أشتات المعارضة السورية من دول عربية (خليجية أساسا) لما تمكنت هذه العصابات من اجتياح نصف مساحة سوريا تقريبا، واحتلال حلب وأرياف حماه وحمص وتهديد دمشق (وعبرها لبنان) لولا النجدة الروسية الفعالة والدعم الإيرانى المفتوح ومشاركة «حزب الله» من لبنان بدماء مجاهديه.

إننا عشية النهايات لفصول مأساوية دموية عاشها شعبان عربيان، وهددت دولتين عربيتين فى كيانيهما وفى مستقبلهما.

مع ذلك فقد ظل الانقسام العربى قائما، بل لعله قد توسع من اليمن على البحر الأحمر إلى سوريا (ولبنان) على البحر المتوسط، مرورا بالعراق.

ولعل مصر وحدها قد حافظت على موقف متوازن وعاقل، وإن بقى صامتا، فأبقت على علاقاتها مع العراق علنا، ومع سوريا مخابراتيا، وظلت تضغط من أجل حلول سياسية وسلمية فى البلدين.

إن المنطقة العربية الآن تواجه ــ مجددا ــ مصيرها: فإما أن تتقارب دولها حماية لشعوبها وكياناتها وثرواتها، وإما أن تعيش حالة اضطراب وقلاقل تهدد كياناتها وشعوبها وثرواتها.. ومصيرها.

وليس الأمل وطيدا باستفاقة الغافلين أو المتغافلين والمستفيدين من حالة التفكك والضعف وتعاظم الاحتياج إلى الأجنبى، لا فرق بين أن يكون أمريكيا أو إسرائيليا.

فالغرض يعمى البصيرة والبصر.. فكيف إذا كان مذهبا؟!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.