د. موفق محادين يكتب عن ( الدولة والجماعة* )
د.موفق محادين** ( الأردن ) السبت 2/9/2017 م …
* الدولة : مطلق دولة ..
الجماعة : الإخوان المسلمون ..
** كاتب ومحلل سياسي أردني …
بيْد أن نجاح الجماعة والدعم الأطلسي والتركي لها في اختطاف أو توظيف الشارع العربي، المُحتقِن طبقياً وسياسياً، لم يتواصل لا في الساحات المختطفة نفسها مثل مصر وتونس، ولا في الساحات الأخرى وذلك بفضل الاشتباك العنيف مع الدولة، أياً كانت توصيفاتها، عميقة ، شمولية، بيروقراطية، محسوبة على الغرب أو مُناهِضة له.
المقصود بالدولة، أي دولة عربية، وبالجماعة، جماعة الإخوان المسلمين، فالمشهد العام اليوم في معظم البلدان العربية هو مشهد العلاقة التي تحكم السلطة بالجماعة الإسلامية السائدة، سواء كانت علاقة صِراع أم علاقة وحدة، أم علاقة صِراع ووحدة.
ولقد شهدت هذه العلاقة أشكالاً مختلفة من التجاذبات على مدار العقود السابقة، فحيث اتّسمت بالصراع المُبكر في دول مثل مصر الناصرية وسوريا، أخذت في بلدان أخرى شكل التحالف أو التواطؤ لعقود طويلة قبل أن تدخل في حال مغايرة من التنافُس، وذلك في دول مثل الأردن، كما أخذت شكلاً استثنائياً في بلد مثل السعودية، التي رحّبت بنشاط الإخوان خارج حدودها ودعمت هذا النشاط، فيما اقتصرته داخل حدودها على العمل الدعَوي والتوظيف في المدارس والكليات.
وفي كل التجارب المذكورة، سواء كانت العلاقة صراعية أم تحالفية، ظلّت الجماعة بعيدة عن المباشرة في السلطة، وستمر عقود طويلة قبل أن تتقدّم الجماعة كثيراً في المشهد العام وتعتقد أنها باتت قاب قوسين أو أدنى من الإمساك بالسلطة.
وكان ذلك الاحتمال برسم الترجمة فعلاً في ضوء المراجعات التي شهدتها مطابخ الشؤون الشرقية في دوائر وأقلام الاستخبارات الأميركية والبريطانية، وذلك بالاستناد إلى مجموعة من التقارير والدراسات المُقدّمة من معهد واشنطن، مؤتمر هرتزليا، راند، نيد، منظمة المجتمع المفتوح، ومن المستشارين الكبار في هذه المؤسسات، أمثال برنار لويس، وبريجنسكي، سوروس، وهنتنغتون، وشمعون بيريز ونوح فيلدمان.
وقد توافقت هذه الدراسات على ضرورة استبدال دولة الحرس البيروقراطي، صديقة أو مُعادية، بأشكال من الإسلام السياسي وخاصة إسلام الجماعة لمواجهة القوى الإقليمية والدولية التي تُهدّد المصالح والمنظومة الرأسمالية العالمية، ومن هذه القوى، موسكو الأوراسية، والصين وإيران وسوريا وحزب الله في الشرق الأوسط.
كما توصّلت إلى أهمية توفير الروافع والآليات والأدوات الضرورية لهذا السيناريو، ابتداء بالمركز الاقليمي السياسي – العسكري – الآيديولوجي (تركيا بعد الانقلاب العثماني فيها) ، وكذلك المركز الإعلامي والمالي من فضائيات ومصادر تمويل خليجية معروفة.
وكان أبرز تعبير وتكثيف عن ذلك، هو التقرير المُقدّم من الخبير الدستوري اليهودي الأميركي، نوح فيلدمان، الذي تناول بالإسم شخصيات وقوى مرشّحة للمراهنة عليها، وهي الشخصيات والقوى التي تصدّرت مشهد ما يُعرَف بالربيع العربي.
بيْد أن نجاح الجماعة والدعم الأطلسي والتركي لها في اختطاف أو توظيف الشارع العربي، المُحتقِن طبقياً وسياسياً، لم يتواصل لا في الساحات المختطفة نفسها مثل مصر وتونس، ولا في الساحات الأخرى وذلك بفضل الاشتباك العنيف مع الدولة، أياً كانت توصيفاتها، عميقة ، شمولية، بيروقراطية، محسوبة على الغرب أو مُناهِضة له.
ولا بدّ من التمييز هنا بين هذه التوصيفات في مُقارعة الجماعة وإعادتها إلى حجمها السابق ، كقوة ذيليلة لهذه السلطة أو تلك أو كقوة مُلاحقة تحت الأرض بانتظار ربيع أميركي صهيوني آخر.
كما يُشار هنا إلى أن شجاعة الدولة السورية وصمودها ومساندة حزب الله وروسيا وإيران لها، هي التي عرقلت مشروع الجماعة وربيعها المذكور، وأطلقت العدّ العكسي لهزيمتها، ووفّرت المناخات الإقليمية التي أودت بحلم الجماعة في مصر وتونس، وحوّلت ذلك إلى كرة ثلج على مدار الوطن العربي، فضلاً عن عرقلة الحاضِنة الإقليمية لمشروع الجماعة برمّته وهي الحاضنة التركية.
ذلك ما أفضى بالمحصّلة إلى فوضى عنيفة دموية لأدوات تكفيرية أكثر وحشية، خلطت أوراق اللعبة على نحو عشوائي، وجعلت من الصعب على دوائر الاستخبارات الأطلسية إدارة الفوضى االهدّامة وفْق السيناريو المطلوب، سيناريو تفكيك الدول وتفتيت المجتمعات، وإعادة تركيبها على شكل خرائط جديدة تُلائم المصالح الغربية ورقعة الشطرنج الجديدة في الإقليم وتخدم فكرة يهودية الدولة في تل أبيب.
انطلاقاً مما سبق، فإن عودة الدولة إلى الإمساك بزمام المبادرة وتأمين غطاء شرعي محلي ودولي لها في مواجهة الإرهاب، وتراجُع الجماعة بالمقابل بل وهزيمتها أجبر الدوائر الأطلسية نفسها على مراجعة أوهامها السابقة بشأن الجماعة كبديل سياسي وإعادتها إلى حجمها السابق.
وهو حجم مُتباين تبايُن الظروف الخاصة بكل ساحة من ساحات نشاطها المباشر أو عبر أسماء وتحالفات أخرى من تحالفات الجماعة، فمن دور الشريك الثاني في بلد مثل تونس، إلى دور محدود برسم التوظيف في بلد مثل الأردن، إلى الملاحقة في بلدان مثل مصر وسوريا والإمارات.
وبالمُجمل تمكّنت الدولة العربية، من تجاوز أخطر التحديات التي واجهتها في العقود الأخيرة، مُستفيدة من الطابع الدموي للجماعة وتحالفاتها وأقنعتها وما خلّفه من تدمير هائل رافق صعودها، فخسرت الجماعة أكبر فرصة لاحت لها بقرار الدوائر الأطلسية في العقود الأخيرة.
وسيكون أخطر ثمن على الجماعة أن تقدّمه للبقاء في المشهد هو تغطية التحضيرات الجارية لتمرير الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية بما هي مشروع إسرائيلي أساساً، ومن ذلك ما جاء في وثيقة حماس الأخيرة، وانخراط الجماعة في الأردن بانتخابات اللامركزية ، أولى الخطوات على طريق هذه الكونفدرالية.
التعليقات مغلقة.