فلسطينيو الأردن بين الولاء والانتماء / حازم مبيضين

حازم مبيضين ( الأردن ) الإثنين 4/9/2017 م …




الأردن العربي – خبّرني – تُطوّف في السماء الأردنية في بعض الأحيان، آراء بغيضة تدعو إلى التخلص من الأردنيين من أصل فلسطيني، أو تشترط إعلانهم ولاءً تاماً للهوية الأردنية وانفصالاً عن هويتهم الأم، والحقيقة أن ذلك كله يأتي في إطار المنافسة المحتدمة على نهب ثروات البلاد بين فروع البورجوازية الأردنية التي تغذي هذه الشوفينية، وتطرحها على أنها موقف وطني يدافع عن البلاد والعباد، لا عن مصالحها المادية على حساب الإثنين. وليس من المستغرب أن يستخدم اليمين الشوفينية لتأمين مصالحه، لكن المخيّب للآمال حقاً هو أن يشاركه اليسار في خطابه هذا. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّه رغم هيمنة خطاب الشوفينيين في الأردن فإنّ أغلبية الوطنيين الشرق أردنيين يرفضون هذا الخطاب الوافد على البلاد ويعون خطره على الجميع.

معروف أن الدولة الأردنية الحديثة نشأت في العام 1921 مثل باقي دول بلاد الشام، نتيجة تقسيم المنطقة في معاهدة سايكس بيكو. وبديهي أنه كان للمشروع الصهيوني الأثر الأكبر في تكوين حدود “شرق الأردن”. قبل أن تتحول إلى “المملكة الأردنية الهاشمية”. وكباقي سكان بلاد الشام، كان لسكان هذه المنطقة هوياتهم الخاصة، التي تتدرج من هويات واسعة كالعثمانية والعربية والشامية وهويات دينية كمسلمين ومسيحيين، ومناطقية كبدو وحضر، وصولاً إلى هويات محلية منبثقة من بلداتهم وقراهم وعشائرهم، وبذلك لم يختلف سكان الدولة الوليدة عن غيرهم من سكان بلاد الشام في تعدد هوياتهم.

عند قيام دولة الهاشميين تواصلت الانتفاضات والتمردات الوطنية ضد الاحتلال البريطاني في العشرينيات وأوائل الثلاثينيات، ورفض وطنيو الأردن من أصول محلية وفلسطينية وعراقية وسورية المشاركة في انتخابات ١٩٢٩، وبرز “حزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني”، الذي دافع عن القوى الوطنية والذي حاربه كبار ملاك الأراضي الذين كانوا يدعمون الأمير عبد الله، الذي أيد قيام هؤلاء بتأسيس “حزب التضامن الأردني” عام ١٩٣٣، وكان من بينهم مسيحيون وشركس وشيوخ عشائر، ينادون بهوية أردنية منغلقة بخلاف حزب اللجنة التنفيذية الآنف الذكر، ولم يطل عمر هذا الحزب البورجوازي طويلاً، إذ لم يحظ بشعبية كبيرة بين السكان وبعد ذلك ونتيجة للقمع تم حل “حزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني”.

يستغرب البعض كيف أنّ أحداً لا يخلط ما بين السوري والمصري واللبناني، بينما الوضع في حالة الأردني مختلف. ويتجاهل هؤلاء أن الأردن يختلف عن مصر وسوريا ولبنان، وذلك نتيجة الهجرات المتعددة لأراضيه منذ القرن التاسع عشر على الأقل، والتي ضمت عدداً من المهاجرين فاق عدد السكان الأصليين. ولا نعني بذلك فقط هجرات الشركس والشيشان، أو حتى المصريين الذين أسسوا بلدة سحاب في القرن التاسع عشر فحسب، بل أيضاً السوريين والفلسطينيين والعراقيين والحجازيين واللبنانيين والأرمن والأكراد والأتراك، الذين استوطنوا في أراضي البلاد منذ أوائل القرن التاسع عشر، فضلاً عن بعض العائلات التونسية والمغاربية. وهذا عدا تنقل العشائر البدوية المستمر بين الأردن والحجاز وسوريا وفلسطين والعراق، فضلاً عن التنقلات الداخلية التي لم تقتصر على البدو، بل شملت أيضا عائلات مسيحية نزحت عن الكرك وأسست مدينة مأدبا في أواخر القرن التاسع عشر. وكل هذه الهجرات والتغيرات السكانية جرت قبل تهجير الشعب الفلسطيني عام 1948.

يصر البعض اليوم على أن للفلسطينيين الذين هُجروا إلى الأردن انتماءات لفلسطين تحول دون انتمائهم للأردن،‪ لكن لا يبدو أن انتماءات سوريي الأردن وعراقييها وشركسها وشيشانها لبلدانهم الأصلية ينتقص من أردنيتهم عند أولئك، فضلاً عن الكثير من الرماثنه، الذين كانوا في الخمسينيات عندما يعارضون الدولة يزيلون نقطة الحدود بينهم وبين سوريا، ويضعونها جنوب البلدة ليفصلوا أنفسهم عن الأردن ويرفعون الأعلام السورية. وكذلك بعض المعانيين الذين لا يزالون في تظاهراتهم المطلبية يشهرون أعلاماً سعودية أحياناً. دون أن يجرؤ أحد في الأردن على مساءلة أي من هؤلاء عن أردنيته، فكل هؤلاء ينتمون إلى الأردن وإن كانت هوياتهم مركبة.

وبعد فالمهم اليوم أن على حاملي الجنسية الأردنية الوعي بأنّ منابتهم وأصولهم، لا تستحق أن تكون مصدراً للعداء بينهم وأنّ أعداءهم الحقيقيين هم الطبقة التي تنهش ثروات البلاد وتفقر هذا الشعب، وهذه الطبقة الفاسدة لاتقتصر على منبت وأصل واحد بل هي مثلها مثل الشعب الأردني، من شتى المنابت والأصول.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.