التنظيم الورقي داعش بين الخرافات والاستراتيجيات / د. يحيى محمد ركاج

د. يحيى محمد ركاج* ( سورية ) الثلاثاء 5/9/2017 م …




*باحث في السياسة والاقتصاد …

عندما كتبت مقال ” داعش ووهم القوة” كنت أدرك تماماً مضمون ومكونات داعش، وكنت على معرفة شبه جيدة بحركاتها المتوقعة بعد أن قمت بتتبع انتقالاتها منذ الإعلان الصريح لوجودها حتى وصولها للرقة في سورية، ولأن ضرورات تلك المرحلة من عمر المواجهة لم تكن تتيح إظهار كل ما يتعلق بالكيان الوهمي الخطير من حقائق لأسباب كثيرة لن نخوض في ذكرها الآن بسبب زوالها، إلا أنه كان من المهم آنذاك التركيز على أن سيطرة التنظيم الإرهابي على المناطق التي استهدفها استندت على أسلوب الشائعات المبنية على تضخيم القوة أسوة بالإسلوب الذي اتبعه الكيان الصهيوني عام 1948، والتركيز أيضاً على إصرار الغرب تقديم داعش من خلال تسويق فكرة الإسلام الإرهابي المتطرف. في حين أن ما أغفلته عن العلن في تلك المقالة كان هو الأخطر في دورة حياة التنظيم التي لم يكتب لها أن تكتمل بفضل حنكة الجيش والقيادة السورية، والتي أدارت المعركة وفق معطيات دقيقة عن هذا التنظيم ومراحل تطوره رغم استهجان البعض وانتقادهم آنذاك لطريقتها في إدارة المعركة.

فنشوء داعش قد رافقه تسويق استراتيجي غربي كبير لها، يقوم على زرع فكرة استدامتها وأهميتها في فكر شعوب الغرب، وصولاً إلى استخدامها فيما بعد لإعادة احتلال المنطقة بالتقنيات العصرية والذكية، فكان الإعلام الغربي وبتوجيه من مراكز الدراسات يردد اسم داعش في الإعلام حتى ضمن قنوات الأطفال أكثر من مئتي مرة باليوم حتى أصبح اسم داعش بمكوناتها المقصودة (دولة الخلافة في العراق والشام) أمر طبيعي وبديهي على مسمع معظم الشعوب الغربية، وكأنها قائمة وفي طور توسعها وإعادة تنميتها، والخطورة الأكبر تجسدت أيضاً بإيصال هذه الصورة لجيل الأطفال الذي سوف يصبح خلال عقد أو عقدين من أبرز مرتكزات صناعة القرار الغربي، فيكون قد اعتاد وجود هذه الدولة، وحينها سوف يقوم الإعلام بتهيئته تدريجياً لتكون كأنها عدو له عليه مواجهتها وتعبئة جميع الإمكانيات في سبيل ذلك، وقد ارتكزت محددات الوصول إلى هذه الأهداف بالدرجة الأولى على تمكنهم من الهيمنة الإعلامية على الأرض السورية وزرع فكرة استقرار التنظيم بها من جهة، وهو ما عملت عليه حتى منظومة إعلام الكيان الصهيوني، وما يستطيع اكتسابه من مقاتلين محليين أو إقليميين من جهة أخرى، باعتبارهم من أهم أدوات الهيمنة الإعلامية على الفكر الغربي.

إلا أن ما جرى على الأرض السورية جعل دورة حياة التنظيم منقوصة ومشوهة، فلم يستطع الصمود في الرحم الإعلامي للفترة التي تستطيع الحواضن أن تبقيه على قيد الحياة، والفضل بذلك يعود إلى حكمة القيادة السورية وشجاعة الجيش العربي السوري، الذي اعتمد سياسة المواجهات المرحلية وفقاً لما تقتضيه ضرورة المواجهة فقط، فاستطاع أن يتغلب على المفخخات العسكرية التي جهزها له الغرب، بل واستطاع اختراق الشارع الغربي عبر تكامل منظومة المواجهة التي كونها الثلاثي الأبرز (الشعب والجيش والقائد) رغم بساطة الأدوات الإعلامية وضعف رسائل التقنيات السورية المستخدمة بالحرب الموجهة ضده، فاعتمد على تقديم المعلومة للغرب عبر إطلالات الرئيس ولقاءاته التلفزيونية والصحفية وفق استراتيجية الطريق الأقصر للمعلومة من المنبع إلى المصب، مستفيداً من تركيز الإعلام المعادي على  شخصية الرئيس وشخصنة الأحداث في سورية. ومستنداً أيضاً على البيئة الإجتماعية التي نشأ فيها أغلب السوريين بفكر قومي يقوده حزب البعث ويوحد من خلاله بين مكونات العروبة والأديان باعتبارهما الجسد والروح.

حيث تمكن السيد الرئيس بشار الأسد من مخاطبة الشارع الغربي وفق استراتيجية الحرب النفسية التي يشنها الإعلامي الغربي نفسه ضد شعبه، وكان السبب الرئيس في نجاحه هو:

–          الصدق والشفافية في عرض الأمور وتوضيحها أثناء لقاءاته مع وسائل الإعلام العالمية.

–          استثمار تقارير مراكز الدراسات اليسارية حول تفاصيل حياة المهاجرين السوريين إلى الغرب وأسبابها من جهة، وفضحهم لجرائم الغوغائيين الذي لم يستطيعوا اكتساب غيرهم لدعم وجود هذا التنظيم بعيداً عن الشركات الأمنية الأنجلوسكسونية من جهة أخرى.

–          قصر فترة الاندماج بين المنتسبين للتنظيم من المدن المحلية التي يقاتلون بها والإقليمين المنتسبين للتنظيم من الدول الأخرى، ومن شركات المرتزقة الأجانب الموكل لهم قيادة العمليات الإرهابية على الأرض السورية.

–          تضارب الصيغ الجهادية العاملة تحت عباءة الإرهاب في الأرض السورية، ما بين تكفير غير المسلمين أو تكفير المسلمين أنفسهم لمجرد عدم تأييدهم للأعمال الإرهابية التي يرتكبها أفراد التنظيم والتي هدفت إلى نشر وهم القوة.

–          بسالة الجندي العربي السوري وطريقة إعداده العقائدية التي مكنته من تجاوز الحرب النفسية بثقة مؤكدة بالنصر الذي سوف يحققه، وقد ظهر منها إعلامياً أسطورة الشهيد يحيى الشغري وعبارته الشهيرة (والله لنمحيها) وهو يرى موته أمامه، لتجسد منهج حياة الجندي في مواجهة التنظيم، والحوادث المشابهة لها والتي لم تظهر إعلامياً كثيرة في الجبهة السورية.

–          تكامل منظومة الفكر المؤسساتي القومي ذي البنية الهرمية التي جعلت الشباب السوري والمغتربين السوريين يرغمون بعض متنفذي الرأي العام الغربي على معرفة بعض الحقائق اللا إنسانية التي استخدمها التنظيم الورقي لصناعة امبراطوريته الفانية.

الأمر الذي أفقد الزخم الإعلامي الغربي أهميته ومصداقيته خاصة لفكرة اعتبار التنظيم كأنه الابن الأصلي للمنطقة، مما شكل عبئاً إضافياً على الغرب للحفاظ على التبرؤ العلني من التنظيم إعلامياً، وسرقة الثروات العربية تحت مسميات محاربته، وتسخير هذه الأموال المسروقة من خزائن العرب لتمكينه ودعمه، أو على الأقل إطالة أمد وجوده من أجل تدميره مكونات الوجود السوري.

وقد تكلل نجاح الإختراق المتكامل للسوريين في محاربتهم لتنظيم الدولة الإرهابية الموعودة في العراق والشام في سقوط وهم ما يعلنه الغرب عن مقدرات هذا التنظيم على المواجهة رغم كل ما قُدم له من مساعدات، فتهاوت أجنحته وأفراده بمجرد إعلان الجيش السوري لبعض خطواته التنفيذية في تحرير الأراضي التي كان يسيطر عليه وهم القوة، كما في دير الزور مؤخراً، وفي مناطق كثيرة سبقتها.

لقد جسد النصر السوري نجاح استراتيجية الإعداد العقائدي التي تبناها حزب البعث في سورية رغم بعض المعيقات في تحقيق تكامل العلاقة بين العروبة والإسلام باعتبارهما الجسد والروح.

عشتم وعاشت سورية وعاش بعث العرب.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.