السؤال «النووي» الكوري.. والعربدة الأميركية / محمد خروب
محمد خروب ( الأردن ) الثلاثاء 5/9/2017 م …
وضعت كوريا الشمالية العالم بأسره وخصوصاً الدول ذات الصلة بالبرنامج الكوري النووي والباليستي، أمام أزمة كبيرة يبدو أنها باتت محدودة الخيارات تنحصر في ثنائية سؤال: ما العمل؟.. أنذهب الى حرب أم ثمّة فرصة لحلول سياسية؟.. وخيار الحرب كما هو معروف هو المفضّل لدى أركان الإدارة الأميركية، ولا فرق هنا إذا كان ساكن البيت الأبيض جمهورياً أم ديمقراطياً، ما دام «حزب الحرب» هو المُمْسِك بزمام الأمور وصاحب القرار الأخير، ما بالك ان «الجنرالات» هم المُمسِكون الآن وبقوة في قرار «ترمب»، بعد أن تم استبعاد كل من جاء بهم إلى إدارته، وكان آخر «ضحاياه» اليميني المتطرف كبير مستشاريه الاستراتيجيين ستيفن بانون، الذي وان كان لم يتخّلَ عن «نظرياته» المحافِظة والعنصرية إلا أنه قال في ما يُشبه النبوءة بعد اقصائه: «إن ترمب.. قد انتهى».
التجربة النووية «السادسة» لبيونغ يانغ وربما الأخطر، التي احدثت هزّة أرضية بلغت 3ر6 درجة على مقياس ريختر، شكّلت الفصل الأخير في البرنامج النووي الكوري الشمالي، على نحو ربما لا تحتاج لاحقاً الى أي تجربة جديدة، بعد أن باتت «مؤهّلة» لدخول النادي النووي الدولي حتى في ظل اعتراض معظم بل كل أعضاء النادي، وإن بدرجات متفاوتة من الشروط، حيث تنحصر المواجهة «الكلامية» الدائرة الآن والمرشّحة للتحوّل الى مواجهة متدحرجة قد تنتهي بحرب كارثية، بين ثلاث دول مُسلحة حتى أسنانها بكل ما يخطر على بال احد من «البضاعة» النووية وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا بالترتيب المقصود، إلاّ ان الدولتين الأخيرتين بيجين وموسكو «تُبدِيان حرصاً محمولاً على تحذيرات جديّة بأنه محظور اللجوء الى الخيار العسكري تحت أي ظرف، وكانت الصين أكثر وضوحاً وحزماً (كونها المعنِية الأولى بالتحرش الأميركي في برنامج كوريا الشمالية النووي) عندما قالت انها: لن تسمح أبداً بحدوث فوضى على حدودها. وكانت قبل ذلك قد قالت انها «ستقف الى جانب بيونغ يانغ إذا ما تعرضت الى عدوان عسكري أميركي (أي اذا لم تكن كوريا الشمالية البادِئة).
لم يعد السؤال الآن في ما إذا كان الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اون «مجنوناً» يمتلك أسلحة نووية كما يتهمه الأميركيون (الأكثر جنوناً وعربدة وعدوانية، اذا ما قرأنا سِجِّلهم العسكري وحروبهم العدوانية ومؤامراتهم التي لا تتوقف ضد معظم دول العالم)… بعد أن امتدح ترمب الزعيم الكوري الشمالي قبل تجربة الصاروخ الباليستي الذي حلّق فوق اليابان، ووصف قراره بـ»الحكيم» عندما أعلن كيم جونغ اون «تجميد» مشروع اطلاق صواريخ تسقط قرب الاراضي الاميركية في جزيرة غوام. بل قال «ترمب» في احدى تغريداته حول هذا القرار بانه: «قرار حكيم جداً، وعقلاني جداً».
إذاً.. ليس ثمة صدقية او اخلاقية في إتهام الرئيس الكوري الشمالي، بأنه «مجنون» او مصاب بعارض البارانويا وغيرها من الامراض «النفسية»، التي يبرع الامبرياليون في اختراعها ووصم قادة الدول الرافضين لهيمنتهم وغطرستهم بها، بل إن المسألة في جوهرها تتعلق بالمساعي الاميركية المحمومة. والتي لم تتوقف منذ اعلان وقف اطلاق النار (وليس نهاية الحرب) في الحرب الكورية عام 1953، بل قامت باستعمار (نعم استعمار) كوريا الجنوبية، وأبقت على جيوشها، بما فيها ترسانتها النووية «التكتيكية» ولم تقم واشنطن بسحب هذه الاسلحة إلاّ بعد 38 سنة (اي في العام 1991) بعد ان وَقّعَت «الكوريتان» اعلانا «مشترَكاً» بجعل شبه الجزيرة الكورية.. منطقة خالية من الاسلحة النووية.
الاوضاع في تلك المنطقة من العالم, على درجة عالية من التعقيد وحتى إذا تم استيلاد «حل ما» للبرنامج النووي الكوري (وهو أمر يبدو مستبعداً حتى لا نقول… مستحيلاً) فإن العدوانية الاميركية في منطقة شرق اسيا والمحيط الهادئ لن تتوقف, لارتباطها بالاطماع الاميركية ومحاولات واشنطن المتواصِلة لتطويق الصين ومنع صعودها السِلمي, والتحرش بها في كل مناسبة واستعداء جيرانها عليها وبخاصة تلك المُشاطِئَة لـِ»بحر الصين الجنوبي» الذي يشكل محور السياسة الاميركية المتذبذبة ولكن العدائية دائماً ضد بيجين (ناهيك عن «أزمة» تايوان والحرطقات الاميركية إزاء مبدأ «صين واحدة» وتسليح تايوان والمناورات العسكرية مع تايبه).
تزامن التجربة «الهيدروجينية» الكورية الشمالية مع انعقاد قمة دول «بريكس» في الصين، ربما جاءت مصادفة، وليس مستبعداً ان تكون بيونغ يانغ قصَدَت ذلك، لإرسال رسائل «زلزالية» في اكثر من اتجاه ولأكثر من عاصمة، وخصوصا الدول الثلاث ذات الصلة المباشرة بالبرنامج الكوري النووي والصاروخي الباليستي وهي اميركا والصين وروسيا. إلاّ ان مواقف تلك العواصم الثلاث مُتبايِنة بعمق، رغم ما تُظهِره التصريحات المندِّدة بالتجربة الاخيرة من غضَبٍ صيني وروسي. ومع ذلك.. فإن الرئيسين شي جين بيغ وفلاديمير بوتين مُتّفِقان على ان لا حل «عسكرياً» للأزمة الكورية المتفاقمة، وان استراتيجية «العقوبات» التي دأبت واشنطن وحلفاؤها في باريس ولندن وطوكيو وسيؤول على تبنيها، اثبتت فشلَها ولم تفلح في ثني كوريا الشمالية عن مواصلة برنامجيها النووي والباليستي، ما يستدعي العودة الى مسار المفاوضات والتخلي عن سياسة التلويح بالعمل العسكري «الغاضب والمدمّر» وغيرها من مصطلحات الكابوي الاميركي، بقدر الحاجة الى تبني استراتيجية جديدة تنهض على وقف المناورات والاستفزازات العسكرية الاميركية والكورية الجنوبية واليابانية، واعلان شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من الاسلحة النووية والاعتراف «الرسمي» الاميركي بكوريا الشمالية، ورفع سيف التهديد بالحرب عليها وإسقاط نظامها ونبذ سياسة العقوبات، وبغير ذلك ستبقى الازمة في تصاعد، وتبقى مخاطر الإنزلاق الى حرب نووية… قائمة، لن يَخرَج أحد منها.. مُنتصِراً.
التعليقات مغلقة.