المرأة بين مطرقة التحديات الاجتماعية وسندان العنف في الشرق الأوسط / د. باسمة السمعان

د. باسمة السمعان ( الأردن ) الجمعة 8/9/2017 م …




** عن موقع ” كلمة الاردن ” …  

الحديث عن العنف والتطرف في منطقة الشرق الأوسط ليس بالأمر الجديد بل هو واقع في هذه المنطقة التي تزخر بالمفارقات الكبيرة ، فمن جهة هي مهد للديانات السماوية التي جاءت برسالة الحب والسلام والتسامح، وعلى النقيض تماما فهي منطقة الصراعات والنزاعات الدامية ، اذ لم يمنع ظهور ديانات سماوية في حيزه الجغرافي ، القتال الذي بات سمة ‘الشرق’.

والى الانسان في الشرق، فهو اقل ما يوصف بـــ ‘المتألم ‘ اذ تكالبت عليه المحن من كل جانب حتى بات يعيش تحت وطأة الألم والمعاناة والحرمان بسبب القيود النفسية والاجتماعية التي لا يرى في بعض الأحيان لها مخرجاً، وفي ظروف معيشيه صعبة حدًت من تطلعاته الانسانية والسياسية والحضارية وبحثه المستمر ليكون له مكان على مائدة الشعوب المتقدمة ۔

انه يتألم بسبب قيوده الداخلية اولا ، او ما يفرض عليه ان كان بتدخل الاخرين في شؤونه أو بسبب نظرة الاخرين اليه ، او نتيجة التحديات والممارسات التي يتعرض لها كل يوم ان كانت من اهل بيته او من الاخرين ، فيبدأ يدخل في عالم افتراضي يعيد به ماضيه المجيد وحاضره الصعب ومستقبله الغامض ويتألم. وفي ظل كل هذا الصراع يطمح الى ان يتحرر كي يحقق انسانيته ويصبح له هدف يسعى اليه يعيد له ثقته في ذاته وأصالته ، فيلجأ احيانا كي يعبر عن ذاته الى اساليب العنف والتطرف والعدوانية۔

أما المرأة التي تشارك الرجل حياته في الشرق فهي اكثر ايلاما منه ، حيث لازالت مجتمعاتنا بالرغم من مظاهر التقدم والحداثة مجتمعات تقليدية ، كما ان التحولات المجتمعية نحو مجتمعات مدنية ودول المؤسسات والقوانين ما زالت في بداية الطريق.

فالوضع السياسي وانعدام الأمن والاستقرار في بعض بلدان الشرق يجعل الاهتمام بالنواحي الاجتماعية منسيا وليس على سلم الأولويات .فكيف نتحدث على سبيل المثال عن حقوق الطفل والمرأة في قطاع غزة ، بينما لا زال الأمن والاستقرار غائبين في كل الأراضي الفلسطينية وبين كل شرائح المجتمع؟ وكيف نتحدث اليوم عن برامج توعية للعائلة في العراق وسوريا واليمن بينما الانسان يخرج من بيته صباحا ولا يدري أين تكمن له المتفجرات والعبوات الناسفة؟ إننا حقا نعيش في مجتمعات غير مستقرة والسبب هو عدم الاستقرار السياسي۔

اما اذا تطرقنا الى الناحية الاقتصادية فحدث ولا حرج ، فالتراجع الاقتصادي يؤثر بشكل مباشر على شريحة كبيرة من البشر والذي يؤدي بالتالي الى التخلف الانساني ، فالفقر والبطالة والحرمان كلها عوامل يقع الانسان في الشرق الاوسط تحت وطأتها ، بالمقابل هناك مبالغ باهظة تصرف بالشرق من اجل التسليح العسكري ولتحقيق الأمن والاستقرار داخليا وخارجيا ۔

ومن هنا فكل ناحية مرتبطة بالأخرى، نحن في الشرق مجتمعات في طور النمو والمعرفة ، ونحتاج الى سنين عديدة للحاق بالمجتمعات المتطورة. لدينا رصيد كبير في صفوف المتعلمين وجامعات ومدارس ومعاهد، لكن الدراسة لا تؤدي بالضرورة الى الثقافة. كما ان المجتمعات التقليدية تجعل النمو الثقافي وتغيير العقليات عمليات بطيئة وتدريجية .

وهذا بالطبع قد يختلف قليلاً من بلد الى اخر وقد يختلف داخل البلد الواحد ما بين المدينة الكبيرة والمدينة الصغيرة والقرية الصغيرة.

اين نضع المرأة تحديدا من كل هذه التحديات ؟

أمام هذا الوصف السريع لواقع المجتمعات الشرق أوسطية ، اين هو موقع المرأة وواقعها ، وما هي الظروف التي تعيش وتحيط فيها؟

المرأة في بلادنا طموحة، الا ان الطموح لا يجد في بعض الأحيان وعاءً حضارياً مساعداً على تحقيقه، وهذا نسبي بين دولة وأخرى.

ففي الوقت الذي ما زالت المرأة السعودية مثلا تطالب بحقها في قيادة السيارات او العمل ، تجد المرأة الأردنية نفسها حاصلة على هذا الحق لكنها تطالب بتغيير بعض القوانين والمفاهيم المجحفة بحقها ومنها على سبيل المثال قانون العقوبات بجرائم الاغتصاب وقوانين الارث والميراث وقانون زواج القاصر وقانون المرأة المتزوجة من اجنبي او الزواج المختلط ۔۔ الخ

إن مظاهر التقدم الخارجي لا تعني تقدماً في كيفية التعامل مع المرأة داخل البيت أو العمل، فالحياة المعاصرة والعولمة قد وصلت بتقدمها ومخترعاتها الى قلب المجتمعات الشرقية. لكنها لا تعتبر مظاهر تقدم الا إذا استخدمت لتحسين التعامل ولتغيير العقليات السائدة، وقد وصلت العديد من النساء في بعض الدول العربية الى مراكز متقدمة (وزراء، نواب، مديرات مدارس وشركات)، وقد اصبحت بعض النساء رموزاً متفوقة في العلوم والثقافة والادب والشعر والاقتصاد، وهذا بالطبع ايجابي وسير في الاتجاه الصحيح. لكن غير كاف، لماذا؟ لأن المرأة ما زالت تعيش تحت ضغوطات متعددة منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وايضا فيما يختص بموضوع الهجرة الذي تضررت منه عائلات كثيرة ناهيك عن الاعلام المشوه الذي يظهر المرأة كسلعة في الاعلام والاعلان والامثلة كثيرة امامنا۔

اين دور المجتمعات تجاه هذه التحديات ؟

إن العائلة مسئولية الافراد والدولة. ولن يستطيع أي ركن أن يأتي بالمعجزات من دون التعاون مع الركن الأخر. الا أن المجتمع في بلدان الشرق عليه أن يعمل الكثير لتعزيز القيم العائلية ولتخفيف الضغوطات التي تواجه المرأة بشكل خاص، لذلك فأني أسوق بعض المقترحات من أجل التخفيف من معاناة ‘الأم’ والأخت والابنة و الزوجة في منطقة الشرق الاوسط. وهي مقترحات تتطلب جهوداً حثيثة من الافراد ومن الدولة في ان واحد، من اجل رفع كرامة الانسان وبالتالي كرامة المرأة في وسط بيئة لا تجد انفراجا لأزماتها المتعددة ، وغياب الأمن والاستقرار.

وعليه فإن المرأة والعائلة ستبقى مهددة بالخوف في الشرق الاوسط لكنّ تربية الأم في البيت لأولادها على قيم المحبة والعدل والمساواة والحوار، من شأنها الاسهام في صنع السلام وتنميته والحفاظ عليه.

-تعاون المجتمعات والمؤسسات المجتمعية بخصوص التوعية الثقافية حول كرامة المرأة وضرورة اعطائها الدور الذي تستحق في المجتمع: وتكثيف مبادرات الحوار والتلاقي على جميع الاصعدة بهدف تقريب وجهات النظر نحو المرأة والتعاون بين أتباع الديانات التوحيدية على تعزيز دورها في المجتمعات العربية.

-تعزيز وتشجيع مراكز حقوق الانسان: وهذه المراكز تنتشر بكثرة هذه الأيام ، حيث لا تتقبل بعض المجتمعات أن يوضع الأصبع على الجرح وعلى مكامن المرض الاجتماعي في النظر نحو المرأة ومعاملتها بقسوة. لكن هذه المراكز، عندما تُعطى مساحة من الحرية، يكون بمقدورها أن تعمل على تغيير العقبات والممارسات ولو تدريجياً في نظرة المجتمع نحو المرأة .

-القوانين والتشريعات: ما زالت النساء في الدول العربية يطالبن بتغيير بعض القوانين الجائرة في حقوقهن ۔

-انشاء مراكز تعنى بشؤون المرأة الى جانب زوجها وهما عماد البيوت السليمة: انها في الشرق بحاجة الى مراكز توجيه ومراكز علاجات نفسية للنساء المحطمات من جراء العنف في الصراعات السياسية والعنف في داخل البيوت وتسلط الأهل واجبار المرأة على الاقتران برجل معين. ما زالت هذه الأمور تثقل كاهل المرأة، كما أن انشاء مراكز خاصة للإرشاد والتوجيه من شأنه أن يجعل المرأة تتحدث عن نفسها ولا تبقى تتألم بصمت مقيت.

-إن التطرف الديني والفكري التكفيري لسد الفراغ الثقافي السائد في بعض المجتمعات ، يعزز معه النظرة الدونية نحو المرأة وكذلك قد يقود المرأة للعنف والارهاب وقتل الأرواح البريئة: كما أن تعزيز البرامج الثقافية الهادفة والسامية والمبنية على كرامة الانسان وكرامة المرأة، عبر وسائل الاعلام الملتزمة ، وكذلك في المؤسسات الثقافية والمدارس المنتشرة في بلدان الشرق، من شأنه ان يبعد تفكير الانسان عن التطرف وعقلية التكفير ولغتها وأساليبها ونتائجها العقيمة.

الختام:

محليا ، في الأردن ولاهتمام جلالة الملك عبدالله الثاني بالمناحي الانسانية للمرأة الاردنية باعتبار ان كل تفاصيل الحياة هي تكريم للمرأة وتعزيز لإنسانيتها.. فقد رسم جلالته خارطة طريق للحكومات المتعاقبة من اجل المرأة ونموها وتطورها الذي انعكس من خلال واقعها في التعليم والعمل على مشاركتها في الحياة السياسية، حيث برزت المرأة كعضو في مجلس الوزراء والبرلمان، والوظائف الحكومية العليا والقيادية، والسلك الدبلوماسي وسلك القضاء، والقوات المسلحة، والمجالس البلدية والنقابات العمالية والأحزاب. وبفعل انسانيته وملامسته لواقع الحياة بكل مناحيها فقد تحقق للمرأة الأردنية في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني إنجازات متميزة ضمن رؤى تتفق مع تطلعات جلالته في المشاركة الفاعلة في العملية التنموية، والتأسيس لديمومة النهوض والاستمرار في المشاركة، وتحقيق المنجزات في مختلف ميادين العطاء.

وعالميا وقبل 30 سنه وجه البابا يوحنا بولس الثاني الأنظار الى ‘كرامة المرأة’ وقد حصلت تطورات كثيرة منذ ذلك الحين ساهم بعضها بتبني هذا الفكر الكنسي الراقي، فيما بقيت المرأة في الشرق تعيش وسط أوضاع سياسية واقتصادية وعقليات اجتماعية قاسية وظالمة. حصل بعض التطور الايجابي، لكن عربة التحولات المجتمعية باتجاه حقوق الانسان تسير ببطء شديد. ويبقى الشغل الشاغل لمنطقة الشرق الأوسط هو تحقيق السلام والاستقرار السياسي، ولن يحدث التطوير الاجتماعي والثقافي ما لم يتحقق السلام أولا.

وختاما فلنصلّ الى الرب لكي يلهم القائمين على صنع السلام من اجل الاسراع في تحقيقه.

والسلام عندما يتحقق سوف يكون من ثماره المرجوة تحقيق السلام داخل العائلة والانتباه الى كرامة المرأة والأسرة معا. ويصبح عندها من السهل على المرأة أن تعيش بطمأنينة وسلامة قلب لخدمة دعوتها السامية ورسالتها الراقية في أمومتها وأنوثتها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.