جماليات النضال / المبادرة الوطنية الأردنية …
الأردن العربي ( الخميس ) 12/3/2015 م …
الأحرار لا يحتاجون إلى إذن العبيد للنضال من أجل السعي للتحريرهم من العبودية، ولا هم بحاجة إلى إذن العبيد، من أجل النضال ضد نظام عبودي استغلالي مضطهد و ظالم، نظام يستعبد ويضطهد ويطحن الأغلبية المطلقة، لصالح حفنة وحوش آكلة أرواح البشر قبل لحومهم، نظام يسلع البشر في سوق النخاسة، ويستبيح كافة القيم الإنسانية ليعطي الأولوية “لقيمة الربح” على حساب “قيمة البشر”.
النضال، في جوهره، هو تعبير حقيقي لصفات الحياة الاجتماعية والنشاط البشري في الطبيعة، الذي يولّد في الإنسان مشاعر الحب والحبور والحرية والجمال والأكتفاء والسمو، تلك الصفات المتأصلة في الذات البشرية.
كما أن النضال من ناحية أخرى كفيل بإعادة اللحمة الطبيعية التي كانت سائدة بين احتياجات الروح وأحتياجات الجسد، وهي حالة ثنائية وجدت مع نشؤ الكائن الحي، قبل مرحلة بروز الملكية الفردية لوسائل الانتاج، والتي بسببها فقط، أي الملكية الفردية لوسائل الانتاج، تم الفصل بينهما قصراً، على يد تلك القوى عن معرفة مسبقة وحاجة ملحة وشرط ضروري، لتتمكن من ضمان استمرار سيطرتها على قرار ومصير الإنسان الفرد، والإنسان المجتمع، عبر إعادة تشكيله بإستمرار ليتقبل إستغلاله واضطهاد وعبوديتة.
النضال يعني رفض قيم السوق وقيم ما وراء الطبيعة الغيبية الموظفة، تلك القيم المرتهنة لإرادة قوى السوق السائدة، منذ تطور نمط الملكية الفردية لوسائل الانتاج، والنضال في طبيعته يتناسب طردياً مع الأنسنة، فكلما ازداد منسوب الشعور الأنساني وتوضحت اكثر فأكثر القيم الجمالية الكامنة فيه، وخاصة عند اصحاب الضمائر الحية، كلما ازداد استعدادهم وتصميمهم على النضال والإستمرار به لنهاياته، لتحقيق تخطي النظام العالمي المتوحش، الذي يستبيح كل القيم الإنسانية، والذي يتصف بأخلاق وقيم الغاب.
النضال من أجل تخطي كافة أنظمة “التبعية المسخ” تلك التي تأتمر بأمر المركز المتوحش، والنضال من أجل القضاء على نهج “مجموعات التبعية” التي تحكم بفعله، لا بقدراتها الذاتية، فمنتوج هذا النضال هو الذي يحقق فتح الأفاق الرحبة أمام مستقبل إنساني جميل لصالح دول وشعوب المحيط التابع المحرر من القهر والعبودية والاستغلال.
في خضم هذا النضال الحالم الجميل، تتحرر طاقات نبيلة كامنة في الذات البشرية، لتتجلى هذه الذات على حقيقتها بأبهى صورها، وتظهر بأروع اشكالها، في فعل إنساني مضاد لواقع بأس قائم بالفعل وبالقوة (والحسن يظهر حسنه الضد) واقع انتقال الرأسمالية منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، إلى مرحلة “الرأسمالية المالية المضاربة” التي حولت العالم إلى “سوق للدعارة المعنوية والمادية وسوق للقمار” وانحدار مرعب للقيم والمفاهيم والرؤى، وتشضي لهيكل الثقافة الأنسانية، نتيجة لإمتلاك هذه القوى “المنحطة تاريخياً” خبرة فائقة في تزييف وعي البشر، وقدرة هائلة على تشويه متطلباتهم الأساسية والروحانية الحقيقية، وأيضاً نتيجة تملكها جرعة عالية من “الوقاحة الأخلاقية” لتحطم عناصر جمالية متجذرة في الذات الإنسانية، نتيجة سيطرتها المحكمة على وسائل إنتاج “الوعي” وسيطرتها على وسائل تشكيل “ثقافة” البشر، في سياق مشروع، ركيزته الأساسية “صناعة القبول وثقافة القطيع” على غرار الدعاية المعروفة لدجاج ” ربي على الدلال وذبح بالحلال”.
من طبيعة هذا النظام الرأسمالي، أنه كلما حقق المزيد من “الربح” لصالح هذه “القوى المسخ” نتيجة عملية إستحلاب دول ومجتمعات العالم، ينتج مزيداً من البؤس والشقاء للبشرية جمعاء، كلما تشبت أكثر فأكثر في حصر تقرير مصير البشر في يده، وازداد لذلك توحشاً.
ففي سبيل هذا “الربح” تدوس قوى هذا النظام بأحذيتها القذرة كل القيم الأنسانية الجميلة، وتنتهك كافة المعاير الإنسانية “الحقانية” التي تراكمت على مر العصور، وفوق ذلك كله، فأنها لا ترعوي عن العمل على إعادة إنتاج البشرية بمستويات وأنماط ثلاثية الابعاد، على غرار مملكة الغاب:
“الضبع-الثعلب-الأرنب” الضبع يأكل الجيفة والطريد، ويأكل البشر بعد ضبعهم، ليمثل أقلية ضئيلة جداً، تستمد “قوتها” من إمتلاك السلطة وراسالمال، والثعلب يتحايل على الجميع من أجل تنفيذ مأربه، يمثل الطبقة الوسطى، التي أخذت بالتلاشي بفعل الأزمة، فلم ينفعها مكرها، والأرنب، الطريد والفريسة المحتملة لكل من هو فوقه في سلم القوة في الغاب، والذي يمثل للأسف الغالبية المطلقة من المجتمعات والدول، في هذا العالم القائم بالفعل وفي الواقع.
فهل يتصور أحد حجم السعادة والمتعة وتحقيق الذات، التي تنجم عن النضال ضد نظام الوحوش هذا؟ ويتوج سعادته حالما يتمكن بالعمل المنظم الواعي على تخطيه.
إن سعادة الإنسان لا يمكن أن تكتمل ما لم يتم تحقيق التحرر من الظلم والاضطهاد والغربة، ولا تكتمل هذه السعادة بدون تحقيق تحرر الروح من القهر والجسد من الحرمان، فثنائية الروح والجسد هما ما يشكلان الانسان، ويطبعانه بما هو كائن عليه منذ النشوء، وتلازم هذه الثنائية هو ما يفسر انخراط الإنتلجنسيا في معمان النضال الاجتماعي-الطبقي.
تنخرط الإنتلجينسيا في مجرى النضال لكي تنعتق من الشق الثاني للمعادلة، إنعتاق الروح من غربة خانقة تحاصرها، حتى في ظل تحقق شروط الشق الأول.
قد يمتلك الفرد كل الشروط التي تحقق له ولعائلته، مستوى معيشي راقي، مسكناً ومأكلاً ومشرباً ومتعاً متعددة المستويات، ووسائط نقل فخمة…الخ، بالرغم من ذلك يبقى هذا الفرد في حالة عدم استقرار وقلة إطمئنان، ويبقى في حالة قاتلة من القلق والخوف من المستقبل، لماذا؟
لأنه لا يستطيع الاستمرا في الاحتفاظ بهذا المستوى من العيش، إلاّ من خلال أبقاء رب عمله راضياً عنه وعن مردوده بإستمرار، أياً كان رب العمل، في ظل سيادة الملكية الفردية لوسائل الإنتاج، ليجهد نفسه بإستمرار من أجل تحقيق هذا المبتغى، فتزداد غربته مع التمادي في طموح تحقيق المزيد من الرضي عليه من قبل رب العمل، ويبقى على هذه الحالة من القلق المريض والخوف من محيطه وعلى علاقاته بإسرته الضيقة، نتيجة لعدم إطمئنانه لإستقرار وضعه في موقع عمله، وقلقاً من إنفجار أزمة مفاجئة في أي لحظة، نتيجة لأي سبب، قد تكون تداعياتها مدمرة عليه، وهو محق، لأن هذا النظام القائم يخلق أزمات دورية، كونها جزء من بنية وطبيعة “النظام الرأسمالي”.
لا تقتصر الناحية الجمالية للنضال على تصور الذي نريد فقط، بل أيضاً في تصور كيفية تحقيق ما نريد، وعليه يبدأ الشعور في جمالية النضال، من الخطوة الأولى في صياغة “المشروع النهضوي التحرري التنويري” وفي سيرورة بنائه لبنة لبنة، واستنباط آليات تحقيقه، لتكتمل اللوحة الجمالية في النفس التواقة للتحرر من الخوف والانعتاق من الاضطهاد والاستغلال والغربة خطوة خطوة.
نحن في الأردن، وعموماً في كافة دول العالم الثالث، نرزح تحت منظومة من الإضطهاد والإستغلال المعقد والمركب والمتعدد المستويات، بسبب هيمنة مراكز رأسالمال عبر أدواتها، على القرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي في البلاد، مما يحرم شعبنا من حقه في استثمار ثرواته لمصلحة نموه وازدهاره، ويحرم من حقه في تقرير مصيره، ويحرم من حقه في اختيار طريق تطوره، ويحرم من حقه في إختيار من يحكمه والكيفية التي يحكم بها، كما وتحرم النخب من حقها في تحقيق حلمها الوطني الجميل، وتحجز عن بناء نموذجها الأنساني الرائع، فأي قهر يمارس على شعب من قبل المركز الرأسمالي، وعبر أدواته الموصوفة، البنك وصندوق النقد الدوليين، ومنظمة التجارة الحرة، ومؤسسات ممولة من قبله، ما لم يمارس المقاومة من أجل إنفاذ حقه في بناء غده كما يتصوره.
وأي سعادة غامرة ستمتلككم حالما تبدأو بالنضال لكي تحققوا هذا الحلم الجميل، حلم القضاء على التخلف وتحقيق التنمية، حلم تحقيق شروط التمية الوطنية الحقيقية التي تستهدف عزة وسعادة ورخاء الأنسان والمجتمع، حلم تحرير الإرادة الوطنية كحق مطلق للبشر، وحلم تحرير الثروات الهائلة المختزنة تحت سطح أرضكم، وحلم بناء مجتمعكم من خلال نموذج من خياركم، وحلم تحقيق سعادة ورخاء وتطور مجتمع متحرر من الخوف ومن الجوع ومن البطالة ومن الفقر، مجتمع يحقق تمدده الحر على كافة المستويات وفي جميع الاتجاهات، حلم يسير على طريق وحدة الأمة، لكي تأخذ مكانتها بين الأمم العظيمة في انسانيتها.
نقطة البدء على طريق تحقيق هذه الاحلام هي كسر التبعية وإنهاء الانتداب الثاني، انتداب البنك وصندوق النقد الدوليين، أنه حلم يستحق النضال من أجله، ومن أجل تحقيقه يمكن الانخراط في حوار واسع بعقل وقلب مفتوحان، حول شروط بناء مشروع “تحرري تنويري نهضوي ووحدوي” وللجميع في هذا المشروع مكان، ولا مكان للعصبوية والانغلاق والانتهازية والعنصرية والبدائية والتخلف، في سبيل فضاء واسع وممتد.
“كلكم للوطن والوطن لكم”
التعليقات مغلقة.