هل بدأت أميركا تتحسس مأزقها في العراق؟ / أمين حطيط

 

 

أمين حطيط ( الخميس ) 12/3/2015 م …

في تصريح قد يكون مفاجئا، صعق الجنرال ديمسي رئيس اركان الجيوش الاميركية صعق متابعيه بإعلانه أن تكثيف الضربات الجوية من التحالف ضد داعش يشكل خطأ استراتيجيا كبيرا، لأنه تصريح يستوجب سؤال ديمسي ماذا تفعلون إذن في العراق ولماذا أنشأتم التحالف الدولي ضد داعش؟ هل كان تحالفا لحمايتها أم تحالف لمداعبتها وخداع العراق ودفعه إلى الاستسلام لقدره أمامها لتنفذ ما جاءت من أجله بتكليف أميركي.

كنا ولا زلنا نقول بان أميركا اتخذت من داعش جسر عبور وأداة لتحقق أكثر من هدف في المنطقة خدمة للمشروع الصهيواميرلاكي ولم تكن أميركا ولن تكون يوما عدوا لداعش ومع هذا ادعت عند إنشاء التحالف بان هدف عملياتها في العراق الفتك بداعش (وهو امر كذبته كل الوقائع والعمليات العسكرية الأميركية التي قادت الطائرات الاميركية الى اللقاء المساعدات لداعش بدءا من معركة جرف الصخر وحتى اليوم)، أما في سورية فان عملياتها اتجهت لضبط داعش دون ان يؤدي ذلك إلى المس بقدراتها.

 مع هذه الحقائق ينبغي ألا نفاجأ بالموقف الأميركي لكن وجه الصدمة في الموقف هو إعلانه الصريح والدعوة إلى تخفيف الضغط على داعش دعوة ترافقت مع انتقادات قاسية وجهت من أميركا وجهات تدور في فلكها وجهت إلى الحشد الشعبي الذي يعتبر أحد جناحي القوة التي واجهت داعش فما السبب؟

 برأينا إن ما تحقق من الإنجازات الميدانية في العراق أذهل أميركا وجعلها تسقط كل الأقنعة عن دورها في رعاية داعش، لان هذه الإنجازات إذا جمعت إلى ما حققته سورية أيضا فإنها تخرج صورة تقطع بان المشروع الاميركي في المنطقة لن يقو بعد الآن على القيام.

و فضلا عن الانجازات العسكرية الميدانية فقد اظهرت القوات العسكرية العراق من جيش و حشد شعبي هوية وطنية لا طائفية و هذا ما لا تستسيغه اميركا بسهولة . وهنا نذكر بان العراق فبل العام 2003 كان يعيش جوا او حالة شعبية وطنية غير طائفية ولم يكن هناك تنازع بين سنة وشيعة أو بين مسلمين وغير مسلمين، خاصة على الصعيد العيش المشترك شعبيا (بصرف النظر عن ممارسة الحكام بصيغة أو أخرى) وبدخول أميركا محتلة للعراق دخل تنظيم “القاعدة” الإرهابية ربيبتها فعاثت في العراق تدميرا وإفسادا لتلك الحالة الوطنية ونشرت الحس المذهبي.

وعندما سهلت أميركا لداعش بشكل مباشر او غير مباشر عملية السيطرة شبه الكاملة على المحافظات الاربع ذات الاكثرية الديمغرافية التي تعتنق الإسلام على مذاهب أهل السنة، تصورت إن إقليميا سنيا متطرفا سيقوم بمواجهة إقليم شيعي وسيكون القتال هو اللغة التي تعتمد بين الاقليمين بما يستنزف قدراتهما ويؤدي إلى تقسيم العراق والانطلاق بعده إلى تقسيم سورية بعد ان تكون قد فصلتها بالإقليم السني عن حليفتها الاستراتيجية إيران.

لكن الذي حصل و رغم كل المناروات الخداعية الاميركية و التضييق على الجيش العراقي و منع تسليمه ما يحتاج من أسلحة و ذخائر ليواجه بها داعش ، الذي حصل هو ان العراق اعتمد على نفسه اولا و على مساعدة الجوار الاقليمي و بصورة خاصة من محور المقاومة و في مقدمته ايران ، و استند الى توجيه و  دعم معنوي مميز قدمته المرجعية الدينية ، استند على كل  ذك و خاض معركة دفاع و تطهير ناجحة ظنت أميركا في البدء نها لن تصل الى تحقيق شيء مما يبتغيه العراقيون منها في ظل الضغط النفسي و الحصار اللوجستي و الخداع العملاني الذي مورس عليهم .

لكن الميدان كذب التوقع الأميركي أدت الحرب الدفاعية العراقية وفي اقل من أربعة أشهر إلى تحقيق إنجازات هامة جاءت كلها لتنقض ما حاكته أميركا للعراق إذ أنها:

1)       اظهرت ان العراق قادر بما حشد من قوة مثلثة رسمية و شعبية و تحالفية قادر على القيام بالتحرير من غير التوقف عند القرار الاميركي .

2)       اثبت الحشد الشعبي الذي شكل على عجل لمساندة الجيش العراقي في وجه داعش، اثبت انه قوى وطنية حقيقية تعمل من اجل العراق الوطن وليست قوى طائفية مذهبية تعمل من اجل مذهب على حساب الوطن وهنا انقلبت معركة التحرير وبمشاركة الحشد الشعبي إلى معركة مزدوجة معركة ضد الإرهاب ومعركة ضد الطائفية في الآن ذاته وهذا ما يناقض الأهداف والرغبات الأميركي التي تتكئ على الامرين للامساك بالعراق. وكانت مواقف زعماء العشائر السنية من الحشد دعما وتأييدا وانضواءا، ومن داعش وداعميها رفضا واستعدادا لقتالها علامة فارقة تؤكد وطنية الحرب ضد الإرهاب وتسقط أي وصف مزور ينعتها بالمذهبية.

3)       ان نجاح العراق في معركة التحرير من الإرهاب والطائفية سيؤدي بدون أدني شكل إلى إسقاط مشروع تقسيم العراق كما ويقضي على حالة عم الاستقرار الذي تريدها أميركا من اجل استنزاف العراق ومنع عودتها لتحتل موقعها في خريطة الفاعلين في المنطقة.

4)       ان السير على طريق التطهير والتحرير في العراق وبالطريقة المتناغمة مع ما يحصل في سورية وبدعم إيراني واضح يجعل العراق متجها لاحتلال الموقع الاقليمي الذي تفرضه جغرافيته السياسية، أي على خريطة محور المقاومة عضوية او تحالفا أو تنسيقا عميقا وهذا يغضب أميركا وحلفائها الخليجين، وتكون كل المناورات والحروب الإعلامية التي شنت من جل منع العراق من الاقتراب من إيران، تكون كلها فشلت كما فشل المشروع بذاته.

5)       وأخيرا نرى أن أميركا فتحت معركة العراق لتضغط عبره على سورية، وجاءت ردة فعل العراق الوطنية لتعاكس الرغبات الأميركية، وبات العراق في إنجازاته التي أربكت أميركا وحلفائها عاملا داعما لسورية في حربها على الإرهاب خلافا للاردة الأميركية.

لقد حقق العراق الكثير حتى الأن مما لا يرضي أميركا لا بل ينافض خطتها فيه، فقد شاءت أميركا نشر طائفية مدمرة، فلم يستجب لها كما تريد، وشاءت العراق برزخا فاصلا بين مكونات محور المقاومة فانقلب العراق إلى حلقة مكملة لسلسلة الحرب على الإرهاب تنتظم فيها إيران وسورية وحزب الله في لبنان، لذلك جاء الموقف الأميركي الداعي للتمهل في حرب داعش والتحذير من تكثيف الضربات الجوية ضدها كما والتحذير من الحشد الشعبي الذي رفد قوة الدفاع والتحرير.

 ومع هذا يبقى هناك محظورات ينبغي تجنبها لأنها ستفسد أن وقعت عظيم الإنجازات الوطنية العراقية، خاصة وأن اليد الأجنبية ستسعى جاهدة لدفع العراق اليها. فالعراقيون مدعوون لتجنب أي منزلق طائفي أو مذهبي يفسد الوجه الوطني لحرب التحرير، وعليهم تجنب سياسة اللامبالاة بحرب التحرير وعليهم المساهمة الجماعية فيها دفاعا عن وحدة العراق، مع تجنب المواقف المرتهنة أو المستفزة لهذه الدولة أو تلك بل مصادقة من يساعد بصدق وتجنب الاتكال على المتآمرين على العراق.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.