«جنون الضرائب» في خدمة الحكومة والأثرياء / فارس الحباشنة
فارس الحباشنة ( الأردن ) الأحد 10/9/2017 م …
النظام الضريبي في الاردن لربما يكون هو الاغرب على صعيد العالم، ثنائية قاتلة قوامها عجز الحكومة عن التفكير في الحلول الاقتصادية بعيدا عن جيوب المواطنين الفقراء وذوي المداخيل المحدودة، وحماية ابدية لـ»محميات البزنس « ونتاجها بالطبع اقتصاد منهار وطاقات وطنية مهدورة وتائهة وعطل بالانتاج وتضخيم لمساحات الفقر والبطالة على امتداد رقاع الجغرافيا الاردنية، وتهريب للاستثمار ورؤوس الاموال الواعدة بخلق مشاريع ومبادرات اقتصادية وفرص عمل.
كل مشروع قانون ضريبي جديد يعطي انطباعا عن فكرة اقتصادية حتمية لا يرسو غيرها في» عقل الحكومة» حيث تقوم على نقل الثروة من الفقراء الى الاثرياء.. عنف ضريبي لا يميز ما بين الشرائح الاجتماعية، ونحو 50 من مداخيل واجور المواطنين تستهلكها الضرائب، ونحو 70 % من الايرادات العامة للدولة مصدرها الضرائب،والسياسة الضريبية تعطي فكرة حقيقية واضحة عن مراكز النفوذ في البلاد، وكيف توجه السياسات الاقتصادية لصالح طبقة ما وحماية لنفوذها ومصالحها، وألأ لماذا لا يقام نظام ضريبي عادل يتكفل في توزيع عادل للضرائب ؟ .
ردة فعل الاردنيين بدت واضحة في رفضها لأي ضريبة جديدة، لربما أن مجرد تصفح مسطحات» الفيس بوك « كاف ليحكي كل الحكاية.. صور صريحة وعفوية ومباشرة تعبر عن انكسار وانهيار اجتماعي -اقتصادي عام، لم يعد الاردنيون قادرون على تحمل مزيد من العبء الضريبي، وبدا الكلام واضحا أن اقرار أي ضريبة جديدة تعني نهاية المواطن واعلان موته.
ولربما أن صور الفقر والعوز والتهميش في المجتمع لم تعد تطرح بـ«اطار رمزي»، انما يعبر عنها بعفوية فاضحة، غضب شعبي يحمل روائح تسعينيات القرن الماضي، والمشهد العام لم يقرأه بدقة وموضوعية فانه صاخب بالموت الاجتماعي العام، الناس يعلنون عن «موت بيولوجي « بانتظار أن تتدخل اقدار السماء في رفع ارواحهم قبل حلول مواعيدها، وانت تطالع اراء الاردنيين حول اوضاعهم المعيشية، فكأنك تمر في مقبرة «موت جماعي «غير معلن.
مشروع قانون الضريبة الجاري تداوله يأتي لسد عجز الموازنة ولتغطية العجز واستجابة مباشرة لتوصيات من صندوق النقد الدولي وجهات اقتصادية اممية مقرضة اخرى، ولم يعد في جعبة الحكومة الاقتصادية غير خيارات اقرار الضرائب ومزيد من الضرائب المضاعفة على المواطنين، وحتى وصلت الى المداخيل الاقل محدودية.
في الامعان في السياسة الضريبية تظهر على السطح عدة اسئلة مشروعة عن العدالة الضريبية والعنف الضريبي، واخرى عن كيفية اعادة تدوير الثروة في البلاد ؟ ومن يتحمل الاعباء الضريبية ؟ وكيف يعكس الهيكل الضريبي لعلاقات قوة عميقة مرسخة ما بين السلطة و»محميات البزنس «، وكيف أن نخلق سياسة ضريبية غير عادلة يمكن أن يؤدي الى توسع الاقتصاد غير النظامي واللاشرعي.
جميعها اسئلة ليس بالجديد طرحها، العدالة الضريبية تعني أن توزيع الاعباء يتم بشكل عادل على افراد المجتمع دون تمييز، ولكن ما يجري فان الثقل الضريبي يقع على كاهل الفقراء ومحدودي الدخل فحسب، بينما تفلت طبقة وشريحة من الاثرياء، ما يعني أن العدالة الضريبية معدومة ومفقودة وغير متحققة.
في الاردن من السهل أن يتحول الميسور ومتوسط الدخل الى فقير ومعدوم، والفقير في قرار حكومي الى عاجز ومحتاج ومرمي في الشوارع، انزياح طبقى عكسي يقذف في طريقه ملايين من الاردنيين الى مساحات الفقر القسري الجديد، ولربما هو زمن اردني جديد يذكرنا في تسعينيات القرن الماضي، وكيف انفلتت البلاد الى الهاوية في ظل سياسات اقتصادية لا تعرف الرحمة واكثر ما تتصالح مع البنك الدولي والاثرياء.
الاقتصاد الاردني وما قد اصابه يصعب تصنفيه مقارنة باقتصاديات العالم الثالث المتحولة، فهو خرج من ثوب الرعوية ولم يجد ارتداء عباءة « الليبرالية»، وبتعبير أدق رأسمالية محكومة بايد خفية تحمي مصالح «قلة قليلة « من الاثرياء. لاعبو المال أكثر ما اجادوا في تضخيم ثرواتهم، وامتصاص الفائض من الدورة الاقتصادية وتكديسها في حسابات « قلة قليلة «.
هي رأسمالية متوحشة، أكثر ما يصيبها الاحتكار والعنف الطبقي، واكثر ما يصيبها أنها تفتقد لكل مفاهيم الراسمالية وتجليها الليبرالي، وصفة اردنية غريبة، مزيج من ما قد وصلت اليه عقول في السلطة بمنطق التجريب والخطيئة أكثر من الخطأ، فصلت سياسات اقتصادية رأسمالية على مقاساتها، طراز اقتصادي اردني «غريب عجيب».
التعليقات مغلقة.