أقول لبغداد … كسرى لن يعود / ابراهيم ابو عتيلة

 

ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الجمعة 13/3/2015 م …

** ملاحظة ضرورية من المدير العام : ننشر في ” الأردن العربي ” هذا المقال لصديقنا ورفيقنا العزيز ابراهيم ابو عتيلة ، دون أن نكون متفقين مع مجمل مغ جاء فيه ، فقد صدر بيانا عن جهات ايرانية مسؤولة يوضّح أن ما جاء على لسان ( علي يونسي ) قد أخرج من سياقه العام ، وأنه فهم بشكل خاطيء …

التصريحات التي أطلقها السيد علي يونسي نائب الرئيس الايراني حسن روحاني ومستشاره للشؤون الدينية والتي نقلتها وكالة أنباء أخبار الطلاب الايرانيةإيسنا كشفت عن نوايا ايران ونظرتها للعراق ، حين قال في تصريحاته غير المسبوقة “إن إيران قد أصبحت الآن امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها حالياً بغداد ، وبغداد – حسب تعبيره – مركز حضارتنا وثقافتنا كما كانت في الماضي ، وقال أن بلاده: “كانت منذ ولادتها “إمبراطورية”، مضيفا: : “العراق ليس جزءاً من نفوذنا الثقافي فحسب، بل من هويتنا.. وهو عاصمتنا اليوم كما كان في الماضي .. أن “إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وهذا أمر لا يمكن الرجوع عنه لأن العلاقات الجغرافية والثقافية القائمة بيننا غير قابلة للإلغاء.”

 وقد ردت وزارة الخارجية العراقية على ذلك في بيان نشر على موقعها الإلكتروني إن وزارة الخارجية العراقية : “تعرب عن استغرابها للتصريحات المنسوبة إلى الشيخ علي يونسي مستشار الرئيس الايراني للشؤون الدينية والاقليات بخصوص العراق.” وتابعت: ” تعبر وزارة الخارجية عن استنكارها لهذه التصريحات اللامسؤولة كما تؤكد ان العراق دولة ذات سيادة يحكمها ابناؤها وتقيم علاقات ايجابية مع دول الجوار كلها ومن ضمنها ايران ، وان العراق لن يسمح بالتدخل في شؤونه الداخلية أو المساس بسيادته الوطنية.” ويعتبر هذا الرد من المرات النادرة التي يرد فيها العراق على تصريحات المسؤولين الإيرانيين إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الأحزاب الشيعية التي ترتبط بصلات وثيقة مع طهران هي التي تتولى حكم العراق حالياً .

إن من يتابع تلك التصريحات يلاحظ مدى الخطورة التي تواجه العراق حيث تأتي الأطماع الايرانية في العراق لتزيد الحال سوءاً إضافة لكل ما يعاني منه العراق من إختلاف طائفي وتمزق جغرافي وفي ظل وجود الدواعش على جزء لا يستهان به من مساحته ، كما وأن مثل هذا التصريح يعبر عما يجول في خاطر وأحلام الطبقة الحاكمة في ايران ونظرتها إلى القوميات الأخرى ، فالفرس يعتبرون أنفسهم مميزون عن القوميات الأخرى سواء تلك التي في المنطقة أو القوميات الموجودة في ايران نفسها ، ولعل ما نشهده من معاناة واضطهاد للأقلية العربية في ايران لأكبر دليل على ذلك ، فبعد احتلال ايران للأحواز واغتصاب أراضي وثروات العرب هناك ، هاهم يعبرون عن ضم العراق للإمبراطورية الفارسية الجديدة والذي جاء على لسان شخصية تتولى موقعاً حساساً في منظومة الحكم الايرانية فقد ألغى هذا التصريح الروابط الدينية والطائفية ليعيد العراق إلى عهد ما قبل الاسلام وكأنه يقول سيكون منا ” كسرى ” القرن الحادي والعشرين فترقبوه وهو الذي سيعيد للإمبراطورية الفارسية أمجادها المقبورة .

ومن الجدير بالذكر أن النفوذ الإيراني في العراق قد ازداد بشكل واضح بعد إسقاط النظام السابق سنة 2003 على يد أمريكا ، حيث تسلم الشيعة منذ ذلك الوقت حكم البلاد ، وبدأت ايران باقتسام الكعكة العراقية مع أمريكا وانفردت بها بعد انسحاب القوات الامريكية حيث أضحت ايران اللاعب الوحيد الذي يصول ويجول دون رادع ، وتكاد تكون الدولة الوحيدة التي تتدخل في تشكيل الحكومات العراقية وفرض التحالفات بين الأحزاب المختلفة بذريعة واهية وهي ذريعة التطابق الطائفي بين حكام ايران وحكام العراق ، ولو أن ذلك التطابق سمح لإيران من وجهة نظرها بأن تقوم بنهب ثروات العراق ، ولعل أقرب مثل على ذلك سرقتهم لمياه نهر قارون تلك السرقة التي تسببت في تملح مياه شط العرب والتي اصبحت نتيجة لذلك مياهاً غير صالحة للشرب كل ذلك بالإضافة إلى التأثير البيئي السلبي على مناطق الأهوار التي أضحت تعاني من الجفاف .. فأي طائفة تلك تسمح بنهب ثروات إخوتهم في الطائفة ولعل مبررهم في ذلك الاختلاف القومي فقط والهيمنة التي يسعون إليها .

       وهنا يجب ان لا نغفل عن أن التصريحات المذكورة تأتي في وقت يزداد فيه النفوذ الايراني في العراق والذي أخذ بالظهور بقوة أكثر من أي وقت مضى مع تكشف الهجوم المضاد على تنظيم “داعش” في الأيام الأخيرة ، فقد أخذت الميليشيات المدعومة من إيران المبادرة في القتال ضد التنظيم ويقوم كبار القادة الإيرانيين بالمساعدة في ذلك وبشكل علني في توجيه القتال وهو الأمر أضحى الذي يشكل هاجساً للإدارة الأمريكية التي كانت في الأصل مصدر الداء وصانعة البلاء الذي حل بالعراق ، فيما تقول إيران إن دعمها للقوات المسلحة العراقية والفصائل المساندة لها من حشود شعبية وعشائر سنية يقتصر على الاستشارة فقط في معاركهم التي يخوضونها ضد تنظيم داعش الذي يسيطر على مناطق في شمال وغرب العراق منذ منتصف العام الماضي ، ولعل اقرب مثل على قيام القادة الايرانيين بالمشاركة في العمليات هو ظهور قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وهو يقود بعض المعارك في محافظة صلاح الدين .       نكبر دور ايران المساند للمقاومة في لبنان وفي فلسطين كما ونكبر دورها في مساندة النظام السوري في مواجهته للقوى الظلامية والمعارضة المرتبطة بالصهاينة والتي أثبت الأحداث أنها إما قوى ارهابية تكفيرية ظلامية كالنصرة والدواعش وإما قوى إدعت معارضة النظام من أجل حرية الشعب السوري وإذ بالأحداث تثبت أنها ترتمي في أحضان الصهاينة الحريصين كل الحرص على تدمير كل نبض عربي يسعى للحرية اينما وجد ..

 ولعل السؤال الذي يطرح نفسه ” هل يرضى العرب بالتنازل عن العراق لايران ، بحيث تصبح العراق جزءاً وعاصمة للامبراطورية الايرانية الفارسية الجديدة مقابل قيام ايران بمساندة المقاومة اللبنانية والفلسطينية والنظام السوري ؟ “

هذا السؤال يحتاج وبسرعة إلى إجابة واضحة ولعل إجابته تقتضي الترحيب بأي دور ايراني يمكن أن يساند القضايا العربية ، كما تقضي وبالتأكيد معارضة بل ومقاومة أي دور ايراني يستهدف السيطرة على العراق وإلحاقه بإمبراطورية كسرى الجديدة ، وهنا لابد من وقفة فاحصة لكل ما يجري ، ولا بد من دور واضح لأبناء العراق الأدرى بشعاب بلدهم ، وهم الذين عليهم أن يقرروا طبيعة اختيارهم ، بين تبعية مطلقة لإمبراطورية فانية يسعى الايرانيون لتجديدها مستغلين بذلك عصبية طائفية منتنة يعملون على تغذيتها وتجذيرها منذ سنين مستغلين بذلك حالة الوهن والمحاصصة الطائفية السائدة في العراق ليوهموا ابناء طائفتهم بأنهم الأقرب لهم وبأنهم الأكثر حرصاً على مصلحتهم رغم أن كافة الوقائع والأحداث تثبت العكس ، كما أسلفت سابقاً ، أو أن يختاروا رابطة الدم واللسان والتاريخ واللغة والمستقبل بأن يرفضوا تلك الطروحات الاستعمارية ويسعوا لتحرير العراق من كل من يتدخل في شؤونه ، ولن يتحقق ذلك بالقطع إلا بتكاتف الأيدي ورفض الطائفية وعودة العراقيين لعراقيتهم وعروبتهم الذين هم من روادها، وهنا فإنني اترقب بأن تصدر القيادات والأحزاب العراقية رفضها لتلك التصريحات واعتزازها بحرية واستقلال بلاد الرافدين .

وفي الختام أقول بأن الخطر على منطقتنا العربية يتضح أكثر فهنا خطر إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل وهناك خطر الإمبراطورية الفارسية على ضفاف دجلة والفرات ولمواجهة ذلك فما من حل إلا التلاحم والتكاتف القومي ونبذ الطائفية البغيضة وأن نقوم جميعاً بتوفير المناخ المناسب لتنمية شعورنا القومي ومقاومة كل من يمس هذا الشعور وبكافة الطرق والوسائل .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.