تطابق الموقفين الأمريكي والإسرائيلي من التسوية / د. فايز رشيد

د. فايز رشيد ( الخميس ) 14/9/2017 م …




راهن كثير من السياسيين العرب، وبضمنهم فلسطينيون على الموقف الأمريكي بشكل عام، باعتباره أساس الحل! وعلى الرئيس ترامب بشكل خاص، باعتباره الذي سيأتي بحل الدولتين.

أحبار كثيرة أريقت في تحليل إصرار ترامب على الحل، وصاحبت جولات المندوبين الأمريكيين غرينبلات وكوشنر إلى المنطقة، واجتماعهما بالطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. قلناها منذ البداية، وقالها غيرنا كثيرون، بأن الموقف الأمريكي لن يخالف مواقف الكيان الصهيوني ولن يتجاوزه على الإطلاق لاعتبارات كثيرة، ليس أقلها أن معظم أعضاء إدارة الرئيس ترامب هم من الصهاينة، كذلك المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيك هالي، الصهيونية أكثر من هرتزل ذاته، وكذلك سفير الولايات المتحدة في تل أبيب فريدمان، الذي نالت ابنته منذ شهر الجنسية الإسرائيلية بعد هجرتها إلى دولة الكيان.

من الأسباب أيضا، الضغط الذي يمارسه اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، ثم التيار الصهيو– مسيحي المعتنق للصهيونية لأسباب دينية. كل هذه العوامل الثلاثة لن تخرج بالموقف الأمريكي من محيط الدائرة الإسرائيلية. كثير من المحللين السياسيين الإسرائيليين خشوْا مرحلة ترامب، وصوروا تناقضات غير موجودة بين نتنياهو وترامب. في النهاية، تمخّض الفيل الأمريكي، فولد التالي:

ـ خريطة طريق أمريكية سيتم تقديمها للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، قريبا، تدعو إلى إقامة حكم ذاتي محدود للفلسطينيين، مقابل نسف «حل الدولتين». الخطة تتضمن أيضا، تقديم «التسهيلات الاقتصادية» للفلسطينيين، في إطار الحل الإقليمي. كما أن الإدارة الذاتية «ستقام ضمن المناطق «A» وبعض مناطق «B» وC» الواقعة جميعها في أراضي الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القرى والبلدات المحيطة، مثل أبوديس، من دون الاقتراب من ذكر القدس المحتلة.

الخطة بالطبع تتبنى الحل الإسرائيلي، ولا تستند إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق حدود عام 1967، بقدر إعطاء حكم ذاتي للفلسطينيين خارج المطالب بالقدس المحتلة، وحق العودة للاجئين وفق القرار الدولي 194، كما كل حقوق الشعب الفلسطيني الواردة في قرارات الشرعية الدولية.

بالطبع الأفكار الأمريكية تنسف إمكانية الحديث عن «حل الدولتين»، بما يشكل تراجعا في موقف الولايات المتحدة، التي طالما حرصت، لفظيا على الأقل، على تأكيد عدم شرعية الاستيطان، والمطالبة بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، القابلة للحياة وفقا للرؤساء كلينتون، جورج بوش الابن وباراك أوباما، بينما باتت، اليوم، تتنكر لكل ما تبنته سابقا.

لو قارنا بين خطة الطريق الأمريكية، التي كُشف عنها، والمقترحات الفعلية الإسرائيلية، لوجدنا تقاطعا بل تطابقا منقطع النظير عنوانه، لا للحقوق الفلسطينية في إقامة الدولة المستقلة، لا للانسحاب من القدس، التي ستكون «عاصمة إسرائيل الموحدة والأبدية»، لا للانسحاب من كافة حدود عام 1967، لا لسحب التجمعات الاستيطانية من الضفة الغربية. لا لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194، حق الفلسطينيين فقط يتمثل في حكم ذاتي على المناطق الفلسطينية المتبقية من الاستيطان، والجدار العازل والطرق الالتفافية، والأراضي الفلسطينية المصادرة لأسباب أمنية! حكم ذاتي منزوع السيادة والصلاحيات باستثناء الإدارية منها، مع إشراف إسرائيلي على المعابر الحدودية، وعلى الأجواء، وما تحت الأرض كما المياه الإقليمية! هذا في ظل استمرار الاستيطان حتى هذه اللحظة ومستقبلا، وحق قوات الاحتلال في التواجد داخل مناطق محددة على الأراضي الفلسطينية، ودخولها كافة المناطق الأخرى حينما يجري تهديد للأمن الإسرائيلي، واعتقال من تريده من الفلسطينيين. عمليا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد كل هذه النقاط، ذلك استنتاجا مما طرحته في خريطة طريقها الجديدة.

إسرائيل تعتقد أنها في وضع مريح خلال هذه المرحلة، هذا ما أثبتته كل مؤتمرات الأمن القومي الإسرائيلي التي انعقدت فيها خلال الست سنوات الأخيرة، وقد تمحورت جميعها في الخطوط التالية: انتفاء الخطرعن إسرائيل من الجيوش الرسمية العربية، فلا حالة حرب مع أية دولة عربية. الخطر الاستراتيجي يتمثل في إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية في غزة، ومن أجل درء هذه الأخطار، يجري التركيز أمريكيا وصهيونيا على الخطر الذي تمثله إيران، وتواجدها في الجنوب السوري، لذلك تمت إعادة فتح ملف الاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته إدارة أوباما مع إيران، والاحتمال كبير بإلغائه من قبل إدارة ترامب. تمت العودة إلى موضوع الأسلحة الكيماوية السورية. وفقا لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي فإن طائراته قامت بمئة غارة على أهداف سورية (على ما تدعيه إسرائيل بأنها قوافل أسلحة في طريقها إلى حزب الله)، أما الهدف الذي جرى ضربه في مصياف منذ أسبوع، فقد ادّعى الكيان بأنه موقع لإنتاج صواريخ سترسل إلى حزب الله. كذلك، في الأسبوع الماضي قامت إسرائيل بأضخم مناوراتها العسكرية للتدريب على قصف أهداف تحاكي الأهداف اللبنانية، وسط تصريحات للقادة العسكريين الإسرائيليين، بأنه إذا ما قامت حرب هذه المرة مع لبنان، فلن تكون على شاكلة ما حدث في عام 2006، بل ستجري إعادة لبنان هذه المرة إلى العصر الحجري. المقصود القول إن إسرائيل ما تزال تنادي بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران وضربه عسكريا. الإدارة الأمريكية الحالية تتناغم مع هذا الطرح، ذلك بهدف شن حرب إقليمية في المنطقة تُخلط الأوراق فيها من جديد، بحيث يجري التخلص استراتيجيا من كل الأهداف التي تشكل، أو ستشكل خطرا وجوديا على إسرائيل. في السياق تأتي الحرب على غزة. كل ذلك في حالة توتير الأجواء بين واشنطن وبيونغ يانغ.

على صعيد الوضعين الفلسطيني والعربي، فإسرائيل أيضا مرتاحة لهما. فلسطينيا، رغم نعي قادة السلطة الفلسطينية لحل الدولتين، إلا أن استراتيجيتها لم تغادر دائرة التفاوض كنهج استراتيجي للمطالبة بالحقوق الفلسطينية، ثم إن حركة حماس التي تسيطر على الأوضاع في قطاع غزة، تدخل في هدنة طويلة مع العدو الصهيوني، ووفقا لأحمد يوسف (أحد قادتها): لديها استعداد لمد الهدنة إلى عشرين عاما، مقابل فك الحصار عن غزة والموافقة على إنشاء ميناء لها. إسرائيل تعتقد أنها قادرة على التعامل مع العمليات الفدائية، التي يمارسها أبناء وبنات شعبنا بين الفينة والأخرى، وفي هذا المجال تستفيد من شروط اتفاقيات أوسلو التي طالبت وتطالب بالتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. عربيا، فحتى مبادرة «السلام العربية» التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، ورفضها شارون حينها وقام بإعادة احتلال الضفة الغربية، تخلت عنها الدول العربية، فلم تعد إقامة الدولة الفلسطينية والقضايا الأخرى، شروطا وثمنا للتطبيع الرسمي العربي مع إسرائيل. فالتطبيع يجري حاليا وبتفاخر كبير، وانتقال من وضع «تحت الطاولة» إلى الحالة العلنية التامة. المقصود القول، إن إسرائيل لا تشعر بظروف ضاغطة عليها فلسطينية أو عربية أو دولية، تجبرها على الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، ولسان حالها يقول: بالتالي، لماذا أعترف؟

منذ أشهر، تحدثت الأنباء عن إمكانية إنشاء كونفيدرالية فلسطينية أردنية، وإنشاء دويلة فلسطينية في أراضي من صحراء سيناء، يلحق بها قطاع غزة. ربما تكون خريطة الطريق الأمريكية الجديدة، خطوة أولى نحو هذا الحل. مشكلة إسرائيل هي الديموغرافيا الفلسطينية، لذلك تريد التخلص من الكثافة السكانية العربية في منطقة 48، وفي الضفة الغربية، وفي سيناء متسع لمئات الآلاف من الفلسطينيين. المشكلة الرئيسية للقوى الصهيونية والاستعمارية الأمريكية، كما كل مستعمر، إنهم يعتقدون بأن ما يخططونه سيكون قَدَرأً مفروضا على الشعوب الأخرى! لو كانت هذه القاعدة صحيحة، لما خرج مستعمر من أرض يحتلها. حتمية التاريخ أن المستعمرين الصهاينة سيحملون عصيّهم على كواهلهم وسيرحلون، رضاً أو غِلابا، تماما كما مضى مستعمرون كثر عن فلسطين الفلسطينية العربية الكنعانية اليبوسية الخالدة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.