الاستخبارات الروسية ترفع السريّة عن أنشطة أخطر جاسوس عرفته البشرية

الأحد 18/9/2017 م …




الأردن العربي –

في معرض أقامته في موسكو اليوم الجمعة.. احتفت الاستخبارات الروسية، بأخطر جاسوس سابق لديها، برفع السرية عن وثائق خطيرة حول نشاطه المخابراتي الإبداعي واختراق صفوف الخصوم العقائديين.

وعرضت الاستخبارات الروسية وثائق سريّة خطيرة عن حياة العميل فيلبي لأول مرة في معرض “كيم فيلبي في الاستخبارات والحياة”، الذي افتتح في بيت الجمعية التاريخية الروسية في موسكو.

وأعلن سيرغي ناريشكين، مدير الاستخبارات الخارجية الروسية، في حفل افتتاح المعرض، أن عميل الاستخبارات السوفيتية فيلبي كان “رجلا ذات مصير مدهش وتمتع بمهنية احترافية رهيبة وفائقة ومن أعلى الدرجات في العالم”.

وقال ناريشكين إن فيلبي اختار طوعا التعاون مع المخابرات السوفيتية، استنادا إلى معتقدات يسارية مناهضة للفاشية، ولم يشعر بالأسف على ذلك أبدا، ولا حتى مرة واحدة.

وتكشف الوثائق أن العميل الشهير كيم فيلبي الذي يعتبر عن حق أخطر رجل استخبارات عرفته البشرية في القرن العشرين، كانت حياته سرية تماما، ولكنه خلف أثرا ساطعا في تاريخ قرن بكامله، فهو تلقى جوائز من الدكتاتور الإسباني فرانسيسكو فرانكو، والملكة البريطانية إليزابيث الثانية، وصافح مستشاري أدولف هتلر وترقى في سلم العمل في المخابرات البريطانية، وكان مع كل هذا عميلا سوفيتيا بدوافع عقائدية وأفكار راسخة في قلبه وعقله وضميره.

بين العام 1940، تاريخ انخراطه في “م.آي 6” أي جهاز الاستخبارات البريطاني، وأواسط الخمسينات، كان فيلبي يشغل مكتبا بمبنى “م.آي 6″، ويُطلِع بصفة منتظمة الاتحاد السوفييتي على تصرفات واستراتيجية الأمريكيين والبريطانيين. لكن ابتداء من عام 1951، بدأت الشكوك تحوم بشأن تجسس مضاد يقوم به دونالد ماكلين وغاي بورجيس، صديقيْ فيلبي اللذين سيُعْلِمهما هو نفسه بصفته زعيم خلية التجسس السوفيتية، الذي أطلق عليها الـ “كا جي بي” (الهارفرديون الخمسة) نسبة لتخرجهم جميعا من جامعة هارفارد العريقة، في الوقت المناسب بمراقبتهما. فيلوذان بالفرار إلى موسكو، لكنهما ومن هناك سيدحضان بالمرة كل الشكوك حول فيلبي.

رغم كل شيء، وطوال 12 سنة، عمل موظفو “م.آي 6” على حماية فيلبي والدفاع عنه في مواجهة التحقيقات الملحة لـ “م.آي 5” أي جهاز مكافحة التجسس، واثقين من نزاهته ومقتنعين باستقامته. يفسر تيم ميلن ذلك قائلا: “قليل من الأشخاص داخل وكالة الاستخبارات البريطانية كانوا يحظون بمثل ذلك التعاطف والاحترام الذي ناله كيم، وبمثل تلك المحبة من طرف كل الذين اشتغلوا معه”.

جاسوس منقطع النظير، إذن، كان ذاك الذي عرف كيف يخدع عالمه: عندما قدّم استقالته سنة 1951، كان العديد ممن حوله مقتنعين أن السبب وراء اختياره ذاك كان دبلوماسيا، وأنه عمد إلى إقالة نفسه ليهدئ من روع الأمريكيين، المستائين من تجاوزهم من طرف السوفيات، ببرلين أو بكوريا.

السيد ستيوار مينزيس الذي كان على رأس “م.آي 6″، خانته فراسته واستسلم للغشاوة، فكان يزمجر في وجه نظيره بـ “م.آي 5” وهو يحثه أن يكف عن توجساته ويعدل عن تحقيقاته التي قد تغدو مجرد “مطاردة للساحرات”.

وكان مسؤول استخباراتي أمريكي قد ” فجّر قنبلة معلوماتية” هائلة على مسامع صحافي متحمس في “الصنداي تايمز” حين أبلغه أن فيلبي كان يعمل كضابط اتصال بريطاني مع كل من وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي. وهذا السر كان مثيراً للغاية بحيث أضفى بعداً درامياً كبيراً على هروب فيلبي. فقد كان معناه أنه خلال ثلاثة أعوام من فترة الحرب الباردة فإن فيلبي كان في بؤرة عمليات الاستخبارات الغربية ضد السوفيات. وكانت الخطورة تتمثل أيضاً في أن فيلبي كان قد تمكن من اختراق جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية وبعدها نجح أيضاً في اختراق وكالة الاستخبارات المركزية في أمريكا! وتبين أيضاً أن مدير الوكالة بيل ولتربيديل قد أعطى فيلبي الضوء الأخضر لمعرفة تفاصيل ما يدور في الوكالة على كل المستويات.

هذا كان معناه أيضاً أن فيلبي كان بوسعه أن يلم بكافة العمليات السرية للاستخبارات الأمريكية، باستثناء ما يعرفه المدير العام لهذه الوكالة شخصياً. وكانت الخطورة أن فيلبي ومن قبله بقية هذه الشبكة من العملاء المزدوجين قد تمكنوا من كشف وثائق وأسرار عسكرية وسياسية حساسة للروس وجهاز “الكي.جي.بي”.

واتضح أيضاً أن ماكلين رفيق فيلبي كان عضواً في لجنة سياسية مشتركة أمريكية بريطانية تتولى مسؤوليات خاصة بالشؤون المتعلقة بالسلاح النووي الغربي، ولهذا فإن خبراء الاستخبارات يجمعون على الاعتقاد أن فيلبي وزميليه السابقين كانوا يمثلون أكبر شبكات التجسس نجاحاً في التاريخ.

وكان أخطر ما قام به فيلبي بالذات، محاولته تقويض الأمن الغربي على نحو مستمر وبلا هوادة، وبالتالي فقد علم الرأي العام على نحو مثير للصدمة أن كل عمليات التجسس البريطانية ضد السوفيات كان محكوماً عليها بالفشل التام بسبب اطلاع فيلبي للسوفيات على كل تفاصيلها مسبقاً.

وعلاوة على ذلك فإن تعيين فيلبي في عام 1949 كضابط اتصال بين الاستخبارات البريطانية ووكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي كان قد جعله يقف على كل الخطط التي تدبرها الوكالة ضد موسكو وكذلك إبلاغه للسوفيات بأسماء الجواسيس الأمريكيين والبريطانيين.

ومن بين المفارقات الأخرى المثيرة في هذه الأزمة، أن خبراء شؤون الاستخبارات الغربيين كانوا يعتقدون انه لو لم الكشف عن اختراقات فيلبي التي اضطرته للهرب إلى موسكو، فإنه كان سيتولى منصب مدير جهاز الاستخبارات البريطانية في الخارج في الوقت المناسب، وهذا لو حدث كان سيلحق ضربة قاصمة بالعمليات الاستخباراتية البريطانية والغربية في دول المعسكر الشيوعي.

ويطلع زوار المعرض المخصص لنشاطات الاستخبارات الخارجية السوفيتية المستمر في موسكو، حتى 5 أكتوبر/ تشرين أول المقبل، على الخطة الرهيبة التي رتبتها الاستخبارات السوفيتية لهروب فيلبي من بيروت في يناير/ كانون ثاني من عام 1963.

المصدر: نوفوستي وRT

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.