كردستان ومغامرة البرازاني / ابراهيم ابو عتيلة





ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الثلاثاء 19/9/2017 م …

” ماذا بعد داعش ؟ ” سؤال طرحه الكثيرون في هذا العالم خاصة من الغيورين والحريصين على شعبنا العربي ومستقبله ، ” ماذا بعد داعش ” ، سؤال كان في كثير من الأحوال كافياً لايقاف البسمة والفرحة بالإنتصارات التي حققها الجيشان العراقي والسوري على ذلك التنظيم الأكثر إرهابية عبر تاريخنا المعاصر، فمنطقتنا لم تعرف الاستقرار والأمن منذ وقت طويل ، كانت وستبقى هدفاً لمؤامرات قوى الاستعمار والظلام والرجعية ، فبعد أن وظفت قوى الاستعمار الغربي والصهيوأمريكي كل إمكانياتها لتنظيم داعش الإرهابي بهدف تخريب سمعة الإسلام وتدمير مكامن القوة في العراق وسوريا على وجه الخصوص والمنطقة العربية بشكل عام ، بعد قيام تلك القوى بتنفيذ سلسلة طويلة من المؤامرات التي استهدفت المنطقة العربية منذ زوال الحكم العثماني حتى الآن ، مسلسل بدأ تنفيذه بتطبيق مؤامرة سايكس بيكو تلك المؤامرة التي قطعت أواصر الشعب العربي في منطقة الهلال الخصيب إلى أن تم زراعة السرطان الصهيوني على أرض فلسطين والذي ما أن تمت زراعته حتى اشتدت المؤامرات على منطقتنا وأدت بالقطع  إلى فرقتنا وهدر مقدراتنا وتدمير دولنا وأدت إلى تراجع قضية العرب المركزية إلى مرتبة خلفية لا يكاد يتذكرها الكثيرون منذ كامب ديفيد إلى أوسلو وما ارتبط بها من التنسيق الأمني وصفقات حماية أمن كيان العدو .

وبعد أن أثخنت تلك المؤامرات جسدالعراق وسوريا بالجراح العميقة ، وفي الوقت التي ما كادت تظهر بشائر النصر على عدو الإنسانية صنيعة الصهيوأمريكي ” تنظيم داعش ” ، حتى خرج علينا حليف الصهيونية في شمال العراق بدعوته المشبوهة لإجراء إستفتاء في إقليم كردستان العراقي كخطوة لسلخه عن الجسم العراقي .

بدأ الأكراد في التفكير بإنشاء دولة مستقلة في مطلع القرن الـ 20 بالتزامن مع طلب المنظمة الصهيونية بإنشاء وطن لليهود في فلسطين وظهور ما يسمى بالقومية الكردية ، حين طالب الاكراد بكيان بعد بعد الحرب الكونية الاولى و لقد كان جواب سايكس وبيكو: ” الاكراد ليسوا شعباً بل هم مجموعة عرقيات تختلف عن بعضها تجمعها لهجات مختلفة ويعيشون في مناطق متباعدةعن بعضها لا يربطها رابط فكيف يمكن جمعهم في حكم ذاتي” ، وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى حاول الحلفاء الغربيين وضع التخطيط لإنشاء دولة كردية في معاهدة “سيفر” في العام 1920 ، إلا أن هذه الخطة تبخرت تماماً بعد ثلاث سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية ، وانتهىت الحالة بالأكراد كأقليات في دول تركيا والعراق وإيران وأرمينيا ومن بعد ذلك سوريا ،

وبعد إعلان مصطفى كمال أتاتورك ولادة الجمهوريّة التركيّة في أكتوبر/تشرين الأول 1923 وتصالحه مع الغرب والقوى العظمى، تم منع تدريس اللغة الكردية في المدارس والمعاهد كما تم منع الأكراد من التحدث بها وتحريمها في المصالح الحكومية والمحاكم، وعلى ذلك اندلعت احتجاجات الشيخ سعيد بيران في العام 1925  في مناطق جنوب شرقي تركيا التي انتهت باعتقال الشيخ سعيد وإعدامه مع رفاقه في مايو/أيار  1925 والتي كان من نتيجتها  لجوء الكثير من الأكراد إلى سوريا، وقد تم بعد ذلك إحباط كل محاولات الأكراد تأسيس دولة مستقلة ، إلا أن هذه المحاولات ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا ، ولعله من المفيد أن نستذكر أهم محاولات الكرد لتأسيس دولتهم خلال العصر الحديث .

  1. مملكة كوردستان 1922 – 1924 وهي مملكة كردية أسسها شيخ محمود الحفيد زادة البرزنجي في شمال العراق ما بين أكتوبر/تشرين الأول 1922 ويونيو/حزيران 1924 ، لم تنل المملكة الاعتراف الدولي، فبعد إعلانها أرسلت بريطانيا حملة عسكرية لنزع سلطات مؤسسها كما أرسلت الحكومة العراقية حشداً عسكرياً للقضاء على حكم البرزنجي، وتمكن الجيش العراقي بالفعل من السيطرة على السليمانية مركز نفوذ برزنجي في 19 يوليو/تموز الذي لجأ إلى الجبال ليقوم بشن حرب عصابات منها حتى أكتوبر/ تشرين الأول 1926 عندما عقد اتفاقاً مع الحكومة العراقية يقضي بأن يغادر هو وأسرته العراق إلى إيران.
  2. جمهورية كردستان الحمراء 1922 – 1929 كانت جمهورية ذاتية الحكم تابعة لحكومة أذربيجان تأسست في بداية عهد لينين في 7 تموز/يوليو من عام 1923 وانتهت بشكل تراجيدي في الثامن من نيسان/أبريل عام 1929  كانت عاصمتها لاجين التي تقع اليوم في منطقة ناكورنو قراباخ التي يسيطر عليها الارمن منذ 1992 .
  3. جمهورية لاجين بعد سيطرة ارمينيا على إقليم ناكورنو قرباخ حاول الارمن استمالة الكرد وتم تأسيس جمهورية لاجين الكردية عام 1992 برئاسة وكيل مصطفاييف ولكنها لم تدم طويلا نظرا لعدم وجود الدعم الجماهيري الكردي حيث كانت وليدة سياسة ارمنية معادية لاذربيجان مما كان سبباً لرفضها من الكرد الذين يشتركون مع الآذريين في الدين والثقافة والأرض ولجأ رئيسها (مصطفاييف) إلى إيطاليا كلاجئ سياسي من نفس العام .
  4. جمهورية آرارات الكردية 1927 ومع محاولات أكراد تركيا إنشاء دولتهم، أُعلنت جمهورية آرارات الكردية المستقلة في العام 1927 حول قرية آرارات العاصمة المؤقتة وقد تم القضاء على تلك الجمهورية في العام 1930 على يد الجيش التركي .
  5. جمهورية مهاباد 1946 تأسست في أقصى شمال غرب ايران حول مدينة مهاباد التي كانت عاصمتها، وكانت مدعومة سوفييتياً كجمهورية كردي ة، أُنشأت سنة 1946 ولم تدم أكثر من 11 شهراً، وقد ظهر هذا الكيان كنتيجة للأزمة الإيرانية الناشئة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، فبالرغم من أن إيران أعلنت الحياد أثناء الحرب العالمية الثانية إلاّ أن قوات الاتحاد السوفيتي توغلت في جزء من الأراضي الإيرانية وكان مبرر ستالين لهذا التوغل هو أن شاه إيران رضا بهلوي كان متعاطفاً مع أدولف هتلر، ونتيجة لهذا التوغل، هرب رضا بهلوي إلى المنفى وتم تنصيب إبنه محمد رضا بهلوي في مكانه، ولكن الجيش السوفييتي استمر بالتوغل بعد أن كان يسيطر على بعض المناطق شمال إيران، وكان ستالين يطمح إلى توسيع نفوذ الاتحاد السوفيتي بصورة غير مباشرة عن طريق إقامة كيانات موالية له، ولقد استغل الأكراد في إيران هذه الفرصة وقام قاضي محمد مع مصطفى البارزاني بإعلان جمهورية مهاباد في 22 يناير 1946 ولكن الضغط الذي مارسه الشاه على الولايات المتحدة التي ضغطت بدورها على الاتحاد السوفيتي كان كفيلاً بانسحاب القوات السوفيتية من الأراضي الأيرانية وقامت الحكومة الإيرانية بإسقاط جمهورية مهاباد بعد 11 شهرا من إعلانها وتم إعدام قاضي محمد في 31 مارس 1947 في ساحة عامة في مدينة مهاباد وانسحب مصطفى البارزاني مع مجموعة من مقاتليه من المنطقة إلى شمال العراق.

ولقد تجددت محاولات الأكراد عام 1979 بعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في ذات العام، حيث سادت أجواء الغضب المناطق الكردية بسبب عدم إتاحة الفرصة لممثلين عن الأكراد للمشاركة في كتابة الدستور الإيراني الجديد، مما أشعل صراعاً مسلحاً بين الحكومة الإيرانية والأكراد وقد تمت السيطرة عليه .

  1. إقليم كوردستان العراق بعد لجوء مصطفى البارزاني من ايران إلى شمال العراق وتجذره في المنطقة قام بتزعم نشاط الأكراد لمحاربة الدولة العراقية عام 1961 بدعم واضح من شاه ايران والكيان الصهيوني بهدف إضعاف العراق عن طريق خلق دولة للكرد في المنطقة ، حيث استمر الصراع حتى سنة 1970 عندما قامت الحكومة العراقية والأحزاب الكردية بالتوافق على اتفاق السلام الذي تم منح الأكراد بموجبه الحكم الذاتي ، كما تم الإعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية بالإضافة إلى اللغة العربية ، ولقد تم تسمية كردستان العراق باسم منطقة الحكم الذاتي الكردية منذ العام 1979 ، وبعد احتلال العراق ونتيجة للدستور العراقي الجديد ومع الدعم الأمريكي تطور اسم الإقليم ليصبح إقليم كردستان العراق عام 2005، والذي أصبح له علم ودستور ونشيد قومي وحكومة وبرلمان خاص به ، كما توجهت استثمارات ضخمة لهذا الإقليم ولجأ الكثير من أغتياء العراق إليه بحثاً عن الأمان وأصبحت اربيل مدينة يحج إليها الكثيرين من أجل العمل والسياحة ، ولقد استغل الإقليم ظروف العراق منذ عام 1991 والحروب والإضطرابات ليطور بنيته وثروته كما قامت سلطات الإقليم بعقد الاتفاقيات التجارية مع الدول المجاورة بما فيها بيع النفط العراقي المستخرج من المنطقة دون الرجوع للحكومة المركزية بذلك .
  2. إقليم روج آفا سوريا 2012 في خضم الأزمة السورية تصاعد نفوذ الأكراد مقابل تقلص سلطة النظام في المناطق ذات الغالبية الكردية، وعلى إثر ذلك، أعلن الأكراد إقامة إدارة ذاتية مؤقتة في شمال سوريا ( الجزيرة وعين العرب وعفرين ) أطلق عليها “روج آفا” أي غرب كردستان ، علماً أن وجود الأكراد في هذه المنطقة حديث نسبياً ويعود إلى أواخر عهد الإمبراطورية العثمانية وبداية عهد الانتداب الفرنسي على سوريا، كما لم تصل الحدود المقترحة لدولة كردستان في معاهدة سيفر إلى الأراضي السورية أبداً ، حيث هاجر قسم كبير من الأكراد إلى سوريا من تركيا في 1925 وفي السنوات عقب ثورة الشيخ سعيد بيران التي قمعتها حكومة أتاتورك بقسوة ، إذا علمنا أن المجتمع الكردي في سورية صغير جدا بالمقارنة مع نسبة الأكراد في إيران والعراق وتركيا، إلا أن الأكراد في سوريا قاموا بإنشاء أول حزب لهم عام 1958 وبدأوا يطالبون بالجنسية السورية والمواطنة وحقوقهم حيث منحتهم الحكومة السورية حق المواطنة والجنسية رغم معرفتها بأن أصولهم من تركيا .

مما تقدم يتضح بشكل جلي بأنه لم يسبق أن قامت دولة للأكراد في المنطقة ، ولعل العراق هو الدولة الوحيدة التي منحت الأكراد الشخصية الاعتبارية واعترفت بقوميتهم ! ومنحتهم الحكم الذاتي واعتبار منطقتهم إقليماً رئيسياً في العراق له رئيسه وبرلمانه وعلمه الوطني ، والمتابع للأحداث ومن يزور شمال العراق يلاحظ بأنه في دولة قائمة بذاتها ، إلا أن ما تعرض له العراق منذ سنة 1991 حتى الآن عزز الشوفينية الكردية بما حصل عليه الأكراد من دعم صهيوأمريكي كبير وما استغلوه من ثروات العراق فعلاوة على قيامهم ببيع النفط العراقي المستخرج من منطقتهم دون الرجوع للحكومة المركزية كانوا يحصلون على ما نسبته 17 % من ميزانية الدولة العراقية ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد حصلوا على مواقع سيادية في الدولة العراقية فرئيس العراق ” كردي ” ووزراء كثيرين في الحكومة من الكرد …

 

أما بشأن الاستفتاء المنتظر !! والملاحظات حوله فكما يلي :

  1. على الرغم من أن مسعود البرازاني ايراني الأصل كما ورد إلا أنه يصر على الاستفتاء بالرغم من فقدانه للشرعية كرئيس للإقليم منذ ما يقارب السنتين .
  2. لم يحصل البارازاني على موافقة مجلس نواب الإقليم عندما قرر إجراء الاستفتاء وحدد موعده ، إذ يسعى من خلال ذلك إلى تعزيز وزيادة شعبيته بالعزف على اللحن القومي مغطياً بذلك على كل مظاهر الفساد في الإقليم .
  3. لم يحظ الاستفتاء بموافقة الحكومة المركزية طبقاً للدستور العراقي الأمر الذي يعتبر هذا الاستفتاء فاقداً للشرعية الدستورية .
  4. محاولة البرازاني شمول مناطق ليست كردية ومناطق متنازع عليها بعملية الاستفتاء وسعيه وتصميمه على شمول مركز التوافق والصراع القومي في العراق ( كركوك ) الغنية بالنفط والتي يقطنها التركمان والاشوريين والعرب قبل الأكراد يؤدي إلى خلق مشاكل كبيرة في المستقبل .
  5. يراهن البرازاني كما هي عادة مدعي زعامة الكرد رهاناً خاسراً عندما يراهن على الدعم الأمريكي الصهيوني وعلى السكوت التركي الذي يرتبط معهم بصفقات تجارية كبيرة ولعل خسارته للرهان تتين من خلال موقف أمريكا الرافض للاستفتاء وموقف تركيا المتشدد برفض الاستفتاء وتهديدها بالتدخل العسكري لما سيعكسه الاستفتاء من نتائج سلبية على تركيا ولم يؤيد مغامرة البرازاني علناً حتى الآن وى كيان العدو الصهيوني.
  6. إن الدعم الصهيوني مهما بلغ لن يكون كافياً لإنشاء دولة على جزيرة محاصرة بدول تعاديهم حيث ستصبح تلك الدولة لو قامت كدولة كيان العدو الصهيوني مصدراً للإضطرابات والحروب.
  7. لو تم الاستفتاء ونجح البرازاني في مسعاه لإقامة الدولة الكردية … ستنفجر المنطقة .. وستشمل الإضطرابات والحروب كل من تركيا وايران وسوريا ما بعد داعش التي يراهن أكرادها على أن يحذو حذو البرازاني في خلق اقليمهم ودولتهم مستقبلاً .
  8. على البرازاني ان يعرف بأن استقلال كردستان لن يخلق سوى المصاعب والمشاكل على صعيد العراق والمنطقة وعلى الكرد أنفسهم .

فهل يتعظ البرازني ويوقف تلك المغامرة … الأيام القليلة القادمة بانتظار الجواب

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.