أخطر مقال للكاتب والإعلامي الفرنسي تيري ميسان عن الدور التآمري للأكراد في سورية

  ألوية الناتو الفوضوية / تيري ميسان* …




الأربعاء 20/9/2017 م …

الأردن العربي – يتم تقديمها في الغرب على أنها التحقيق لطوباويةٍ لطيفةٍ، أما في الواقع فإن “روجافا” الجديدة هي دولة كولونيالية، أرادتها واشنطن ونظمتها بالدم. يتعلق الأمر هذه المرة بطرد سكان شمال سوريا واستبدالهم بأناس ليسوا من مواليد تلك المنطقة. ومن أجل تنفيذ هذا التطهير العرقي، قام البنتاغون والمخابرات المركزية الأميركية بالدفع بمقاتلين ينتمون إلى دوائر اليسار المتطرف الأوروبية. يكشف تييري ميسان النقاب عن هذا المشروع الجنوني الجاري منذ عام ونصف.

خلال سنوات 1980 و 1990، كان المجتمع الكردي إقطاعياً أبوياً إلى أقصى الحدود. بقي متخلفاً بشكل كبير، مما دفع الكرد للانتفاض ضد الدكتاتوريات العسكرية التي تعاقبت على أنقرة.

كان حزب العمال الكردستاني منظمة ماركسية- لينينية تحظى بدعم الاتحاد السوفييتي وتناضل ضد دكتاتورية الجنرالات الكماليين، الأعضاء في حلف الناتو. حرر الحزب النساء وانضم إلى نضال القوى التقدمية. بمساعدة حافظ الأسد، أقام معسكراً للتدريب العسكري في سهل البقاع اللبناني، بحماية قوات الردع السورية، بجوار معسكر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

خلال تلك الفترة، كانت أدبيات الحزب تستخدم كلمات قاسية بشكل كاف ضد “الإمبريالية الأميركية”.

في مرحلة تفكك الاتحاد السوفييتي، كان لدى حزب العمال أكثر من 10 آلاف مجند متفرغ وأكثر من 75 ألف جندي احتياطي. أدت حرب التحرير تلك إلى تدمير أكثر من 3000 قرية وإلى نزوح أكثر من مليوني شخص. لكنها فشلت، رغم كل تلك التضحيات.

بعد اعتقاله في كينيا سنة 1999، في عملية مشتركة للمخابرات التركية والأميركية و”الإسرائيلية”، تم سجن قائد الثورة، عبد الله أوجلان في جزيرة إيمرالي، في بحر مرمرة. انهار حزب العمال، وانقسم بين زعيمه السجين، المؤيد لمفاوضات السلام، ونوابه الذين أصبحت الحرب بالنسبة لهم نمطاً للحياة. حصلت بعض التفجيرات دون معرفة من يقف وراءها، هل هم المقاتلون الذين يرفضون إلقاء السلاح أم جزء من قوات الجندرمة، التي ترفض هي الأخرى وقف إطلاق النار.

في بداية الربيع العربي، أعاد عبد الله أوجلان بناء حزب العمال على ايديولوجيا جديدة. وفي أعقاب مباحثات سرية مع حلف الناتو في سجن ايمرالي، تخلى عن الماركسية- اللينينية وتبنى “البلدية التحررية”. وبعد أن كان المقاتل دوماً ضد تركيا من أجل بناء دولته الخاصة، كردستان، أصبح يعتبر الدولة أداة للقمع بحد ذاتها.

وجد مقاتلو الحزب الذين أجبروا على الفرار من تركيا في شمال سوريا ملاذاً لهم. وتعهد أوجلان، بشكل مكتوب، باسم الأكراد أن لا يطالب بأرض سورية. سنة 2011، في بداية الحرب الغربية ضد سوريا، شكل الكرد ميليشيات من أجل الدفاع عن البلد الذي استقبلهم وأعطاهم الجنسية.

ولكن، بتاريخ 31 تشرين الأول 2014، شارك نائب رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، في اجتماع سري في قصر الإليزيه مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والتركي رجب طيب إردوغان. حيث تم تقديم الوعود له بأنه سيصبح رئيس دولة، إن قبل ان يتعهد بإعادة تأسيس كردستان… في سوريا.

على الفور قام التحالف الدولي، الذي كانت الولايات المتحدة قد أنشأته للتو بزعم محاربة داعش، بتقديم الدعم لوحدات الحماية الكردية، وتقديم الأموال والتدريب والسلاح لها. تم نسيان اللعنات التي كانت تنصبّ على واشنطن، التي تحولت إلى حليف. بدأت المنظمة الكردية بطرد السكان من المناطق التي وضعت يدها عليها.

بما أنه حتى ذلك الوقت لم تخض الوحدات الكردية أية معركة ضد داعش، قامت الولايات المتحدة بإخراج مسرحية المواجهة الرهيبة في عين العرب، التي تمت إعادة تسميتها بكوباني. وتمت دعوة الصحافة العالمية من أجل تغطية الحدث دون التعرض لأي خطر. تقع هذه المدينة على الحدود التركية- السورية وقد تمكن الصحفيون من متابعة المعارك من تركيا بواسطة المناظير. لم يعلم أحد ما الذي جرى في عين العرب لأنه لم يكن مسموحاً للصحافة أن تدخل إليها. مع ذلك توجد صور تم تصويرها عن بعد الهدف منها تأكيد البيانات التي تتحدث عن وحشية المعارك. مهما يكن الأمر، خلص الغرب إلى استنتاج أن الكرد هم الحلفاء الذين يحتاجهم ضد داعش وضد سوريا.

أكدت الصحافة الغربية أن نصف الجنود الكرد هم من النساء. ولكن على الأرض، كان تواجدهن نادراً. وأكد الصحفيون أيضاً أنهن يسببن الرعب للجهاديين، الذين يعتبرون أن الموت بيد امرأة لعنة تحرمهم من الوصول إلى الجنة. بشكل يثير الاستغراب تجاهلت نفس الصحافة الغربية أن الجيش العربي السوري يضم أيضاً في صفوفه كتائب نسائية كان الجهاديون يهاجمونها بنفس الشراسة التي يهاحمون بها الكتائب الذكورية.

بالرغم من المظاهر، فإن وحدات حماية الشعب الكردية ليست كبيرة العدد كما تزعم. يعتبر الكثير من  الكرد السوريين الولايات المتحدة قوة عدوة وأن سوريا هي وطنهم الجديد. وهم يرفضون السير وراء تخيلات صالح مسلم. كما قام البنتاغون أيضاً بضم بعض المرتزقة العرب والآشوريين، بل وكذلك بعض ناشطي اليسار المتطرف الأوروبي.

وسارت المخابرات الأميركي على نفس المنوال حيث شكلت ألوية مكونة من عشرات الألوف من المسلمين الشبان الغربيين وحولتهم إلى إسلاميين مقاتلين، كما بدأت بتجنيد عناصر من الفوضويين الأوروبيين بهدف تشكيل ألوية أممية، على غرار الألوية الأممية التي قاتلت في برشلونة سنة 1936 ضد الفاشيين. وهكذا وجدنا اللواء الأممي المعادي للفاشية (من أوروبا الوسطى)، ولواء بوب كراو (إنكليز وإيرلنديين)، ولواء هنري كراسوكي (فرنسيين)، وقوات فدائيي الشعب الأممية الثورية (من الدول الأمريكية)، والاتحاد الثوري للتضامن الأممي (يونانيون)، ووحدة الحزب الماركسي- اللينيني (اسبانيون) وجميع المجموعات التركية الموالية للولايات المتحدة تعمل كقوات رديفة لوحدات الحماية الكردية.

إن معركة عين العرب، التي يفترض أنها مواجهة بين شبان سوريين مؤيدين للخلافة الإسلامية وشبان كرد، قد أودت بحياة شبان أوربيين يقاتلون مع الطرفين بحثاً عن عالم أفضل. تخشى الدول الأوروبية من العودة المحتملة للجهاديين إلى بلدانهم، وليس من عودة الشبان الفوضويين، رغم أنهم لا يقلون خطورة. من المحتمل أن السبب في ذلك أن التلاعب بالفوضويين وإعادة استعمالهم في المغامرات الإمبريالية المقبلة أمر أسهل.

في شهر حزيران 2015، تلقى حزب الشعوب الديمقراطي، النسخة السياسية الجديدة عن حزب العمال الكردستاني، دعماً مالياً وفيراً ورعاية من المخابرات الأميركية، ضد حزب إردوغان، العدالة والتنمية. فجأة يجتاز الحزب حاجز 10% من الأصوات الضروري من أجل دخول البرلمان ويفوز ب 80 نائباً.

بتاريخ 17 آذار 2016، أعلنت وحدات الحماية الحكم الذاتي في منطقة “روجافا”، أي الممر الذي يصل بين كردستان العراقية والبحر المتوسط، على طول الحدود السورية- التركية، ولكن من الجانب السوري فقط. أي أن “روجافا” سوف تضم جزءاً من منطقة ادلب التي تحتلها القاعدة حالياً.

هذه الدولة التي تم الإعلان عنها من قبل أناس لم يولدوا فيها على حساب السكان الأصليين، هي بالتالي مشروع استعماري، مشابه لمشروع “إسرائيل”، التي أعلن عن قيامها اليهود (الذين اشتروا الأراضي!) في فلسطين. علماً أن تسمية “روجافا” تم اختيارها للدلالة على الجزء التركي من “كردستان” الذي تم الإعلان عنه بموجب مؤتمر سيفر.في الوقت الذي تتقلص فيه إمارة القاعدة في إدلب وخلافة داعش في الرقة، يتابع الناتو تنفيذ مخططه بتقسيم الجمهورية العربية السورية ويغذي الطموح لدى الكرد بإقامة “روجافا” في القامشلي.

تراقب الصحافة الغربية بإنبهار هذه الـ”روجافا” التي يتم إلباسها جميع الفضائل الدارجة: إنها مسالمة، تسود العدالة فيها، مؤيدة للمرأة، مدافعة عن البيئة، مؤيدة لعمليات تغيير الجنس، الخ. ليس مهماً أن تكون وحدات الحماية جيشاً. ليس مهماً أنها تقاتل ضد السكان التاريخيين لشمال سوريا، العرب والآشوريين، لأنها شكلت معهم قوات سوريا الديمقراطية ولكن على الورق فقط.

إن برامج وحدات حماية الشعب وحزب الشعوب الديمقراطي التركي تتناسب مع الاستراتيجية الأميركية العسكرية. حيث أن البنتاغون، ومنذ سنة 2001، يخطط على المدى المتوسط من أجل “إعادة تشكيل الشرق الأوسط الكبير”، أي تقسيم الدول الكبيرة إلى دول صغيرة متجانسة، لكنها عاجزة عن مواجهته. ويخطط على المدى البعيد من أجل جعلهم يتقاتلون فيما بينهم حتى إخضاع المنطقة للفوضى.

لم يتم إعلان “روجافا” دولةً مستقلةً لأن كل دولة وطنية تعتبر شراً بحد ذاتها، بحسب أوجلان الجديد. حسب رأي حلف الناتو فإنها مجرد دولة تتمتع بالحكم الذاتي ويجب عليها أن تتحد مع الدول الأخرى الذاتية الحكم التي ستحل مكان الدولة- الوطنية السورية، بمجرد الإطاحة بها. حسب رأي موراي بوكين، المنظّر الأميركي والمرجع في الشأن “البلدي”، فإنه من أجل العمل بشكل ديمقراطي، يجب على المجتمعات المتحررة أن تكون متجانسة. وهذا هو السبب في أن وحدات حماية الشعب “المسالمة” تقوم حالياً بممارسة التطهير العرقي في “روجافا”.

*Thierry Meyssan مستشار سياسي، رئيس ومؤسس شبكة فولتير. آخر عمل له بالفرنسية بعنوان : “تحت أنظارنا- من 11 أيلول إلى دونالد ترامب”

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.