مقال من قلب مفجوع … عامان يا ولدي: والجراح تنزف في جسدي / سهى سليمان
سهى سليمان ( سورية ) الإثنين 16/3/2015 م …
أيّ امتحانٍ وأيّ اختبار؟! موجعٌ أن أراكَ تذبلُ في لحظةِ اللهيب، وأن أسمعَ آهاتَك تستنجدُ ولا من مجيب، وأنا عاجزةٌ عن الوصولِ إلى جسدكِ المعطرِ بالطيب.
أيّ قضاءٍ وأيّ قدر؟! مؤلمٌ أن يتناثرَ جسدك أو يتحطمَ تحتَ ركامِ الحجر، مفجعٌ أن يغتالَ البشرُ القمر، مربكٌ أن يمارسَ الثلجُ دورَ الجمر.
قلْ لي يا ولدي: من ذا الذي يختزلُ الحزن في دمعة، أو يختصرُ الألم بصرخة؟ وسط الغابة حيث الذئاب ووحوش الحقد الضارية، تنطقُ قطراتُ ندى الشهداء، وترتفعُ صيحاتُ الرجالِ وزغاريد النساء مدوية ليتردّد صداها فيسقطُ الحقدُ خزياً ويخرُّ الكرهُ عاراً.
ولدي… من ذا الذي جعلَ شجرةَ الميلادِ يتيمة؟ وأطفأ النجومَ في السماء؟ من ذا الذي ثكلني وأفجعَ أبيك قبل رحيلِه عن هذه الدنيا شهيداً.
يؤلمني رحيلك… يجلدني، وذكراكَ تجولُ في خاطري وتواسيني… اختبئ وراءَ ابتسامةٍ تخونُ أحزاني، وألجأ إلى كهوفِ الوحدةِ خوفاً من الغرقِ في بحورِ التشتتِ والضياع.
للكآبةِ فنون ٌكالفرح ِوالسعادة، تزرعني في أقاصي السهدِ والقلق، تجعلني أدورُ في دوامةِ اللا أمل، أتوارى خلفَ ظلالِ الصبرِ والقوة، لا أحدَ يدري حجمَ الآهِ وامتدادها في داخلي، فعبقُ حكايةِ سُمِّوك شهيداً اشتمها مع كلِّ آهٍ وما أكثرَ الآهات في صدري، انتظرُ السنوات العجاف لتمضي عساني أقطفُ ثمارَ صلبي على خشبةِ الانتظار، وأجني قمحَ محصولي في لحظةِ حلمٍ ورديٍ مؤجل.
امتطي صهوةَ القلم وأكتبُ حروفاً من وجعي وآلامِ روحي، أقارعُ أبوابِ الانتظارِ المؤصدة، لاهثةً… أبحثُ عن سوسنةِ تحملني إلى جسدك َالطاهر… هناك… حيثُ أنت… في اللامكانِ واللازمان.
ألمحُ طيفكَ يزورني من نوافذِ المنزلِ الخلفية، عساه ينظرُ في زوايا غرفتي التي فقدتْ رونقها بغيابك.
صحيحٌ أن النفسَ لا تدري بأيّ أرضٍ تموت، فالقدرُ من يختار، وما أقساهُ من قدر، لقد اختاركَ هناك… دعاكَ إليه وأنت في حلبَ الشهباء… فلكلِّ أرضٍ أهلها، ولكلِّ زهرةٍ عبيرها، ولكلِّ وطنٍ رجالٌ يرتقون شهداء، ومحالٌ أن تنتهي شقائق النعمان ما دامَ في كلّ يومٍ لنا شهيد يرتقي إلى العلا.
ربّاه أنتَ أدرى بانكسارِ صبري، فأينَ المفرُّ وأنتَ ملاذي الوحيدَ والأخير، تسمعني حينَ أهمسُ بخوفٍ وترددٍ، زمنُ المعجزاتِ قد ولّى… فهلاّ يعود!، يا ربّ امنحني مساحةً تتحققُ فيها معجزة تعيدُ فيها رفاةَ ولدي وتطفئ ناراً ألهبتْ قلبي، وتمسحُ دموعاً حفرتْ أخاديدَ على وجنتيّ وتزهرُ حلماً وردياً أرّقني.
يقيني أنَّ الشهادةَ كرمٌ منكَ يا ربّ، وفيضٌ من قلبِ “أوس” المحبّ، راضيةٌ أن أرى رفاةَ الجسد، قانعةٌ بشاهدةِ قبرٍ مكتوبٌ عليها:
“الشهيد أوس عبد الله” ابنُ الشهيدِ “بسام عبد الله” وابنُ اختِ الشهيدِ “أليف سليمان” وابنُ أخِ المفقود “وسام عبد الله”.
وللموت بقية…
التعليقات مغلقة.