لماذا تزداد البطالة ؟! / هاشم نايل المجالي

هاشم نايل المجالي ( الأردن ) الأحد 24/9/2017 م …




لقد اصبحنا نشهد ظاهرة ارتفاع مستوى تعليم القوى العاملة في الدول المتقدمة واصبح الفرق بين المهارات الفنية للقوى العاملة والتعليم الجامعي العالي لقوى المتعلمين فروقاً نسبية وليست مطلقة .

ففي الوقت الذي يرتفع فيه عدد الطلبة الملتحقين بالجامعات ارتفاعاً ملحوظاً نجد ايضاً ان هناك ارتفاعاً كبيراً في اعداد الملتحقين في مراكز التدريب المتخصصة ذات التقنيات العالية وبالتالي فان القادمين الى سوق العمل من هذه القوى العاملة ستكون افضل مهارة وقدرة مهنية وتعليمية من اسلافهم اي ان العاملين الجدد سيحلون محل العاملين الاقل مهارة والاقل تعليماً وفي فروقات بالقدرة والانتاجية ومواكبة التطور التكنولوجي بشكل كبير ان لم يعمل العمال المهنيين السابقين على تطوير انفسهم ودخول دورات تدريبية تؤهلهم وترفع من كفاءتهم لمواكبة التطور .

ان التعليم في جميع دول العالم يعتبر اداة للارتقاء الطبقي في السلم الاجتماعي ووسيلة لتحسين الدخل وايضاً لرفع رضا الفرد عن الحياة المعيشية في وطنه كذلك فان المجتمعات المتحضرة والمتعلمة تنخفض فيها مستويات البطالة عن غيرها فهناك وظائف تتطلب مستويات علمية عالية وهناك وظائف مهنية تقنية لانظمة حديثة تتطلب مستويات فنية عالية المهارة والتقنية والجودة اي ان هناك طلباً على الاتجاهين المهني والتعليمي لكن في كثير من الدول خاصة دول العالم الثالث نجد ان هناك عدداً كبيراً من الطلبة المتعلمين (حملة الشهادات الجامعية في مختلف الاختصاصات) لكن فرص العمل في مجالات تخصصهم قليلة وهذا سيؤدي حتماً الى مشكلة كبيرة الا وهي البطالة خاصة اذا لم تكن هناك موائمة بين مخرجات التعليم وطلب السوق من التخصصات كذلك نجد ان مستوى المهارة الفنية لدى الكثير من خريجي المعاهد الفنية متدنية جداً لا ترتقي الى مستوى الكفاءة لعمل الصيانة الفنية للاجهزة الحديثة بانواعها وفي هذه الحالة سيكون التركيز على الوظائف الحكومية بشكل اساسي لانها تستوعب الجميع خاصة بوجود الواسطة التي لا احد ينكرها رغم التغطية الاعلامية حول ذلك واسس العدالة بالتعيين وغيرها من الكلام المنمق وهذا يعتبر نذير خطر اذا لم يتم معالجة الامر لاستيعاب الخريجين الجدد من الجامعات ومع ما يتوائم ومتطلبات السوق لذلك كذلك اهمية رفع مستوى مراكز التدريب في كلا القطاعين العام والخاص ليرتقي مستوى التدريب الفني والتقني لارقى مستويات المهارة مع مواكبة التطور التكنولوجي بذلك فلم تعد مواصفات السيارات كما كانت زمان ولا التلفزيونات ولا التلفونات الخلوية ولا المكيفات ولا انظمة المراقبة ولا انظمة الطاقة المتجددة ولا المولدات الكهربائية وانظمة الحماية من الحريق وانظمة المراقبة والاشارات المرورية وبرمجة اجهزة التحكم بها وانظمة السيطرة الخاصة بها وغيرها الكثير كذلك بالنسبة للمتعلمين فالتسويق الالكتروني مهارة والدراسات والابحاث العلمية والابتكار والابداع مهارة علمية تحاكي الواقع والمحاماة اصبحت علم بقوانين عالمية وهكذا .

ففي كثير من الشركات الكبرى قامت برفع المتطلبات العلمية للوظائف دون تغيير طبيعة الوظائف ذاتها وعلى اعتبار ان الموظفين الافضل تعليماً يسهل تدريبهم ويكونوا اكثر انضباطاً وخضوعاً للنظم المعمول بها بالشركة او المصنع واكثر انتاجية ومرونة وانفتاحاً ذهنياً ودافعية للعمل عن نظائرهم من العاملين الاقل مهارة والاقل تعليماً ومحاكاة للواقع العلمي المهني وهناعلى الدولة احداث توازن بين العرض والطلب خاصة في ظل وجود عمالة عربية اكثر مهارة واكثر التزاماً بالعمل واكثر انتاجية واقل راتباً والتزامات من حيث التأمين الصحي وغيره لذلك نشهد متعلمين من ابناء البلد يعملون في مهن متدنية عن شهادتهم العلمية في اختصاص بعيد كل البعد عن دراستهم اي ان لدينا سوء تخطيط على ارض الواقع ولدينا دراسات عالية الجودة واصبحنا نهدر كثير من الكفاءات الى خارج الوطن بحثاً عن فرص عمل او هجرة دول اوروبية فمن المتسبب الرئيسي بذلك فكلما زاد عد المتعلمين زادت البطالة وكلما زاد عدد خريجي المعاهد الفنية زادت البطالة اي ان هناك خلل واضح ومن الصعب جداً استيعاب كل هذه الاعداد في الوظائف الحكوميه حيث ان هناك فائضاً كبيراً في الوزارات والمديريات المختلفة اصبحت تشكل عبئاً كبيراً على ميزانية الدولة دون انتاجية للموظف بل زيادة في ارتباك العمل .

من جانب اخر فان كثيراً من الاهل يتبنون اسلوب التدريس والتعليم بالاكراه لابنائهم فهم يريدونهم جميعاً جامعيين وفي اي تخصص مهما كان فقط ليحمل شهادة البكالوريوس والتي يكون بعضها يعتمد على البصم دون الفهم او لم تعد تتقبلها كافة الجهات حكومية او قطاع خاص فما يراه الاهل ويجبرون ابناءهم عليه من دراسات جامعية اصبح اليوم شيئاً جامداً فكثير من التخصصات ألغيت من التعينات مثل معلم مجال مثلاً وغيرها .

ويحمل الطالب الاهل مسؤولية ذلك الفشل في ايجاد فرصة العمل وتصبح الشهادة كفيلة باغتيال الرغبة التي يريدها الشخص نفسه فيفتقد الطالب منهجه الوظيفي في مجتمعه ويضيع مستقبله من اجل التعليم بالاكراه من قبل الاهل ويتحول غالبيتهم من منهجية العمل الفني التقني الى التعليمي النظري رغبة من الاهل لتبدأ المعاناة الحقيقية في الحياة ليبحث عن وظيفة عامل وطن بشهادته الدراسية الاولى ( التوجيهي ) لينتقل من موقع الى اخر دون جدوى وليصبح لدينا جيل مشتت غير قادر على الانخراط بسوق العمل وعلينا ان نعلم انه كما للمصباح الكهربائي في غرفتك استطاعة وقدرة عقلية يصعب عليه تجاوزها وتعدي حدودها فالانسان كالزورق قد يستطيع ان يحمل ما يحمل من حاجيات في داخله لكن اذا زادت الحمولة عن الحد المقرر فان الزورق سوف يغرق لذلك يجب من البداية تجنب هذه المعضلة .

المهندس هاشم نايل المجالي

[email protected] 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.