تغريب الهوية / رؤى عربيات
رؤى عربيات ( الأردن ) الإثنين 16/3/2014 م …
اعتدت أن استمع إلى البرنامج الإذاعي المميز (مقال في المقال) الذي يعده ويقدمه الزميل لؤي أحمد على أثير إذاعة الجامعة الأردنية، وكان ضيف الحلقة في الأسبوع الماضي وزير الثقافة والتنمية السياسية الأسبق الدكتور صبري ربيحات وقراءة في مقاله المثير للجدل (الهوية الأردنية كيف جرت صياغتها).
إن تزامن المقال والأفكار التي طُرحت من خلاله مع ذكرى تعريب الجيش الأردني وإقالة قائده البريطاني جلوب باشا يثير تساؤلات عديدة عن فهم بعض النخب لحقيقة الهويات الجماعية وآليات تشكلها عبر الأزمنة والأمكنة، ولعل خلطا عجيبا وقع فيه الدكتور الربيحات عندما أعلن، وعن سبق إصرار، أن الهوية الأردنية صنيعة بريطانية وأن مهندسها الأول هو جلوب باشا (أبو حنيك) في فترة تأسيسه للجيش العربي وتوليه قيادته ما بين عامي 1930م و1956م قبل أن يتم تعريب الجيش والاستغناء عن خدمات قائده البريطاني في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال وبدعم من مجموعة الضباط الأردنيين في الجيش.
صبري ربيحات المتخصص في العلوم التربوية وعلم الاجتماع أغفل الدلالة اللغوية والمصطلحية لمفهوم الهوية كما استقر في العلوم الإنسانية والاجتماعية، هذا المصطلح الذي يؤشر إلى مجموعة من السمات المشتركة التي تشكل قاسما مشتركا بين مجموعة من الأفراد تميزهم عن المجاميع الأخرى، كالأرض واللغة والتاريخ والمعتقد والثقافة والمصلحة، فنسي الوزير الأسبق أن هذه القواسم التي جمعت الأردنيين كانت قبل أن تكون بريطانيا أمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، وفاته أيضا أن الثقافات الفرعية للبدو الأردنيين وكذلك الفلاحين كانت على تمايزها، تشترك بسمات وصفات تجعل التنوع يذوب في الوحدة، ولا دخل لبريطانيا و(باشواتها) في تشكيل أو صياغة هذه الهوية على حد تعبير الوزير الأسبق، نعم ومن المؤكد أن المؤسستين العسكرية والتشريعية ساهمتا في صهر الثقافات الفرعية للشرق أردنيين إلا أن ذلك لا يعني أن الهوية الأردنية صنيعة صدفة تاريخية أو سياسية أملتها ظروف ومواضعات خارجية، فالهوية دلاليا من ال(هو) ولا يستقيم أن تكون إسقاطا خارجيا مهما أراد لها الدكتور ربيحات أن تكون كذلك.
ما أورده ضيف البرنامج في مقاله لم يكن من بنات أفكاره فطروحاته سبق وأن أوردها أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا (جوزيف مسعد) في كتابه: (تأثيرات استعمارية صناعة الهوية القومية في الأردن)، وهذا التطابق في الطروحات لا سيما التركيز على عدم أصالة الممارسات والصفات التراثية والوطنية عند أبناء شرق الأردن والادعاء بأنها صنيعة استعمارية، لكن (مسعد) كان أكثر موضوعية عند تناوله للموضوع بحيث أنه مايز بين الكيان والدولة من جهة وبين الهوية الوطنية والقومية من جهة أخرى.
بقي أن أقول للدكتور صبري ربيحات: رحل (جلوب باشا) وبقي الجيش العربي سورا منيعا ومؤسسة وطنية عربية جامعة، رحلت بريطانيا بعد أن سلمت فلسطين للصهاينة وتخلدت دماء شهدائنا في اللطرون وباب الواد والشيخ جراح، رحل (جلوب) الذي أقل بسيارته الفتى الأسمر مشهور حديثة الجازي من مضارب الحويطات ليسجله في الجيش العربي وبقيت مدفعية مشهور على مرتفعات السلط ترد الغزاة يوم الكرامة، رحل جلوب بعد أن أتقن لهجة البدو والفلاحين وبعد أن حمل الجنسية الأردنية ودخل بعض أبنائه في الإسلام وظل أبناء شرق الأردن يقرأون قرآنهم بالعربية الفصحى، إن تغريب الهوية يا دكتور صبري بضاعة كاسدة لا يؤمن بها سوى الواهمين، ولا يضير الأردنيين أن يكون شماغهم الأحمر رمز شموخهم ورجولتهم صُنع أول الأمر في مانشستر البريطانية، مثلما لا يضير أبناء الطفيلة (وأنت منهم) أن تتكلم أمهاتهم (الآرامية) على حد وصفك في حين يرتدي أبناؤهن ربطات العنق الأجنبية.
التعليقات مغلقة.