سيف الشك ( قصة قصيرة ) / عادل سالم
عادل سالم ( الخميس ) 28/9/2017 م …
كانا يشربان قهوة الصباح معا في عطلة الأسبوع عندما أخرجت من حقيبتها اليدوية علبة صغيرة، حمراء اللون، وقبل أن تفتحها سألته: هل تعرف ما بها؟
دقق فيها جيدا، شعر بالحرج، وحدث نفسه قائلا: لا بد أن مناسبة مرت دون أن أنتبه فاشترت الهدية لنفسها وأرادت أن تحرجني بها؟ أو ربما عيد ميلادي قد اقترب … لكنلا يوجد شيء من هذا. ماذا عساها هذه العلبة أن تكون؟
قال لها كي لا يشعرها باستغرابه، بعد أن ابتسم بخبث:
– هذه هدية من أمك بالتأكيد.
لم تجب لكنها فتحت العلبة، فإذا به خاتم ذهبي جميل، يتوسطه حجر ماسي صغير الحجم.
أراد أن يقضي على حيرته فسألها:
- من أين اشتريت هذا الخاتم؟
- إنه هدية، وهل تشتري امرأة مثلي خاتمها؟
صعقة جوابها، إذن هو مقصر في حقها فمن يكون من أقاربها قد اشتراه لها؟
- أزيلي حيرتي بالله عليك، فمن صاحب هذا الخاتم؟
- إنه زميلي في العمل.
- زميلك في العمل يهديك مثل هذا الخاتم؟
تغير لون وجهه كثيرا.
سألته هل أزعجك أن يهدي زميل لزوجتك في العمل خاتما؟
- ومن هو يا ترى هذا الزميل العاشق؟
- عاشق؟ أتشك بي يا زوجي العزيز؟
- أبدا لم أقل ذلك، لكن هل يعقل أن يهدي رجل امرأة متزوجة خاتما ذهبيا مرصعا بالماس؟
- عندما تعرفه ستحبه.
- يا سلام؟ أحبه؟ من هو؟
- سأقول لك اسمه فيما بعد عندما تهدأ، أخشى الآن أن تثور، وتقوم بقتله. هاهاها
- حسنا، سأذهب الآن، عندي مشوار قصير.
حاول زوجها أن يتظاهر بأنه غير مهتم بالموضوع، وأنه إنسان عصري، وليس من عصر الأجداد، لكنه حقيقة كان يغلي من داخله، وكان الشك يجد طريقه بسهولة لعقله،وقلبه. كان يقول لها أنه يثق بها باستمرار، لكنه يشعر اليوم أن ثقته بدأت تهتز.
بعد أسبوع وصل البيت قبل وصولها من العمل، وبينما هو في البيت قُرع الجرس، وعندما فتح الباب وجد شخصا يحمل باقة ورد في مزهرية جميلة، قدمها له بعد أن
أخبره أنها من محل بيع الورود لزوجته، حملها، وأدخلها للبيت، وبدأ يقرأ الورقة المعلقة بالباقة، فكانت تقول:
تعبيرا عن صداقتنا المتينة.
بعد عودتها، سألها:
- هل الورد من نفس الصديق القديم.
- نعم، أرسل لي رسالة يقول فيها أنه أرسل لي باقة ورد مع مندوب شركة الورد.
- أرى أن أصدقاءك لا يقيمون لي وزنا.
- حبيبي إنها مشاعر صداقة، لا تقلق أنت في القلب وحدك، لا منافس لك.
ضحك بخبث ثم قال:
– أكيد؟ ….
– ها ماذا تريد أن تقول؟
- ماذا لو لم أكن موجودا وشاهد أحد الجيران الورد، وقرأوا الرسالة؟
- المهم أنت يا حبيبي؟ هل تثق بي؟ هذا كل ما يهمني؟
- طبعا طبعا، ولو؟ لكني أفضل أن..
- قلها، أن تقطعي صلتك بكل زملائك بالعمل؟ هل هذا مفهومك عن المرأة؟ ألست …؟
- قاطعها: توقفي لا داعي للاستمرار، لا أقصد ذلك أبدا لكني أخاف من كلام الناس.
- أنت من يقول ذلك؟
حاول أن ينهي معها النقاش، ويتظاهر بعدم الاهتمام، لكنه فعلا كان الشك ينمو داخله يوما بعد يوم حتى انفجر بعدما شاهدها بالصدفة تجلس مع زميلها في مطعم، يتبادلان،الأحاديث، والضحكات، كأنهما عاشقان في قمة المتعة.
- هل يمكن أن أفهم ما علاقتك بهذا الشاب؟
ثم أكمل متهكما: قصدي زميلك بالعمل؟ هل بقي زميلا؟
انفجرت به:
– احترم نفسك، وخاطبني بنفس اللغة التي عودتني عليها. قلت لك ألف مرة إنه زميل عمل.
ضحك بسخرية:
– زميل عمل؟!!!
- مخاطبتك لي تقتل الثقة بيننا، وإذا فقدت الثقة، تبخر الحب …
- حب؟ من تتحدث عن الحب لا تخرج مع رجل دون معرفة زوجها.
- أراك ككل الرجال تغيرت فورا، كأنك نسيت كلامك لي عن التفاهم، والاحترام بين الزوجين؟ والثقة، لا تنس أنني لست امرأة من الشارع.
لم يشأ أن يستمر في حديثه، فسألها:
- ما اسم هذا الزميل؟
- اسمه سليم جميل.
منذ تلك الليلة فقد كل ثقته بزوجته، وتخلى عن كل أفكاره القديمة تجاه المرأة، والعلاقة المتكافئة بين الزوجين، حاول من خلال هاتفه أن يبحث عن سليم جميل في الفيسبوك لكنه لم يجد ذلك الشخص، بل وجدا أسماء متشابهة، وصورا مختلفة تماما، في اليوم التالي اتصل بالشركة التي تعمل فيها زوجته ليسأل عن سليم جميل فقيل له، ليس في الشركة أي موظف بهذا الاسم…
طار عقله، ولم يعرف كيف يتمالك أعصابه، كان يعد العدة لمواجهتها بشكوكه دون لف أو دوران، لتقل عنه ما تقول، فهذه تصرفات لا تفسير لها إلا ….. نعم هو كذلك.
وصل البيت، حاول فتح الباب فكان مغلقا من الداخل، إذن وصلت البيت قبله، رن الجرس ففتحت له واستقبلته بابتسامة قائلة:
- أهلا حبيبي، عندي ضيف.
- ضيف؟ ومن يكون؟
- ادخل وستراه.
دخل إلى الصالون فوجد سليم جميل، اشتاط غضبا، لو كان معه مسدسا لأفرغ فيه الرصاص، نظر إليها، وقال غاضبا:
- ماذا يفعل عشيقك هنا؟
- اخرس، لا أسمح لك بذلك، واعلم أنك تقتل كل ما بنيناه منذ سنوات.
- وهل أبقيت شيئا كي أهدمه، لقد هدمت كل أحلامي، وحياتي، أنت طالق.
حاول المدعو سليم أن يشرح له، فصرخ في وجهه قائلا:
- اخرج قبل أن أرتكب بك جريمة.
رفع قبضة يده، فخرج سليم لا يلوي على شيء فيما كانت هي تحمل حقيبتها وتلحق به.
حاول أن يعرف قبل طلاقها ما الذي دفعها لخيانته، فلم يفلح، كان مجرد مناقشة المسألة مرفوض تماما. اعتقد أنها سوف تتزوج المدعو سليم بعد طلاقها منه لكنه لم يسمع عنها شيئا. كانت مثله ترفض الحديث عن الزواج.
بعد أكثر من عام لفت انتباهه خبرا بإحدى الإذاعات المحلية عن احتفال لتوقيع رواية (سيف الشك) لطليقته، لم يصدق ما سمع، هل أصبحت كاتبة؟ بحث عن الرواية فوجدها في إحدى المكتبات، اشتراها وعاد للبيت ليقرأها.
لم يصدق ما قرأته عيناه. إنها تكتب قصتهما، إنها تصف لحظات حيرته، وانفعالاته، وكأنها افتعلت تلك الحكايات لتكتب روايتها بدمه، وردات فعله، وانفعالاته
التعليقات مغلقة.