الذعر الإسرائيلي المتدحرج / د. بهيج سكاكيني

د. بهيج سكاكيني ( الجمعة ) 29/9/2017 م …




لم يعد خافيا على أحد الرعب والذعر والتخبط الذي يعيشه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والقيادة العسكرية والاستخباراتية في إسرائيل. ولعل هذا الذعر انعكس بالزيارات التي قام بها نتنياهو الى موسكو مؤخرا والوفد الاستخباراتي الرفيع المستوى الذي زار واشنطن في نفس وقت زيارة نتنياهو لروسيا في نهاية شهر آب الماضي.

وحالة الذعر هذه كانت قد ذكرتها صحيفة برافدا الروسية نقلا عن أحد الحاضرين للجلسة المفتوحة للمباحثات التي دارت بين نتنياهو والرئيس الروسي بوتين في منتجع سوتشي. ولعل حالة الارتباك والذعر هي من جعلت نتنياهو أن يطلب الاجتماع على عجل ببوتين الذي كان يقضي عطلته في سوتشي، وأن يرسل في الوقت ذاته الوفد الاستخباراتي الى الولايات المتحدة.

وكما أفادت الصحف الإسرائيلية أن كلا الطرفين الروسي والامريكي استمعا لما أراد الإسرائيليون قوله ولكن في نهاية المطاف لم يتم الاستجابة للطلبات الاسرائيلية وللتطمينات والضمانات التي ارادتها إسرائيل وخاصة فيما يخص الترتيبات بمناطق خفض التصعيد في الجنوب السوري وتواجد قوات إيرانية ومقاتلي حزب الله الى جانب الجيش العربي السوري في تلك المنطقة. وكان المطلب الإسرائيلي هو ضرورة خروج القوات الإيرانية وحزب الله من سوريا كإحدى الشروط الأساسية التي تضعها إسرائيل للحل السياسي ومن ثم تم التراجع عن هذا المطلب اللامعقول واللامنطقي والغير قابل للتطبيق، الى أن لا تقترب القوات الايرانية أو حزب الله أو حتى الجيش العربي السوري الى مسافة أقل من 60 كيلومترا من حدود الجولان. بمعنى أن إسرائيل ارادت أن يحقق لها الروس والامريكان ما لم تستطيع الأدوات التي استخدمتها ورعتها أمريكا والسعودية وإسرائيل على الأرض. وبالتالي لم يستطع لا الامريكيون ولا الروس إعطاء أية ضمانات لنتنياهو الذي هدد أثناء زيارته لروسيا الاخيرة بقصف القصر الرئاسي في دمشق. بهذه الوقاحة والغطرسة تصرف نتنياهو على أمل الحصول على شيء يستخدمه في الداخل الإسرائيلي للمحافظة على كرسيه والتخفيف من الملاحقات القضائية له بقضايا الفساد.

لم يعد سرا أن إسرائيل قدمت الدعم للمجموعات الإرهابية واستخدمتها كأداة الى جانب الولايات المتحدة والدول الغربية والخليجية وتركيا بهدف اسقاط الدولة السورية، وهذا بحسب المصادر الاستخباراتية والسياسية والإعلامية والطبية الإسرائيلية. والان أدركت إسرائيل متأخرة أنها دعمت الطرف الخاسر في سوريا وبالتالي فقد خسرت الرهان والآمال التي علقتها على هذا الطرف وأصبحت في وضع لا يمكنها من المطالبة بشيء أو فرض ارادتها. فهي لن تحصل على منطقة فاصلة خلف خط الهدنة في الجولان بمساعدة أمريكية كما ولن تقفل الحدود العراقية-السورية ولن يتم تقطيع أوصال الخط السريع الذي يربط إيران بالعراق وسوريا بطريقة أو بأخرى أو وضعه تحت “إشراف” أمريكي بالنيابة عن إسرائيل. وبالتالي فإن الخط الاستراتيجي لمحور المقاومة سيبقى رغم أنف الأمريكيين والإسرائيليين وأدواتهم في المنطقة. ومن هنا فقد فقدت إسرائيل كل ما كانت تصبو اليه وتأمل في تحقيقه على الساحة السورية ومن هنا أتى ذعر نتنياهو والقيادة العسكرية التي تتخبط بتصريحاتها حول جهوزيتها وجهوزية الجبهة الداخلية في حالة نشوب الحرب.

هذا الذعر الإسرائيلي تمتد جذوره الى عام 2006 وربما أبعد من ذلك.  ففي هذا العام المؤلم بكل المقاييس للكيان الصهيوني والذي ما زال محور للدراسات والتحاليل من قبل العديد من معاهد الدراسات العسكرية والاستراتيجية تمكن ربما ما لا يزيد عن 2000 مقاتل من مقاتلي حزب الله في الجنوب اللبناني التصدي لأكبر قوة عسكرية عاتية في الشرق الأوسط والنجاح في ردعها وإلحاق هزيمة عسكرية وتكبيدها خسائر بشرية ومادية كبيرة. أما الان وقد زاد عدد مقاتليه الى عشرات الالاف وتمرس مقاتليه على القتال في سوريا تحت ظروف عسكرية وجغرافيةولوجيستية متنوعة واكتسبوا خبرات ميدانية قل مثيلها فقد بات قوة إقليمية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار بحسب العديد من المحللين العسكريين والاستراتيجيين.  وبحسب البعض أن إسرائيل لم تخسر الحرب على المستوى العسكري والسياسي بل على المستوى الحرب الاليكترونية والاستخباراتية وهو ما كانت تتفاخر به إسرائيل.

ما يجدر قوله هنا أن إسرائيل رمت بكل ثقلها العسكري والسياسي والإعلامي في عدوانها على لبنان والذي كان عدوانا أمريكيا بالدرجة الأولى بهدف إقامة ” الشرق الأوسط الجديد” بحسب كونداليزا رايس ولكنها فشلت في حملتها العسكرية التي استمرت أكثر من شهر كما فشلت أمريكا في تحقيق هدف “إقامة الشرق الأوسط الجديد” ونشر “الديمقراطية” بالمقاسات الامريكية.

ولقد أثار الفشل الإسرائيلي الغير متوقع مخاوف جدية في الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي لم تبخل على الاطلاق بتزويد إسرائيل وبسخاء بكل ما تحتاجه في الجانب العسكري بالأسلحة المتطورة والتقنية العالية لضمان تفوقها العسكري الاقليمي على كافة القدرات العسكرية العربية مجتمعة. كما أثارت مخاوف الدول الخليجية التي رأت في انتصار حزب الله اللبناني خطرا على عروشها وأن هذا الانتصار قد يغير من “اللعبة” الإقليمية مما سينعكس سلبا عليها وهي الدول التي تتمتع بحكم الفرد المطلق القبلي.

بعد هذا الفشل في كسر شوكة حزب الله الذي شكل وما يزال ضلعا رئيسيا في محور المقاومة والشعور بما يحمل هذا الفشل في ثناياه على المستوى الإقليمي، بدأ التحرك على جبهتين متوازيتين وفي آن واحد.

الجبهة الأولى عملت على محاولة عزل حزب الله إقليميا ودوليا والتضييق عليه وعلى أنصاره ومؤيديه ومحاربتهم في لقمة عيشهم وخاصة في الدول الخليجية ووصلت الحملة حتى الى أفريقيا. وأتهم حزب الله بأنه إرهابي وأنه يتاجر بالمخدرات ويقوم بعمليات غسل الأموال …الخ من الفبركات والاكاذيب التي روج اليها في الصحافة الصفراء وخصص لها مئات الملايين من الأوراق الخضراء من قبل المخابرات المركزية الامريكية وأموال البترودولار الخليجية.

أما الجبهة الأخرى فلقد تولت أمرها السعودية العربية منشأ الوهابية والتطرف الديني بالتعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا على وجه التحديد وظهرت العديد من مواقع التواصل الاجتماعي والمحطات التلفزيونية الفضائية وجند العديد من أئمة المساجد وكتبة السلطان وكذلك بعض مراكز الفكر الإقليمية والدولية لنشر بذور الفتنة الطائفية والمذهبية بين السنة والشيعة. واستطاعت تغليف الصراع السياسي في المنطقة والباسه اللباس الديني والمذهبي ويجب الاعتراف بأنها حققت نجاحات في هذا المضمار على المستوى الإقليمي لا بل والدولي أيضا مستخدمة الأوراق الخضراء للتأثير على مواقف الدول. ولقد ساعدها في هذا وجود العديد من المدارس الدينية التي أنشأتها في العديد من الدول الاسيوية والافريقية والأوروبية التي كانت تدرس المذهب الوهابي الذي يكفر الغير وحتى وإن كان مسلما إن لم يكن من المعتنقين لهذا المذهب فما بالك إن كان من الشيعة.

لكن الى جانب هذه الجبهات العلنية كان هنالك جبهة أخرى يعمل عليها على نار هادئة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية ودول خليجية أخرى والأجهزة الاستخباراتية لهذه الدول بالإضافة ربما الى دول غربية أخرى. وهو ما أطلق عليه البعض “بالاستراتيجية التصحيحية” والتي مفادها أنه من الضروري تفادي أو تصحيح فشل 2006 ومن هنا أتت الحرب على سوريا لكسر الترابط بين محور المقاومة واضعافه على أن يكون الدور اللاحق لإيران، هذا الى جانب استغلال الموقع الجيوسياسي لسوريا وكذلك استخدام أراضيها لنقل البترول والغاز الى شواطئ البحر الأبيض المتوسط للتصدير الى أوروبا كوسيلة لضرب روسيا اقتصاديا.

ومخطئ وساذج كل من اعتقد او ما زال يعتقد بأن ما بدأ في سوريا عام 2011 في درعا كان مجرد احتجاج سلمي ولم يكن شيئا مدبرا ومخطط له منذ سنوات كما بين سير الاحداث وتطورها السريع الى الصدامات المسلحة. كيف يستطيع الانسان أن يفسر ظهور هذا الكميات الكبيرة من الأسلحة والانفاق الكبيرة التي يحتاج حفرها لسنوات؟ ولماذا على سبيل المثال بدأت “الثورة” السورية بتخريب الرادارات الجوية وقتل العديد من الطيارين السوريين وظهور الالاف المؤلفة من المقاتلين الأجانب في فترة زمنية بسيطة…الخ؟ . لقد تم الاعتماد على العلاقات مع تنظيم القاعدة التي رعته وأنشأته المخابرات المركزية الامريكية بتمويل ودعم سعودي والذي خرج من رحمه تنظيم داعش. وبماذا نفسر ما يدور الان من الدعم الأمريكي العلني لقيادات هذا التنظيم الذي تم اخلائهم هم وعائلاتهم من الرقة ودير الزور والموصل وغيرها من الأماكن من قبل القوات الامريكية التي أرسلت طائرات لهذا الغرض الى المناطق التي تسيطر عليها داعش؟ هذا ما ذكرته العديد من المصادر التي وثقت ذلك بالصوت والصورة المأخوذة بالأقمار الاصطناعية الروسية التي بينت إخلاء تنظيم داعش لبعض المواقع في محافظة دير الزور لصالح القوات الخاصة الامريكية التي سلمتها بدورها لقوات سوريا الديمقراطية الموالية لأمريكا.

لقد تكالبت العديد من الدول العالمية والإقليمية لإسقاط الدولة السورية وجمعت لهذا الإرهابيين من أكثر من ثمانين دولة. حرب كونية عسكرية واقتصادية وإعلامية وسياسية ودبلوماسية بامتياز شنت على سوريا بهدف تمزيقها الى كانتونات طائفية ومذهبية وعرقية. وكانت إسرائيل تلعب دورا أساسيا في هذه المعركة وكانت تأمل كما أمل غيرها بإسقاط الدولة السورية. ولكن الوقائع على الأرض التي حققها الجيش العربي السوري وبدعم مبدئي من قبل روسيا وإيران وحزب الله والقوى الرديفة أفشلت أماني وتوقعات الحلف المعادي.

وخرجت إسرائيل بخسارة كبيرة وأنقلب السحر على الساحر. لقد خسرت اسرائيل على الجبهة الفلسطينية في غزة كما فشلت في الجنوب اللبناني وخرجت خاسرة في سوريا والعراق وذهبت آمالها أدراج الرياح. ولم تفلح الاستجداءات الاسرائيلية لروسيا أو لأمريكا بالحصول على أي من الضمانات والتطمينات التي أرادتها فالوقائع على الأرض لم تسعفها ولن تسعفها. ولا يغرنك تباهي نتنياهو بأن هنالك دول عربية أصبحت ترى أن إسرائيل لم تعد عدوة وأنها عاجلا أم آجلا ستقيم العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وتطبع مع إسرائيل دون حل للقضية الفلسطينية. وعلى ان ما يجمعها مع إسرائيل هو العداء لإيران “الشيعية” وأن إسرائيل على استعداد لمناصرة الدول “السنية” والى ما ذلك من الارهاصات. فإسرائيل اليوم تشعر بأنها وحيدة واصطفاف السعودية الى جانبها لن يعطيها القوة أو الأمان الذي تصبو اليه. فالسعودية ومن معها وبالرغم من كل الدعم الأمريكي والبريطاني ومليارات الدولارات التي صرفت في حربها وعدوانها على اليمن لم تستطع تركيع الشعب اليمني وتحقيق أي من الأهداف السياسية للعدوان، وهي تبحث الان على من ينزلها عن الشجرة. ويحق المثل القائل “التم المتعوس على خائب الرجاء”. والسعودية فشلت في سوريا وفشلت في العراق أيضا.

حالة الفزع والهلع التي انتابت نتنياهو ربما هي انعكاس لهذا الزلزال الحاصل في المنطقة وخاصة تجذر حلف المقاومة والإنجازات التي حققها على الأرض والقتال جنبا الى جنب والتنسيق القتالي فيما بينهم والخبرات الجمعية التي اكتسبها مقاتليهم. وإسرائيل تدرك جيدا أنه في حالة نشوب حرب قادمة فهذه لن تقتصر على جبهة واحدة ولن تستطيع الاستفراد بجبهة دون الأخرى. وهذا ما يسبب القلق والذعر الإسرائيلي على مستوى القيادة السياسية والعسكرية.

ذهب وولى “العصرالذهبي” التي تمتعت به هذه الدولة المارقة التي كانت به تصول وتجول في المنطقة دون رادع وزمن الاستفراد بالجبهات وزمن نقل الحروب خارج حدودها وتمتع قاطنيها من المستوطنين بالحياة العادية اليومية وكأن شيئا يكن، وأصبح هذا يشكل هاجسا يوميا للقيادة السياسية والعسكرية التي عاشت سنوات من الاريحية والطمأنينة. كما وأن دخول روسيا على الخط وبطلب وتنسيق مع القيادة الشرعية الى سوريا وتوسيع وجودها العسكري هناك هو عامل آخر يضاف الى القلق الإسرائيلي بعدما كانت الولايات المتحدة هي التي تتحكم بمفاصل ما يدور في الشرق الأوسط والساحة العالمية. ولا شك أن الإنجازات الاستراتيجية التي حققها محور المقاومة في سوريا والعراق واليمن بالرغم من حجم الخسائر البشرية والمادية ينعكس بالضرورة أيضا على المقاومة الفلسطينية وخاصة المسلحة منها.

ولهذه الظروف والمناخات الجديدة التي سقطت فيها الرهانات الإقليمية والدولية الغربية على كسر شوكة محور المقاومة يشعر الكيان الصهيوني وربما لأول مرة منذ نشوئه باغتصاب فلسطين أنه يتعرض الى خطر وجودي حقيقي وهو ما يسبب حالة الذعر التي تعبر عنها قياداته السياسية والعسكرية هذه الأيام بأشكال مختلفة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.