فلسطين وحل الدولة الواحدة – 2 – / ابراهيم ابو عتيلة

ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) السبت 30/9/2017 م …

        تعرضت في مقال سابق لموضوع حل الدولة الواحدة في فلسطين كحل بديل لحل الدولتين مع الأخذ بعين الاعتبار بأن هذا الحل قد سبق وأن تم طرحه من قبل العديد من المفكرين بما في ذلك أحزاب وتنظيمات فلسطينية ومنها الحزب الشيوعي الفلسطيني ما قبل نكبة عام 1948 وحركة فتح وفصائل اليسار الفلسطيني ، ورغم طرح هذا الحل إلا أنه في الغالب كان طرحاً غير معمق ولم يصل يوماً إلى مرحلة تبني هذا الطرح بشكل كامل وواضح ، ولقد إختلفت وجهات النظر حول شكل الدولة المقترحة بين دولة ثنائية القومية ودولة ديمقراطية علمانية ، وإن كانت الأولى دولة يحافظ فيها كل من الفلسطينيين واليهود على الشخصية السياسية الخاصة بهما كشعبين أو قوميتين ، ورغم تحفظي الشديد على مصطلح شعبين أو قوميتين حيث نتحدث هنا عن شعب فلسطيني وجماعات تعتنق الدين اليهودي ، فإن ذلك سيعني بالضرورة المحاصصة والتمييز والإنقسام الخفي ، خاصة وأننا نتحدث عن دولة محدودة المساحة ، ومن جهة أخرى فإن الدولة الديمقراطية العلمانية ستكفل لكل مواطن الحق في التعبير عن رأيه ويكون له صوت واحد حيث يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات وبما يعني الغاء التنافس القومي والفصل الاجتماعي الوارد في الدولة ثنائية القومية .




ومنذ أن تم التفكير بحل الدولة الواحدة ووجهات نظر متباينة تواجه هذا الحل ، فمن مؤيد لهذه الفكرة وحل الدولة الواحدة ، إلى من يتبنى بقوة حل الدولتين كونه أسهل القبول ولوجود دعم دولي ظاهري له ، إلى مستنكر تماماً لكل من الحلين ، على اعتبار أن فلسطين التاريخية لا تقبل القسمة على إثنين ، فأرض فلسطين حق تاريخي وأبدي للفلسطينيين وحدهم ولا حق لمستعمرين صهاينة قدموا إليها من بلاد مختلفة العيش والحصول على حق المواطنة فيها  ..

نعم فلسطين التاريخية حق للفلسطينيين وحدهم لا يشاركهم فيه أحد ، تلك حقيقة التاريخ لا نقاش فيها ، ولكن من يملك الوسائل لتحقيق ذلك الحق ، في زمن الوهن والتردي الفلسطيني والعربي ، وفي زمن تكالبت علينا قوى الاستعمار بأشكاله المختلفة ، وهل نملك القوة الكافية للوصول إلى هذا الحق في الوقت الحاضر وهل سنملكه مستقبلاً ؟؟؟

أما عن حل الدولتين ، الذي تتغنى به سلطة أوسلو ، ويحظى بتأييد عربي ودولي لا يستهان به ، فهو حل تجابهه مشاكل موضوعية على الأرض ، أهمها حق العودة وحل مشكلة اللاجئين وحق تقرير المصير للفلسطينيين وفقاً للقانون الدولي كل ذلك عدا عن مشاكل أخرى كثيرة ، مع ملاحظة أن الصهاينة رافضين لهذا الحل ويؤيدهم في ذلك عراب الاستعمار الأكبر وداعمة الإرهاب والصهيونية وعدوة الشعوب ” أمريكا ” ، وعلى الرغم من توقيع اتفاقية أوسلو ، وإعتراف ما كان يسمى ” منظمة التحرير الفلسطينية ” بدولة ” إسرائيل ” على ما نسبته 78 % من أرض فلسطين التاريخية وعلى أن تخضع النسبة المتبقية للمفاوضات والمساومات ضمن ما يسمى الحل النهائي .. فإن الكيان الصهيوني أخذ بوضع المزيد من الشروط في مواجهة حل الدولتين وما يسمى بالحل النهائي وأهم هذه الشروط :

1.    الإعتراف بيهودية ” دولة إسرائيل ” كشرط أساسي لاستكمال المفاوضات مع سلطة أوسلو ، ومما يعني على أقل تقدير تهجير بقية الفلسطينيين من أرض فلسطين التاريخية إلى مناطق سلطة أوسلو ، علاوة على التمييز بين اليهود وغيرهم من السكان في الدولة ” اليهودية المطلوبة” .

2.    لا عودة للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من فلسطين سنة 1948 والعمل على توطينهم في البلدان التي يقطنون فيها ، وبالتالي عدم تحمل إسرائيل أي مسؤولية سياسية أوقانونية عن هذه المسألة  وبما يتناقض مع قرارات الشرعية الدولية في هذا الشأن ، بما يعني عدم القبول بمبدأ حق العودة وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 ، وحيث أن قضية اللاجئين هي المحور الرئيسي لقضية الحق الفلسطيني ، وعدم الإعتراف لهم بحق العودة يعني بالضرورة عدم حل القضية الفلسطينية وبقائها مفتوحة لكل الاحتمالات .

3.    ضرورة إبقاء القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل وفقاً لما تؤكد ذلك كافة الأطياف والأحزاب السياسية الإسرائيلية ، مما يعني نكران الحق الفلسطيني والعربي والإسلامي في المدينة المقدسة .

4.    أن تكون الدولة الفلسطينية الناشئة دولة منزوعة السلاح وعلى أن تسيطر إسرائيل بصورة مطلقة على الحدود والمنافذ مع الأردن من الشرق.

5.    مبادلة الأراضي من خلال منح الفلسطينيين أراض في صحراء النقب بمحاذاة قطاع غزة مقابل الحصول على أراض من الضفة الغربية وبمحاذاة القدس وبنفس المساحة .

6.    التأكيد على شرعية النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس وعدم تفكيك المستعمرات حيث ترفض الأحزاب والقوى الإسرائيلية تفكيك تلك المستعمرات باعتبار أنها تحفظ أمن إسرائيل وعلى أن يراعى إستمرار السيطرة الإسرائيلية عليها في الدولة الفلسطينية الناشئة .

7.    إبقاء السيطرة الإسرائيلية على المصادر المائية الفلسطينية .

وعلى الرغم من مضي ربع قرن على اتفاقيات أوسلو منذ سبتمبر/أيلول من عام 1993 ، وعلى الرغم من المفاوضات الماراثونية المستمرة منذ ذلك الحين ، فلم يتم التوصل إلى أي توافق بشأن حل الدولتين ، أو بشأن أي من قضايا الحل النهائي، لأن كل ذلك اصطدم بالشروط الإسرائيلية التعجيزية المشار إليها أعلاه ، ويمكن القول إنه وعلى الرغم من المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وتفاؤل البعض بالوصول إلى حلول مرضية وإلى حل الدولتين ، فإن المطلع على طبيعة العلاقات الأميركية الإسرائيلية وعلى التصورات الإسرائيلية للحلول المقترحة ، فإنه يصل إلى معرفة الأسباب الكامنة وراء فشل تلك المفاوضات ، حيث لا يمكن الحديث عن سلام دون عودة الأرض إلى أصحابها الفلسطينيين ودون عودة اللاجئين إلى ديارهم وأرضهم المحتلة عام 1948 ودون الإعتراف بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية ودون الاعتراف بسيادة وحدود هذه الدولة الفلسطينية المقترحة .

وبالإضافة لعدم استجابة اسرائيل لحل الدولتين ، ومحاولاتها المستمرة لإذلال الجانب الفلسطيني المفاوض ، من خلال سعيها المتواصل لفرض شروطها وإعلان المسؤولين فيها بأن إسرائيل لن تمنح الفلسطينيين أكثر من حكم ذاتي لإدارة شؤونهم دون أي سيطرة على الأرض ، فإن الفلسطينين بشكل عام واللاجئين منهم بشكل خاص ، يرفضون هذا الحل الذي لن يحقق لهم وطناً ، ولا يعترف بحقهم بالعودة ، كما أن الكثير من الفلسطينيين والعديد من فصائل العمل الوطني الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية يرفضون الدويلة المسخة التي تسعى إليها سلطة أوسلو ، دويلة لا تستطيع أن تستوعب شعبها ، دويلة محدودة الموارد ، دويلة مشلولة الإرادة ومرهونة برغبة الصهاينة وحتى لو انسحبوا من الضفة والقطاع فسيبقى بيدهم السيطرة على الحدود والمياه وعدم التسليح .

لقد عودنا الكيان الصهيوني أن يرفض كل مبادرات السلام ، فلن يرضى الكيان الغاصب إلا بتحقيق حلم إسرائيل الكبرى والتخلص من الفلسطينيين بشكل كامل ولو برميهم في البحر كما كانوا يقولون عن غزة ، فالإنسحاب لحدود الرابع من جزيران 1967 غير وارد وحق العودة مرفوض ولا مجال لحل الدولتين ، ومن هنا ومع كل أساليب الرفض  والمراوغة ، ومع الفشل القاطع للمفاوضات وحل الدولتين المرفوض فلسطينياً أيضاً ، ومع حالة الضعف الفلسطيني والتراجع العربي ، ومع الأخذ بعين الاعتبار تعداد الفلسطينيين وقدرتهم على التكاثر، فلا بد من بديل لحل الدولتين ألا وهو ” حل الدولة الواحدة ”  الدولة الديمقراطية العلمانية التي يتساوى فيها الجميع بالحقوق والواجبات ، دولة تلغي التنافس القومي والفصل الاجتماعي ..

فهذا الحل وتلك الدولة هي التي ستحقق للفلسطينيين حق العودة والمواطنة الكاملة في دولة تملك من الموارد بما يمكنها من الديمومة والاستمرار ، ولعل تجربة جنوب افريقيا ماثلة أمام الجميع ، دولة تعايش فيها السود أصحاب الأرض مع البيض المحتلين تحت علم واحد وفي دولة واحدة ، فالسود اصل البلاد وجذورهم راسخة فيها ، أما البيض فمحتلين، منهم من قبل بالعيش المشترك ومنهم من هاجر وعاد إلى بلاده التي جاء منها ، بلاد الغرب الاستعماري.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.