الشيخ الفلسطيني علي الحلو .. يحتفل بعيد ميلاده الـ 105 محاطا بمئتين من الأبناء والأحفاد




الثلاثاء 3/10/2017 م …

الأردن العربي – احتفل الشيخ الفلسطيني علي إبراهيم الحلو(أبو حسين) من عرابة البطوف داخل أراضي 48 بعيد ميلاده  الـ 105، محاطا بنحو مئتين من أبنائه وأحفاده.
حينما بلغنا ساحة بيته المجاور لمنازل أولاده كان أبو حسين قد وصل للتو يقود مركبته الكهربائية عائدا من السوق وبحوزته كمية من الخضراوات والفواكه. فكانت هذه الدهشة الثانية وقد حاول تبديدها بالقول متسائلا لماذا لا أتحرك لماذا أبقى في البيت؟. وقبل ذلك أدهشنا بقوة عزمه وهو يصافح بقبضة يد قوية.
هدمت إسرائيل بيت الشيخ الحلو وهو اسم على مسمى، ثلاث مرات منذ الخمسينيات لكنها لم تسرق ابتسامته وروح التفاؤل فيه، فظلت طاقته الإيجابية فوارة محتفظا بصحة ممتازة وذاكرة معقولة جدا.
عمل أبو حسين طيلة عقود بناء محترفا للمنازل الفلسطينية المعروفة بـ «العقد» في صفد وحيفا والقدس. ويضيف أنه زار قرية سعسع المهجرة قضاء صفد قبل سنوات وأحزنه تحويل أحد المنازل الكبيرة التي بناها قبل نكبة 1948 لمنجرة يملكها مستوطن مهاجر جديد من الولايات المتحدة. ويقول إنه جمع الكثير من الأموال بفضل مهنته النادرة ومن ريعها اقتنى الكثير من الأراضي في عرابة البطوف التي وزعها لاحقا على أبنائه.وكانت مهنته هذه قد أتاحت له تعلم السياقة مبكرا في مدينة حيفا حتى كان أول سائق شاحنة في بلدته.

روح الفكاهة

أجمل ما في الشيخ المعمّر روحه الفكاهية فهي لا تشيخ بل تبدو نادرة وبعز شبابها، وربما ساهمت بإطالة عمره.
وعن سر عمره المديد يقول: «أبوي وجدي وأبوه عمروا للمية سنة تقريبا لكن أنا بقول إنها هدأة البال لأن النكد عدو الإنسان، محبة الناس والتعامل معهم بقلب طيب فإن أحببتهم أحبوك، الصدق أهم صفة للإنسان، شمات الهواء في ربوع وطننا الجميل. الزوجة الصالحة التي تحب زوجها ولا تكون « نكدية وشرانية» تطيل عمره».
ومع ذلك لا ينسى الشيخ الحلو هدم السلطات الإسرائيلية منزله ثلاث مرات، معتبرا أن هدم البيت لا يقل إيلاما عن وفاة الزوجة
«لأنني بنيته بدم قلبي وعمرته بيدي حجرا فوق حجر وتخيل أنهم هدموه ثلاث مرات والحمد لله لم استسلم لهم».
ومع أنه كتب في بطاقة هويته أنه من مواليد 1910-1913 يؤكد أن والدته كانت تقول إنه من مواليد 1912، كان يحدثنا عن طول العمر على مسامع أحبائه، وهنا تدخل أحد أبنائه قائلا إن والده يمارس الرياضة مرتين بالأسبوع مشيا على ماكنة المشي. فسألناه عن صحة ذلك فسارع أبو حسين للقول باللغة العامية ضاحكا: «لا ما ترد عليه… أنا اللي بعمل رياضة للماكنة.. وأمرنها كي لا تصدأ».
عن زواجه مرتين وعما إذا كان لذلك علاقة بطول عمره أكد أنه عدل بين زوجتيه «بالقسطاس». لكن القلب يميل لهذه أو تلك سئل، فقال وابتسامته ملء وجهه: «ما تورطنا يا زلمة بناتي وحفيداتي من الاثنتين هنا معنا فلا تشعل حربا أهلية». وتابع «على كل عرفت كيف أريح بالي ففي اليوم الأول من زواجي بالثانية جمعت الزوجتين وطلبت منهما العيش بسلام وإلا تزوجت الثالثة».
أبو حسين الذي تعاطى التدخين 50 عاما طلّق السيجارة لكنه لم يبرح قراءة الكتب والصحف، مؤكدا أنه يختم القرآن الكريم مرتين في الشهر وما زال على ذلك أحيانا من دون نظارة.
وما زال الشيخ الذي قدم جد والده من مدينة الخضيرة قبل نحو القرنين لعرابة البطوف دفعته سيرة القراءة للتعبير عن حنينه لأيام المدرسة. لضيق الحال اضطره والده لمغادرة مدرسة البداية في قريته بعد إنهاء الصف الرابع رغم أنه تنافس على المرتبة الأولى في الصف مع زميله حسين ياسين. ويمضي مستذكرا لو بقيت بالمدرسة كان صرت أنا مديرها بعدين بدلا من المرحوم حسين ياسين فهو طالب نجيب لكني كنت أتجاوزه في عدة مواضيع، بل كان المعلم يطلب مني تعليم بقية بعض التلاميذ أحيانا وكان الأستاذ شوكت دلال من مدينة عكا يشهد على ذلك لو أنه على قيد الحياة. على كل فقد استكملت تعليمي على حسابي من خلال تجاربي مع الحياة».
أبو حسين الذي لا يشاهد التلفزيون الا «مرة في السنة» يتابع أخبار الدنيا من خلال جهاز الراديو ويستقي أنباء بلدته من نادي الشباب الذي يزوره كل يوم في الصباح، لافتا إلى أنه ينام عند المساء ويستيقظ قبيل الفجر بساعتين فيقرأ حتى تحين صلاة الفجر فيؤديها وينام.

أشهى الطعام

ويوضح أنه مقل في تناول اللحوم لكنه يتعاطى كل أنواع الغذاء ويعتبر «المجدرة» أهم وأشهى الطعام ومن بعدها العسل والسمن في الفطور في المرتبة الثانية.
ألا تخاف الموت سألنا الشيخ الحلو، فقال جازما: «لا  لكنني لا أحبه وإذا صمم يزورنا فأهلا وسهلا .. ولا حول ولا قوة فهو حق. أنا أحب الحياة وحريص على إتمام واجباتي الدينية ولا أتنازل عن شمة الهوا».
ولا يكتفي بالتجوال في البلاد فقد سبق وزار مصر والأردن وتركيا وأدى فريضة الحج في السعودية. وهل أعجبتك تركيا؟، «طبعا كيف لا وهي بتعجب الباشا». وكيف نهنئك بعيد ميلادك؟.. هل نقول للمئة والعشرين يكفيك؟. فقال بلغته العامية متوددا: «الله يبارك بعمرك بس بحبحهن شوي يا أخي».

يوقد الشمعة

أبو حسين يؤكد أنه لا يشعر بالغربة أبدا ويجاري تحولات الحياة، ولا يرى أن الناس قد تغيرت للأسوأ فـ «الناس أجناس» منذ الأزل ومنهم الصادق ومنهم الكاذب ومنهم الشهم ومنهم الجبان.
يغرف من بحر ذاكرته الكثير، وحدثنا عن مشاركته بالثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936وشارك مع الثوار في منطقة طبريا وهو في فتوته. ويقول إن مختار عرابة وقتها أحمد سليم زجره عدة مرات لتسليم بندقية كانت بحوزته والعودة لبلدته لصغر سنه، لكنه ما لبث أن عدل عن موقفه حينما استشعر تصميم الفتى على مشاركة الثوار.
لم يقطع حبل الحديث مع الشيخ الحلو سوى بدء مراسم الاحتفالية بميلاده وشروعه بتقسيم كعكة كتب عليها «خمس سنوات»، و أصر أن يقدم لنا شريحة منها بيده. وعن ذلك قال ضاحكا والشموع تضيء وجهه الذي يكاد يخلو من  تجاعيد الأيام والشيخوخة: «اليوم أنهينا خمس سنوات في القرن الثاني وبقي لنا 95 عاما من القرن الثاني والحمد لله». وقبل مغادرتنا هم أبو حسين واستل حقيبته ليدفع لنا أجرتنا وهو يقول بلهجته الريفية «ما بحب أكون في محل انتقاد.. أنتو اشتغلتوا وقمتو بدوركو.. والصحافي المنيح هو معلم شعب وأنا لازم اقوم بواجبي».

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.