زيارة الملك سلمان لروسيا: هل تكون السعودية أول العائدين الى سورية؟ / د.خيام الزعبي
د.خيام الزعبي
على مدى الأسابيع الماضية أعلنت السعودية عن سلسة من التحركات بدت مفاجئة للجميع على أكثر من مستوى بشأن سورية، بدأت أولا بإعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأنه لا يمكن التوصل لحل الأزمة السورية بعيداً عن الرئيس الأسد، كما أكدت السعودية دعمها لعملية المفاوضات في أستانة ومساعدتها في إقامة مناطق خفض التصعيد في سورية وكذلك حل القضايا الإنسانية، ورغم تعدد التفسيرات حول أسباب هذه التحركات، وما اذا كان ذلك سيكون مقدمة لمراجعة ملفات معقدة مثل ملف العلاقات مع سورية، خاصة مع زيارة ملك المملكة السعودية إلى روسيا، بالتالي التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تكون السعودية أول العائدين الى سورية؟
يبدأ الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود زيارة رسمية وتاريخية غداً الخميس الى روسيا تتسم بأهمية بالغة، إذ هناك الكثير من الملفات السياسية والاقتصادية المشتركة التي تتطلب الحوار والتنسيق بين السعودية وروسيا، فهما أهم وأكبر دولتين في إنتاج النفط، وهناك رغبة لدى السعودية في توسع علاقاتها الإستثمارية والاقتصادية مع روسيا كونها تدرك أنه عبر هذا التوسع ستكون دولة يحسب لها حساب إستراتيجي على صعيد المنطقة.
ولعل الملف الأهم والأشد حساسية وسخونة هو الملف السوري، وزيارة الملك سلمان الى روسيا تأتي في اطار حسم الامور في سورية، وهذا الحسم سيكون لصالح الدولة السورية ، لأن مستقبل المنطقة وأمنها يبدأ وينتهي في سورية، وقد بذلت روسيا جهداً كبيراً لمساعدة سورية في حربها ضد الإرهاب ولإعادة السلام لهذا البلد وبلدان الجوار ، وكانت روسيا والمملكة السعودية في خندقين مختلفين في سورية خاصة مع نمو التأثير الروسي على الوضع في سورية، ولكنهما سعيتا إلى إنهاء هذه الحالة.،ومن أجل ذلك انتظرت موسكو زيارة ملك المملكة السعودي الى موسكو، ورأى المراقبون السياسيون أهمية كبيرة لهذه الزيارة معتبرين أنها تحمل رسالة واضحة بنهاية الحرب في سورية.
لا يخفى على أحد الدور السعودي في الأزمة السورية من خلال دعم وتمويل المعارضة المسلحة بكل الإمكانيات من مال وسلاح وكذلك توفير الأرضية للإعتراف بها كقوة فاعلة في الشأن السوري، واعتقدت خاطئة أن دعم الجماعات المسلحة يمكن أن يجلب لها المكاسب وتستطيع من خلالها ضرب عصفورين بحجر واحد، كالتخلص من النظام السوري على أمل تحقيق إختراق في الخريطة الإستراتيجية في المنطقة، إلا أن حسابات المملكة كانت خاطئة وانقلبت الموازين، وبدأت تتذوق الإرهاب على أيدي داعش وأخواتها، هناك تحليلات كثيرة تحدثت أن تغير السياسة السعودية التي تأتي في زمن الحروب الإقليمية المتفرقة ضد تنظيمات إرهابية، تعبر عن شعور الرياض بخطر داعش على ضوء إعادة العديد من الدول مراجعة سياساتها حيال تطورات الملف السوري، لكن هناك يقظة متأخرة لدى الرياض بعدما تمكن تنظيم داعش من التوغل في دول المنطقة، فلم تعد القاعدة أو داعش خطراً يقتصر على سورية، بل إن الأصوات بدأت تعلو من السعودية بصورة متزايدة للتحذير من وصول الحريق السوري إلى داخل الأراضي السعودية، ويرى بعض المراقبين ان النار التي أشعلتها دول الخليج وتركيا والغرب في سورية، أخذت تمتد ألسنتها اليهم، فالسعودية اليوم بدأت تدفع ثمن موقفها المساند للمجموعات المسلحة التي تسعى الى توسيع عملياتها الإنتقامية في السعودية، التي قد تتحول الى ساحة حرب جديدة خصوصا مع وجود أعداد كبيرة من الجهاديين والمتعاطفين مع التنظيم في السعودية.
اليوم وبعد اتساع رقعة الإرهاب، أجبر الكثيرون ممن دعموه لوجيستياً ومالياً على الأراضى السورية على أن يتراجعوا للوراء ويستعيدوا تصريحات الرئيس الأسد على مدار السنوات الماضية بأن “الإرهاب سيطول داعميه فى ديارهم”، هنا نقول ان الذي أملى على الغرب وحلفاؤه المراجعة هو فشلهم فيما خططوا مؤخرا، أي نجاح سورية وحلفاؤها في المواجهة، خاصة بعد نجاح الجيش السوري في إلحاق هزيمة قاسية بداعش في مدينة دير الزور التي شهدت شوارعها إحتفالات شعبية.
مجملاً…..إن كل هذه المعطيات تشير الى أن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة، ستكون شاهدة على تغييرات جذرية في ملف العلاقات السعودية السورية، لأن السعودية لا تملك خياراً سوى الدخول في معركة لضرب الإرهاب وعليها أن تتعاون مع الحكومة السورية لضرب هذه المجموعات التكفيرية التي عملت سورية على ضربها منذ البداية، وتخطئ الرياض إذا لم تتعاون مع القيادة السورية في القضاء على الإرهاب، لأنّ سورية هي البوابة الرئيسية لتصفية الإرهاب في المنطقة والعالم.
وأختم بالقول، هناك نوايا جدية للتهدئة فيما يخص المسائل والقضايا الشائكة والمعقدة بين البلدين، إلا أنها لا تحمل حلولاً نهائية لها، كما أن الفترة القادمة ستوضح مدى فاعلية هذه التحركات، وتأثيرها على إحتمالات التقارب أو التصعيد ومع هذا الإنفراج المرتقب، ستشهد المنطقة إنفراجات واسعة وتدريجية في بعض الملفات الاقليمية والدولية.
التعليقات مغلقة.