مصالحة ام مساومة على المقاومة؟ / د.نعيمه أبو مصطفى

nema-abu-moustafa-1.jpg66




د.نعيمه أبو مصطفى ( الخميس ) 5/10/2017 م …

عندما تجعل شعب يصل إلى مرحلة الاحتضار ثم تلقى إليه بشربة ماء مسممه، لا يلتفت إلى السم بداخل الماء لأنه في كل الأحوال مقبل على الموت، هكذا تم إدارة ملف المصالحة. لقد تم حصار قطاع غزة على مدار أحدى عشر عاماً بغية تركيع المقاومة الفلسطينية، قابلها فشل تام في عملية السلام. أعلن عنها أبو مازن رسميا مرارا قبل ذلك، وكان أخرها ما قاله في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه سلطة بلا سلطة، اى انه لا يمثل أي شيء سوى كلمة بدون معنى، هكذا ملف المصالحة هي كلمة بدون فعل حقيقي.

لماذا توقف ملف المصالحة خلال هذه الفترة؟ ولماذا تم التحريض على غزة وتعريضها لحرب طاحنة مع الاحتلال ثلاث مرات خلال فترة الانقسام؟ ولماذا تم معاقبة أهل قطاع غزة بقطع الكهرباء، والماء، والعلاج، ومنعهم من حرية التنقل والسفر، وقطع رواتب عدد كبير من أهل القطاع، واعتقال عدد أخر بأي تهمه لا فرق…الخ من إجراءات عقابية وصلت إلى حد إقبال الشباب الفلسطيني على الهجرة غير الشرعية هربا من موت محقق إلى موت أخر محقق؟

كل هذه الأسئلة تكمن إجابتها في كلمة واحدة وهي “المقاومة الفلسطينية”، وهي الخنجر المغروس في خاصرة الاحتلال ومعاونيه، وهي كلمة السر، والصندوق الأسود في ملف المصالحة. ليست العقبة في من يدير قطاع غزة، ومن يترأس الحكومة، ولو أنها ملفات صراع وخلاف أيضا مهمة، ولكنها اقل أهميه من ملف المقاومة والسلاح، حيث يصمم أبو مازن، والاحتلال، ومن معهم على انه لا سلاح سوى سلاح السلطة الفلسطينية، وتصر حماس والفصائل الأخرى على أن السلاح سلاحان، الأول سلاح أمن وسلطة، لضبط الشارع. والثاني سلاح مقاومة وجهاد لدحر الاحتلال. وبما أن أبو مازن ألقى سلاح المقاومة منذ أوسلو 1991، فهو لا يعترف بالمقاومة بل يجرمها ويدينها لكي يحظى بنظرة عين من الاحتلال في تسهيل مروره هو وحكومته.

تصريحات تننياهو وحكومته أيضا لا تبشر بخير، وللأسف هم أكثر وضوحا في اعلان أهدافهم من العرب. حيث أعلن نتنياهو صراحة انه (لا سلاح سوى سلاح السلطة الفلسطينية) التي تحمى الاحتلال عن طريق التنسيق الأمني، وهو نفس مطلب عباس منذ 11 عاماً.

وخرج ترامب بتصريحات مشابهه تدعم الاحتلال وتتصدى وتتوعد الدول التي ستحظر المنتجات الصهيونية، وتعهد بملاحقة وحظر حركة BDS التي تدعو إلى مقاطعة وسحب استثمارات العدو من أنحاء العالم.

وفي لسياق ذاته، ذكرتني احتفالات الإعلام المضلل المهلل للمصالحة بما كان يتم أثناء عقد مؤتمرات شرم الشيخ للسلام، حيث تبث الفضائيات على مدار عدة أيام حوارات وصور ومشاركات تمجد بهذا المؤتمر وتقدم وعود وأحلام للفلسطينيين والشعب العربي بقرب حل القضية، وانه تم عقد هذا المؤتمر لتحرير فلسطين غداً. وكل إعلامي يأخذ المشاهد إلى ارض الخيال والأحلام وتصور لتحرير فلسطين، وإنهاء الاحتلال. وما هي إلا أيام وتظهر الحقيقة لرجل الشارع العادي، وللسياسي أيضاً بأنه ماسك الهوى بأيديه على غرار أغنية الراحل عبد الحليم حافظ، وتمر السنوات ليزداد الوضع سوء، ليس على المستوى الفلسطيني فحسب وإنما على المستوى العربي والدولي أيضا.

وما هي إلا أيام وسوف تظهر مصداقية المصالحة، بسبب الملفات التي لم تحسم بجدية قبل الاتفاق ومنها الملف الأمني في غزة، وقطع وخصم الرواتب، التي لم يتم التراجع عنها حتى الآن. وإعادة أعمار القطاع، وملف الأراضي في قطاع غزة لمن اليد العليا فيها حماس أم  فتح التي جاءت بغرض السيطرة الكاملة على القطاع سياسيا وعسكريا واقتصاديا بهدف القضاء على المقاومة وتحويل غزة لضفة أخرى، تحت مسميات مختلفة لم شمل الشعب الفلسطيني، وتوحيد الصف والكلمة أمام الاحتلال…الخ من شعارات رنانة.

والسؤال هنا لماذا لا يظهر عباس حسن النية ويعلن إنهاء الإجراءات العقابية التي فرضها على القطاع؟، ويقوم بواجباته تجاه القطاع بدلا من تصريحاته المستفزة ( لا أريد استنساخ تجربة لبنان مع حزب الله)، وهذا يعنى القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزه، ونزع سلاحها، وتسليمه لعصابات الاحتلال. وانه لفخر وشرف للأمة إذا استنسخت تجربة حزب الله بدلاً من استنساخ كامب ديفيد وأوسلو هزيلة، يتلاعب بها الاحتلال كيفما يشاء.

المقاومة في غزة كانت تدعمها الدول العربية كافة، وخاصة مصر التي تحمى حدودها الشرقية من الاحتلال الصهيوني الذي سبق واحتل سيناء بالكامل، فهل ستقبل مصر مرة أخرى بحدود صهيونية على حدودها بديلاً عن الحدود الفلسطينية؟ هل ستأمن مصر والدول العربية غدر الاحتلال؟ هل سيقبل أهالي القطاع عودة الاحتلال مرة أخرى للنيل من شباب ونساء غزة كما يفعل بالضفة في ظل رعاية رئيس السلطة؟ هل يجوز استبدال المصالحة بالمساومة على الطعام والشراب وحرية الحركة وفك الحصار مقابلها الاستسلام التام للعدو وأعوانه؟

كان الأحرى بالقائمين على ملف المصالحة تحديد هذه الأمور قبل الخوض في حالة هياج إعلامي، وتهليل، وبيع الوهم للشعب الذي فقد مصداقيته في اى قيادة فلسطينية كانت أم عربية أو حتى دولية، لأنه على مدار سبعون عاما لم تحل القضية الفلسطينية ولا يوجد في الافق القريب بارقة أمل في حل اي قضية عربية لحقت بالفلسطينية لكي تحل أولى العقد العربية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.