الشراكة مع إسرائيل … البرزاني على خطى الجمُيًل/ عبدالحفيظ ابو قاعود
عبدالحفيظ ابو قاعود ( الأردن ) السبت 7/10/2017 م …
لقد اخطأ البرزاني توجيه البوصلة في الاتجاه الصحيح لرسم مستقبل الاكراد السياسي بالشراكة الاستراتيجية مع اسرائيل، لا في اختيار الجغرافيا ولا الزمان في عملية الانفصال عن العراق التي جاءت في مرحلة الاستبدال القومي لقيادة الملة ،الذي استوى سوقة بعد النصر العظيم لمحور” الهلال المقاوم ” واستكمال جبهاته وامتلاكه السلاح الاستراتيجي الكاسر مع إسرائيل وحلفائها القدامى والجدد ، فاستفتاء البرزاني … خطوة مماثلة لخطوة بشير الجمًيل في تعزيز النفوذ السياسي الماروني المسيحي في لبنان . في حين ارتكب اودغان خطيئة لا تغتفر بالانخراط في مؤامرة الحرب الكونية على سورية ومن سورية ، التي كانت نتيجتها الاولى ؛ دولة كردية في الاقليم وتقسيم تركيا والعراق .وطباخ السم يذوق طعمه .
كما ارتكب اقطاب نظام المحاصصة في العراق “زلم بريمر” خطيئة كبرى بالقبول بالدستور الاتحادي للعراق 2004، ابان الاحتلال الامريكي ، الذي تضمن الانفصال ضمنا عبر اجراء استفتاء في كردستان لضم كركوك لها ، تعزز بمشروع ” بايدن” لتقسيم العراق الى ثلاثة اقاليم ؛ شيعي .. سني و كردي . فالعملية السياسية الجارية الان لم تصحح هذه الخطيئة بنظام رئاسي يخلف نظام المحاصصة، الذي يجري تقسيم العراق بموجبه .
وهل مخرجات خطأ البرزاني بأجراء الاستفتاء خطوة اولى لتصحيح مسار العملية السياسية نحو النظام الرئاسي ، ام الى مشروع بابدن التقسيمي ؟!!!.
مشروع اقامة دولة كردية في كردستان العراق باقتطاع اراض متنازع عليها من محافظة صلاح الدين وغنية بالنفط الى اربيل؛ تمهد الطريق لاستقلال الاكراد في المناطق التي تقطنها اغلبية كردية في كل من سورية وتركيا وايران؛ كان ضمن أهداف الاستراتيجية الامنية الامريكية الاسرائيلية المشتركة لأشغال هذه الدول في حروب اقليمية لإدامة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة.
لكن الرد التركي والايراني والعراقي على المشروع كان قويا وعنيفا بالانسحاب التركي التدريجي من التحالف الدولي في الحرب على سورية ،والانخراط في تحالف ايراني تركي عراقي لتعطيل المشروع الغربي لدولة كردية ” مستقلة ” الذي اصبح في طور التكوين والتشكيل.
انفصال كردستان عن العراق لتمهد الطريق لإقامة ‘وطن قومي للأكراد’ ؛ ورقة ‘امريكية إسرائيلية ‘غير قابلة للصرف في الاسواق المحلية والإقليمية والدولية ،لان المناخ الدولي لا يحتمل تغيير الحدود في الاقليم في مخاض ولادة نظام دولي جديد متعدد الاقطاب والثقافات.
فالدور الاسرائيلي القذر في تقسيم العراق ؛ ظاهر وواضح وضوح الشمس بالتحالف الاستراتيجي مع” البرزاني” لتنفيذ الوعد بإقامة وطن قومي للأكراد ، وذلك بعد فشل الخطة “أ ” للغرب المتصهين بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لتفتيت الشرق وتدمير محور المقاومة ، بعد هزيمة المجموعات الارهابية المسلحة في سورية والعراق. سواء بالدعم المباشر وغير المباشر وبالنصيحة بفرص الامر الواقع . فالزمان الذي فرض فيه بن غوريون الامر الواقع بإقامة الكيان الاسرائيلي في فلسطين المحتلة 1948؛ كان في زمن الهزائم والاغتصاب ،غير ان الزمان الذي فرض فيئه البرزاني استفتاء انفصال كردستان عن العراق لإقامة “وطن قومي ” كردي ؛طان في زمن الانتصارات والتحرير. وشتان بين الامس واليوم .
وان البرزاني لم يقم ميزان مراجعة لحساب الارباح والخسائر لمشروع الشراكة الكردية مع إسرائيل والغرب المتصهين لتفتيت العراق في خطوته الاولى ،ولإقامة “الوطن القومي ” الكردي في خطواته اللاحقة ،واختيار الشراكة الاستراتيجية مع إسرائيل لتنفيذ مشروعة الانفصالي ليكون مصيره ؛ مصير بشير الجميل الذي انتخب رئيسا للبنان على ظهر الدبابة الاسرائيلية ابان الاجتياح الاسرائيلي للبنان لتنفيذ مشروعه الانفصالي للموارنة عن العرب واقامة مصالحة مكشوفة مع إسرائيل ، لكنه لم يدخل القصر الجمهوري في بعبدا ، فجاء الرد سريعا من احد كوادر الحزب القومي السوري باغتياله .وذهب مشروعه ادراج الرياح .
ولجوء الادارة الامريكية الى “الخيار الابعد ” لتفتيت الاقليم ” مشروع الدولة الكردية ” الكبرى في المناطق التي تقطنها الاغلبية الكردية في ايران وتركيا والعراق وسورية لأشغالها في حروب اهلية واثنية ومذهبية وطائفية لتقرير المصير؛ استهدف إنقاذ منظومة التحالف الامني الاقليمي ومسار السادات لتسوية الصراع مع إسرائيل من الانهيار الشامل .
لكن خطوة البرزاني في اجراء استفتاء انفصال كردستان في دولة مستقلة ذات سيادة ، تماثل خطوة “بشير الجميل” في لبنان ، من حيث المخرجات والمالات والنتائج والتنسيق الامني والعسكري مع إسرائيل والولايات المتحدة الامريكية .فالجغرافيا السياسية في عصر الاستبدال القومي لقيادة الملة لا توفر متطلبات الاستقلال السياسي والاقتصادي للقوميات الاثنية ومنها القومية الكردية ،الذي لم تتوافر موجباته في عصر الانتصارات وافول وانكفاء قوى الاستكبار العالمي عن التحكم بالأمم والشعوب والسيطرة على ثرواتها واستقلالها الاقتصادي والسياسي.
الخلاصة والاستنتاج ؛
الخطوة “العربية والايرانية والتركية” ، التي اتخذت صيغة تحالف لمواجهة انفصال كردستان العراق في دولة مستقلة ؛ حركة تصحيحية لخطأ تأريخي استراتيجي ارتكبه الاستعمار الغربي المتصهين في تفتيت بلاد العرب والمسلمين في سايكس بيكو وفرساي الى دول وامارات وممالك استبدادية فاسدة حكامها موالون للغرب المتصهين ،وغياب فن الحياة في حياتها الاجتماعية ، ولها وظائف في حماية المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة بعد تفكيك الامبراطورية العثمانية، لا تملك الاستقلال السياسي والاقتصادي وممنوعة من “حق المعرفة ” للمساهمة في ركب الحضارة الانسانية.
فن الحياة ” الديمقراطية ” لم تترسخ في ثقافة الحياة العامة والاجتماعية العربية بعامة والعراق بخاصة ،لان العراق خرج من دكتاتورية البعث العادلة ودخل الى دكتاتورية المحاصصة الظالمة والفاسدة ،مما يعطي العذر غير المبرر لأكراد العراق بالتوجه الى استفتاء الانفصال عن المركز بالأسلوب، الذي شاهده العالم في 25/9/2017.
تعميق علوم ثقافة “فن الحياة ” في الحياة الاجتماعية والسياسية العربية ؛ خطوة اولى في بناء الدولة المدنية الديمقراطية في اطار مشروع التكوين السياسي والتشابك الاقتصادي لمكونات قوميات الملة . حيث تبدأ العملية الاصلاحية الشاملة في محاورها الثلاث في مجالات ؛
الاصلاح العام للأنظمة، وثقافات الموروث الشعبي للقوميات “ثقافة فن الحياة “،واعتماد مبدأ المرجعية الالهية للنسق السياسي للملة.
“الوطن القومي” للأكراد حق مشروع كأحد مكونات النسيج الاجتماعي للملة ، لكن ليس بالأسلوب الذي اختاره اكراد العراق بالانفصال عن الدولة العراقية التي يرأسها “كردي” ويتمتع الاقليم بحكم ذاتي كامل ويمارسون الحقوق السياسية والمدنية في الجمهورية العراقية. لكنه لا يتحقق الا بالتوافق والانسجام مع القوميات الاخرى ضمن مشروع التكوين السياسي والتشابك الاقتصادي للملة في نظام دولي جديد متعدد الاقطاب والثقافات .
فتطور الموقف التركي من الانسحاب التدريجي من حلف شمال الاطلسي والتنسيق الامني مع الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل الى التحالف مع ايران والعراق وسورية واعادة العلاقة مع روسيا ؛ شكل صدمة كبرى للتحالف الدولي ضد سورية لانفراط منظومة التحالف الامني الاقليمي وانهيارها ومقدمة لإقامة منظومة دولية لإرساء مرتكزات نظام دولي متعدد الاقطاب والثقافات يخلف النظام الدولي القائم الذي وجد لتنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة بالأساس الذي عبر عنه ما يزيد عن (60) فيتو امريكي ضد الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني غير القابلة للتصرف ، مقابل (8) فيتو روسية لحماية الدولة الوطنية السورية ، ناهيك عن الدعم المباشر وغير المباشر للكيان الاسرائيلي للتفوق العسكري والاقتصادي على العرب والمسلمين مجتمعين ، وان تكون إسرائيل تحت المظلة النووية الأمريكية ،بحيث لا تقهر، وان يحجب الغرب المتصهين عن الملة والامة حق المعرقة في امتلاك تقانيه الناتو لامتلاك الخيار الاستراتيجي الى ان تمكنت الجمهورية الاسلامية الايرانية من امتلاك هذا الخيار الاستراتيجي الكاسر، واصبحت عضوا بالمنتدى الدولي النووي بعد الاتفاق مع 5 +1.
لقد تورط “البرزاني” بأجراء الاستفتاء بالانفصال عن العراق لإقامة دولة كردية في اقليم كردستان تمهد الطريق ل”وطن قومي” للأكراد في الاقليم !!!. رب ضارة نافعة في الجيو سياسية في حالة العراق لتصحيح خطأ تاريخي للانتقال الى النظام الرئاسي لانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة . فالاستعجال في عملية الانفصال عن العراق ، ليس في صالح الاكراد ،لان اللحظة التاريخية لإقامة “وطن قومي” للأكراد في الاقليم لم يحن وقتها بعد ،ولم تتوافر عناصر متطلباتها ، لان مواقف الغرب المتصهين من قيام دولة عربية مستقلة في فلسطين المحتلة ، متباينة ،هو ؛ ذات المواقف من” الوطن القومي” للأكراد في الاقليم ، يكون بالعودة الى ادارة مدنية ذاتية دائمة في كردستان العراق “اربيل ما حولها” بدلا من الحكم الذاتي الكامل.
فالخطوة التي اقدم عليها البرزاني عبر الاستفتاء لإعلان الانفصال عن العراق غير المحسوبة تحتاج الى سلسلة خطوات متلازمة ، لان مقدماتها ؛جاءت عبر وعد بريمر بدستور العراق 2004 ،بإقامة “وطن قومي ” للأكراد عبر الاستفتاء بالذكرى المئوية لوعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، فالعراق لا تقبل القسمة على اثنين ، كما ان فلسطين لا تقبل القسمة على اثنين. قابلتها خطوة سريعة من ايران وتركيا والعراق معاكسة لها في الاتجاه والتأثير.
*صحافي ومحلل سياسي
التعليقات مغلقة.