مقاومة “الأبرتهايد” والعنصرية الصهيونية / د.فايز رشيد

 

 

د. فايز رشيد ( فلسطين ) الخميس 19/3/2015 م …

شهر مارس  من كل عام وأسبوعه الثاني تحديدا مخصّص لمقاومة  “الأبرتهايد” وبالطبع على رأس هذه الظاهرة الكريهة :الكيان الصهيوني. نعم الأنظمة العنصرية كما الأخرى الدكتاتورية , تصل إلى مرحلة من الاشباع في عنصريتها بعد استنفاذ كل ما تستطيعه من وسائل وقوانين عنصرية ضد فئات معينة فيها،إلى الحد الذي تبدأ فيه اختراع وسائل وقوانين جديدة حيث تكون هي السبّاقة فيها،على مستوى التاريخ،إذْ لم يسبقها أحد في كل مراحله إلى الإمساك بهكذا قوانين،حيث يجوز توصيف هذه الأنظمة والحالة هذه:بأنها أصبحت في مرحلة جديدة: ما بعد الظاهرة المعنية ,ألا وهي العنصرية،أي بمعنى آخر:في مرحلة ما بعد العنصرية،وهذا توصيف جديد للعنصرية الصهيونية. 

إسرائيل خير تمثيل لهذه المرحلة،فقد تفوقت على كل الأنظمة الشبيهة في التاريخ في عنصريتها،لذا وعن جدارة تحتل المرتبة الأولى في مرحلة:ما بعد العنصرية.في الكيان الصهيوني ووفقاً للمنظمة المعنية بحقوق(الأقلية العربية):عدالة, فإن هناك 20 قانوناً تمييزياً تتحدث بشكل واضح عن التمييز ضد الفلسطينيين العرب في المنطقة المحتلة عام 1948،تسمى”قوانين أساس”بدلاً من الدستور. 12 منها تنص بشكل مباشر على التمييز،أما الثمانية الأخرى فهي غير مباشرة في عنصريتها،لكن المقصود من بين سطورها هو:ممارسة العنصرية ضد أهلنا هناك.إسرائيل ومنذ إنشائها في عام 1948 وحتى عام 2010 سنّت إسرائيل 32 قانوناً تمييزياً.أما في العامين 2011-2012 فقد قامت بتشريع 8 قوانين عنصرية ومنها:منع فلسطينيي 48 من إحياء ذكرى النكبة،وحق وزير الداخلية الإسرائيلي من سحب الجنسية من العرب،وغيرها وغيرها.وفي عامي 3013-2014سنّت خمسة قوانين. في الكنيست القادمة بعد الإنتخابات الحالية(الدائرة الآن)سيجري سن المزيد منها.

ليس مصادفةً أن يطلب نتنياهو والقادة الإسرائيليون الآخرون من الفلسطينيين والعرب الاعتراف”بيهودية إسرائيل”،وذلك لأخذ المبررات الكاملة مستقبلاً للتخلص من فلسطينيي منطقة 48 بكافة الأشكال والطرق،المعروفة منها والمجهولة ,والقيام خلال مرحلة الاعداد للترانسفير, بحصارهم قانونياً من خلال أدلجة العنصرية وقوننتها ,لخلق وقائع حياتية تصعّب من معيشتهم ,لدفعهم البحث عن حلول منها:الهجرة إلى الخارج.

التمييز في إسرائيل ضد العرب يطال:حقوق المواطنة،الحقوق السياسية،التعليم،البناء والسكن،سلب الأراضي العربية ومصادرتها بكافة الوسائل والسبل،توزيع الموارد وميزانيات مجالس القرى والبلديات،الحقوق الدينية وغيرها،وغيرها.من الملاحظ:أن القوانين العنصرية والممارسات التمييزية ضد العرب تتناسب بشكل طردي مع مضي السنوات على إنشاء الكيان الصهيوني،هذه هي الحقيقة الأولى.أما الحقيقة الثانية التي هي ليست بعيدة عن الأولى فهي:التناسب الطردي بين العمر الزمني للكيان وسيطرة الاتجاهات الأكثر تطرفاً على الحكم فيه بكل ما يعينه ذلك من تداعيات:العدوانية،المجازر ضد الآخرين،الفوقية والاستعلاء،اعتماد الأسس والمبادئ التوراتية الصهيونية في التأسيس للعنصرية من خلال تشريع القوانين.ليس صعبا على المراقب أن يلاحظ وبلا أدنى شك أن جملة التطورات التي حدثت على الصعيدين الرسمي والاجتماعي في المدى المقارب لما يقارب السبعة عقود زمنية منذ الإنشاء، تتلخص في الجنوح مزيداً نحو اليمين. ذلك أن الايديولوجيا الصهيونية، ذات الجذور التوراتية، ما زالت هي الأساس والمنبع للسياسيات الإسرائيلية في المناحي المختلفة.

أي أننا أمام صورة أبقت على المضامين المختلفة التي جرى تشريعها ما قبل وعند إنشاء الدولة، كأهداف إستراتيجية ومنها تلك التي ما زالت تطرح في الإطار الشعاراتي: مثل، يهودية الدولة وعقيدة الأمن الإسرائيلي. أما بعض الأهداف الإستراتيجية الأخرى فقد بقيت تحمل نفس المضمون ولكن مع اختلاف بسيط في نمطية الشعارات المطروحة لتحقيقها مقارنةً مع مثيلاتها لدى ترسيم ولادة الدولة. هذه الشعارات أخذت تبدو وكأنها أكثر مرونة، لكنها المرونة التكتيكية التي لا تتعارض مع الجوهر، بل هي تتواءم وتصل حدود التماهي معه، ولكن مع الحرص على إعطائها شكلاً انتقالياً جديدا للتحقيق، وذلك لاعتبارات سياسية وأقليمية ودولية تحتم هذا الشكل الانتقالي، ولكن على قاعدة الاتكاء على ذات الايديولوجيا. فمثلاً، فإن الهدف في إنشاء دولة إسرائيل الكبرى، والذي كان مطلباً ملحاً ما قبل وعند إنشاء الدولة، أصبح مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة ضمن موازين القوى السياسية الدولية الحالية  … وبالتالي فان السيطرة تحولت من الشكل المباشر عبر الاحتلال إلى شكل آخر غير مباشر وهو السعي لتحقيق ذات السيطرة من خلال السيادة والهيمنة والتحكم الاقتصادي (على سبيل المثال)، ولذلك فإن هذه الخلفية أصبحت تتحكم في النظرة الإسرائيلية، إن على صعيد رؤية إسرائيل لذاتها كأهم دولة في المنطقة أو على صعيد العلاقة مع الدول العربية والإقليمية، والقائمة أيضاً على نظرية السيادة والتسيّد المطلق.

 

في نفس السياق، يأتي التعامل الإسرائيلي مع الفلسطينيين وقضيتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالولوج إلى شكل توافقي يحقق الهدف الاستراتيجي في “الدولة اليهودية” دون الاصطدام مستقبلاً بالقنبلة الديموغرافية التي يشكلونها مستقبلاً.إن الذهنية الاسرائيلية فيما يتعلق بالحكم الذاتي، والذي يتم تقديمه من خلال مشاريع “سلامية” وتحت مسميات مختلفة، كلها تضمن لإسرائيل السيادة الفعلية على نصف أراضي الضفة الغربية والقطاع، وتبقي السيادة الإسرائيلية حتى لو جرت تسمية شكل الحكم في هذه المناطق بـ “الدولة” أو “الإمبراطورية”! وذلك لن يغير الواقع الفعلي في شيء. فالإسرائيليون هم المتحكمون في سماء هذه الارض ومعابرها الحدودية، وما تحتها (منهم يعتقدون أن لهم حقوقاً أساسية في المياه الفلسطينية.أما بالنسبة لكيفية التعامل الإسرائيلي مع فلسطيني الخط الاخضر، والتي تعتبرهم إسرائيل (مواطنيها)، فإن سبعة وستين عاما من وجود الدولة لم تكن كافية لان يحصل العرب على حقوقهم وان يتساووا مع اليهود. بل ارتفعت هذه العنصرية الممارسة تجاههم

هذه التربية ليست قادرة على إنتاج سوى المزيد من المفاهيم اليمينية والدينية المتطرفة، ولذلك ليس من الصدفة بمكان ازدياد حجم المقاعد التي تحققها أحزاب اليمين الديني، واليمين الفاشي في الانتخابات التشريعية للكنيست مرة بعد اخرى ـ وأصبحت قادرة على فرض المزيد من تعاليمها في الحياة الإسرائيلية اجتماعياً وسياسياً.

إن المؤسسة الأخرى التي تحكم في الواقع الإسرائيلي، هي العسكرية(إلى جانب المؤسسة الدينية) التي أيضاً تفرض على الواقع السياسي الإسرائيلي حقائقها. ففهم إسرائيل من الداخل مسألة أساسية، ليست فقط لطبيعة أهمية معرفة العدو، وإنما أيضاً لتحديد الملامح الإستراتيجية والتكتيك السياسي العربي في التعامل مع مجمل الأهداف والسياسات، والإمكانيات الفعلية للحدود التي قد تصل اليها إسرائيل في أية تسوية، سواءً مع الفلسطينيين أو مع الدول العربية.لقد اتخذت الأمم المتحدة قراراً”باعتبار الصهيونية عنصرية وشكلاً من أشكال التمييز العنصري”.القرار الوحيد الذي جرى إلغاؤه في تاريخ الأمم المتحدة بضغوطات كبيرة من الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما,  هو هذا القرار بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية.الإلغاء لا يعني عدم صحة القرار الأول فتاريخ إسرائيل ملئ ولا يزال بالمظاهر العنصرية وملئ أيضاً بالتعاون مع الأنظمة العنصرية والدليل:العلاقات الإسرائيلية-الجنوب إفريقية إبّان مرحلة الفصل العنصري،فقد بلغت هذه العلاقة أوجها آنذاك.

كما الإرهاب , فإن العنصرية تتطور في إسرائيل مثلما أيضاً يتطور اليمين الإسرائيلي والأحزاب الدينية واليمينية الفاشية, والدليل هو زيادة عدد مقاعد هذه الأحزاب بين انتخابات تشريعية وأخرى،وهي جزء من الائتلاف الحكومي الحالي في إسرائيل بزعامة نتنياهو.

يبقى السؤال الأبرز:هل يمكن إقامة سلام مع هذه الدولة الإرهابية العنصرية؟مستحيل.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.