سلاح السلطة وسلاح المقاومة.. الشرعية لمن؟ / د. وليد القططي

 د. وليد القططي ( الثلاثاء ) 10/10/2017 م …




بعد اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس الأخير في القاهرة وفي إطار تعكير جو التفاؤل الذي تلاه تعالت بعض الأصوات التي تتحدث عن سلاح المقاومة باعتباره سلاحاً غير شرعي وأن السلاح الشرعي الوحيد هو سلاح السلطة منادية بتوحيد السلاح الفلسطيني تحت مظلة السلطة. لو كان المقصود بذلك إثبات شرعية سلاح السلطة مقابل سلاح الفلتان الأمني والصراعات العائلية والعصابات الإجرامية والإرهابيين التكفيريين وقطاع الطرق واللصوص فلا شك في شرعيته، أما إذا كان المقصود بذلك نزع شرعية سلاح المقاومة فالأمر بحاجة إلى مناقشة.

مفهوم الشرعية من الناحية السياسية يعني “إضفاء الصفة القانونية على شيء ما” أي المرجعية القانونية التي يستند إليها شيء ما، وفيما يخص السلاح فهو يكتسب شرعيته من الجهة التي تمسك به من حيث مدى شرعيتها القانونية وشرعية أهدافها التي تسعى لتحقيقها وشرعية الوسائل التي تتبعها لتحقيق هذه الأهداف، فإن كانت شرعية فسلاحها شرعي، وإن كانت غير شرعية فسلاحها غير شرعي، وهذا ينطبق على كل من السلطة الوطنية الفلسطينية ككيان سياسي وعلى المقاومة سواء المنظمة في أُطر ومجموعات مقاومة أو غير المنظمة بمبادرات شعبية أو حالات فردية.

السلطة الوطنية الفلسطينية بعيداً عن التقييم السياسي والوظيفي والوطني، وبغض النظر عن الخلاف القانوني حول شرعية التمديد لرئيسها أو مجلسها التشريعي وبالرغم من المعارضة الفصائلية والشعبية العريضة لها  فإنها قد اكتسبت شرعيتها من اتفاقية أوسلو الموقعة في سبتمبر 1993 في واشنطن بين منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها ممثلاً عن الشعب الفلسطيني وبين الحكومة الإسرائيلية بصفتها ممثلاً عن دولة (إسرائيل)، وهي اتفاقية ثنائية برعاية وتأييد دولي، كما اكتسبت شرعيتها من قرار (المجلس المركزي الفلسطيني) لمنظمة التحرير الفلسطينية في أكتوبر 1993 في تونس، ثم اكتسبت شرعيتها الانتخابية من الانتخابات الرئاسية التشريعية عام 1996 وفق بنود اتفاقية أوسلو، والانتخابات الرئاسية الفلسطينية عام 2005 بعد وفاة الزعيم الراحل ياسر عرفات، ثم الانتخابات التشريعية عام 2006 وهي آخر الانتخابات.

أما المقاومة الفلسطينية فقد اكتسبت شرعيتها من وجود المحتل نفسه على الأرض الفلسطينية والحق الطبيعي والإنساني والديني والوضعي والوطني في مقاومة المحتل والعمل على طرده من الأرض المحتلة، وهو حق يستند إلى حقين طبيعيين للشعوب وهما حق الدفاع عن النفس وحق تقرير المصير، ولذلك فقد أيدته كل المواثيق الدولية وأحكام القانون الدولي الذي أعطى الحق لسكان الأراضي المحتلة في الثورة على سلطات الاحتلال ومقاومتها كما هو واضح من اتفاقية لاهاي 1907 واتفاقية جنيف 1949 ومبادئ محكمة (نورمبرغ) لمحاكمة مجرمي الحرب وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تنص الكثير من قراراتها على حق الشعوب في الحرية والدفاع عن النفس وتقرير المصير والتحرر من الاستعمار ومقاومة الاحتلال، إضافة إلى قرارات منظمات المؤتمر الإسلامي دول عدم الانحياز والوحدة الأفريقية والجامعة العربية وغيرها.

وفي بحث حول شرعية الثورة في الفلسفة السياسية يقول الدكتور محمد طه بدوي أستاذ القانون العام الأسبق في جامعة فؤاد الأول (القاهرة) “إن مقاومة الفرد للجور ما هي في الواقع إلا مظهر من مظاهر مباشرة ذلك الحق الطبيعي – حق الدفاع عن النفس – إنه حق طبيعي ينشأ للفرد لمجرد كونه إنساناً وليس ثمة سلطة تملك أو تستطيع نزعه منه لأنه من مقوّمات الإنسانية نفسها… سواء أقر هذا القانون وجوده أو أنكره” وبالتأكيد ليس هناك جور أكبر من جور الاحتلال وخاصة الاحتلال الصهيوني لفلسطين ذو الطبيعة العسكرية الاستيطانية الإحلالية العنصرية فلا مجال للمطالبة بنزعه طالما أن الاحتلال لا زال جاثماً على الأرض الفلسطينية يعيث فيها قتلاً وتدميراً وإفساداً، خاصة وأن سلاح المقاومة هو سلاح الثورة الفلسطينية منذ أول طلقة رصاص أو طعنة سكين أو رمية حجر أو هتاف غضب أو مظاهرة احتجاج… إنه سلاح عزالدين القسام وعبدالقادر الحسيني وياسر عرفات وخليل الوزير وفتحي الشقاقي وأحمد ياسين وأبو علي مصطفى وكل الثوار والشهداء الذين مضوا على درب التحرير والعودة والاستقلال.

وبناء على ما سبق فإن سلاح الثورة والمقاومة يمتلك شرعية أسبق وأعم وأكبر من سلاح السلطة، ومن الأفضل تنظيم الشرعية بدلاً من تنازعها في إطار الحوار الوطني للتوصل إلى توافق وطني يحدد مهام كل منهما ويحفظ سلاح المقاومة نظيفاً وبعيداً عن استخدامه في الصراعات الداخلية والنزاعات العائلية والاستقواء به على مخالفة القوانين وإرهاب الآمنين، وضمان عدم وصوله لأيدي العابثين والمستهترين من أصحاب مشاريع الفتنة التي ضربت لعنتها دول (الربيع العربي)، وأن يخدم إستراتيجية التحرير الشاملة لفلسطين. وفي المقابل فإن شرعية سلاح السلطة تتأكد في نجاحه في منع الفلتان الأمني والنزاعات العائلية، وحفظ القانون والنظام العام، وتحقيق الأمن والاستقرار للمجتمع الفلسطيني، وتوفير بيئة آمنة للعمل والإنتاج والإبداع في المجتمع. وبدون تحقيق ذلك من تنظيم الشرعية بين السلاحين فيبقى الأصل لشرعية سلاح المقاومة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.