عشية ذكراها الرابعة… الأزمة السورية بين تصريحي كيري وكارتر / د.ابراهيم علوش

 

د.ابراهيم علوش ( الأردن ) الجمعة 20/3/2015 م …

تصريح وزير الخارجية جون كيري الأحد الفائت أن الولايات المتحدة على استعداد للتفاوض مع الرئيس بشار الأسد من أجل الوصول لحل سياسي للأزمة ربما يبدو إشارةً مناقضة لإصرار الإدارة الأمريكية على إطالة أمد الصراع، سواء من خلال فتح معسكرات لتدريب العصابات المسلحة في الدول المجاورة لسورية، أو من خلال الإعلان الأسبوع الفائت عن حزمة جديدة من “المساعدة العسكرية غير القاتلة” بقيمة 70 مليون دولار لـ”المعارضة السورية”.  غير أن المهم في تصريح كيري، في الواقع، ليس التلميح للاستعداد للتفاوض مع الرئيس الأسد، وهو ما أكد موظفون كبار في وزارة الخارجية الأمريكية أنه لا يعني قيام الولايات المتحدة بفتح محادثات مباشرة مع الرئيس الأسد، ولا يمثل تحولاً في السياسة الأمريكية، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” في 15 آذار 2015، إنما المهم في تصريح كيري هو العودة الى نغمة “لا حل عسكرياً في سورية، ولا بديل عن الحل السياسي”، الذي يعني فعلياً: لا خيار إلا التفاوض مع القيادة السورية، سواء تمخض ذلك عن محادثات أمريكية مباشرة مع القيادة السورية أم لا…

لقد كان شهري أيلول وتشرين أول 2013 المرة الأخيرة التي صدح فيها كيري بنغمة “لا حل عسكرياً في سورية” في سياق التهديدات الأمريكية بتوجيه ضربات جوية قاصمة لسورية، لذلك كان معنى الحديث الأمريكي عن “الحل السياسي” وقتها: استسلموا، وإلا سنهاجمكم!  وقد فشل ذلك الرهان فشلاً ذريعاً كما نعلم.  أما اليوم فإن الحديث الأمريكي عن الحل السياسي في سورية، في سياق أولوية قتال داعش، ومحادثات النووي مع إيران، وانتصارات الجيش العربي السوري في أرياف درعا والقنيطرة  وحلب ودير الزور ودمشق ومنطقة القلمون، يعني إقرار الإدارة الأمريكية بأن القيادة السورية تبقى الرقم الأصعب الذي لا يمكن تجاوزه في الأزمة السورية.

غير أن مثل ذلك الاعتراف، في الذكرى الرابعة للأزمة السورية، لا يعني أن الإدارة الأمريكية على وشك التسليم فوراً بحل سياسي ينهي الأزمة ويعيد لربوع سورية السلام، بما يشبه إعلان الاستسلام والفشل المريع نهائياً في تعاملها مع الملف السوري، فلا بد من أوراق تلعبها لتحسين شروط تراجعها، ولا بد من إنقاذ ماء وجهها وماء وجه حلفائها الإقليميين الذين تقض مضاجعهم مفاوضات النووي مع إيران وما يبدو أنه استعداد إدارة أوباما للتعايش مع الدور الإقليمي لإيران.

تصريح وزير الدفاع الأمريكي الجديد أش كارتر أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي الأسبوع الفائت، تعليقاً على تفويض الثلاث سنوات الذي طلبه الرئيس أوباما لقتال داعش، بأنه “لا يستطيع أن يضمن” بأن المعركة مع داعش سوف تنتهي في ثلاث سنوات، يرسل مثلاً إشارة واضحة حول ما تضمره الإدارة الأمريكية لمستقبل الأزمة في سورية، خاصة أن وزير الدفاع كارتر كان يتحدث وبجواره وزير الخارجية جون كيري، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، وأن خطة التفويض المقترحة لا تتضمن وضع قوات أمريكية على الأرض، أي أن المطروح أمريكياً هو إطالة أمد الأزمة السورية ثلاث سنوات أو أكثر بقوى غير أمريكية!

المشروع الأمريكي-الصهيوني، كما أشرت في عدة مناسبات سابقة، هو محاولة استنزاف سورية وتفكيكها وتدميرها، ما دام مشروع “إسقاط النظام” قد فشل، وما دام فيضان داعش عبر سورية باتجاه العراق قد خلق أولوية غربية جديدة هي في الواقع احتواء داعش وتوظيفها لتبرير الدور الأمريكي في الهلال الخصيب، لا القضاء عليها قضاءً مبرماً.  المستفيد من هذه الاستراتيجية يبقى الكيان الصهيوني أولاً، وحلف الناتو المعني أيضاً باستنزاف حلفاء سورية على طول جبهة واسعة ومتعددة المستويات، من أوكرانيا إلى سورية، ومن حلبة العقوبات إلى حلبة تخفيض أسعار النفط وما يستتبعه ذلك من ضغوط انكماشية على اقتصادي روسيا وإيران.

تدرك الولايات المتحدة جيداً أن العصابات المسلحة في سورية مشتتة ومتناحرة وأنها لا تستطيع تبني المشروع السياسي لقواها الأساسية مثل داعش والنصرة، أمام المواطن السوري أو أمام المواطن الأمريكي أو الغربي، وتدرك أن ما يسمى “الجيش الحر” والزمر التي تعتبرها من عظام الرقبة لا تتحمل “غلوة واحدة” مع الجيش العربي السوري أو حتى القوى التكفيرية مثل داعش والنصرة، لكنها تحتاج لأدوات إرهابية تتيح لها إطالة أمد الأزمة في محاولة لابتزاز القيادة السورية على شروط الحل السياسي، وفي السعي  لاستنزاف القدرات الدفاعية والبنية التحتية السورية لمصلحة العدو الصهيوني لآخر لحظة ممكنة إذا لم ينجح مشروع تفكيك سورية (والإقليم).

بعد أربع سنوات على بدء الأزمة السورية، لقد بات من الواضح أن عوامل استمرارها خارجية، خليجية وتركية وناتوية، لا داخلية، وأن إيقاف دعم الإرهاب وتمويله من قبل هذه القوى القائمة عليه قد ينهي الأزمة السورية في أشهر قليلة، إن لم نقل أسابيع… ورغم الجروح كلها والآلام التي يعانيها الشعب السوري، فإنه راح يستمد قدرته على الصمود والاستمرار من قلب الدمار والدماء ليحلق كالعنقاء في فضاء تحدي التاريخ.  تلك هي عظمة ذلك الشعب.  والذين راهنوا على تدمير سورية لم يضعوا في حساباتهم مثل هذه الروح.  ولم يضعوا في حسابهم أن في سوريةً حماةً لا تهزهم النائبات ولا توهن عزمهم الريح الصفراء، وأن قاسيون لن تعلوَ فوقه إلا راية الوطن.  لم يدرك من أرادوا حفر قبر سورية أنهم كانوا يحفرون قبورهم بأيديهم، وها هم عشية الذكرى الرابعة للأزمة بدأوا يستوعبون أنهم جمعوا خلاصة العفن التكفيري من أقاصي الأرض وراكموها على أبواب دورهم وأن قاذوراتهم سوف تلتهمهم، لكنهم بدأوا  يستوعبون أخيراً أن سورية لن تكون لهم أبداً لأن فيها أسوداً، وفيها الجيش العربي السوري…  

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.