ما وجوه العدوان الأميركي الراهن وكيفية الرد عليها؟ / د. أمين محمد حطيط

 

د. أمين محمد حطيط* ( لبنان ) الثلاثاء 10/10/2017 م …




لم يعد بمقدور اميركا رغم ما تملك من قوة الخداع والتعمية، التغطية على سياستها العدوانية التي تستهدف الآخر أياً يكن هذا الآخر، وكذلك لم يعد بمقدورها خداع أحد بما تقوم به ضد الشعوب والدول خدمة لمصالحها الانانية.

او احيانا خدمة لمصالح من ترى فيهم او تصفهم بالشريك او الحليف الاستراتيجي، رغم اننا لا نثق ولا نصدق بان لأميركا شركاء أو حلفاء فكل من تتعامل معه اميركا تنظر اليه بعنوان من اثنين اما تابع ملحق او عدو وخصم مستهدف حتى يتبع ويلتحق.‏

وبهذه النظرة صنفت اميركا دول وشعوب منطقة غرب آسيا فكان من الادوات من وضعت في مقدمتها ما يسمى الدول العربية الخليجية، ومنهم الاعداء وعلى رأسهم إيران وسورية وحزب الله، القوى التي انتظمت في محور المقاومة لسياسة الاستتباع والاستعمار والاغتصاب التي تمارسها اسرائيل واميركا معا ضد المنطقة.‏

وفي هذا السياق وبعد ان اخفقت اميركا طوال 7 سنوات من اخضاع سورية ومحور المقاومة، وعجزت حربها الارهابية عليهم من تحقيق اهدافها الاستراتيجية في المنطقة يبدو ان اميركا تتجه الان الى اعتماد سياسة انتقام وضغط مركب تهدف منه الثأر لفشلها أولاً ومنع الاطراف المقاومة من استثمار نجاحها في منع العدوان من تحقيق اهدافه ثانيا، ثم امتلاك اوراق ضغط تمكن اميركا من الدخول طرفا في تسويات سياسية هنا وهناك من شأنها التعويض على خسارتها في الميدان.‏

وهنا يطرح التحدي الكبير على محور المقاومة وحليفته روسيا، تحدٍ فيه السؤال: كيف يكون الرد على اميركا لمنعها من ان تحقق بسياسة الانتقام والضغط المركب ما عجزت عن تحقيقه في الميدان بالإرهاب والعقوبات المتعددة؟‏

ان مقاربة هذا الامر تبدأ أولاً من تحديد ما تقوم به اميركا ضد الاطراف المستهدفة، وهنا نرى ان المستجد او المتجدد في السياسة الاميركية حيالهم يتمثل بتهديد ايران بإلغاء الملف النووي او انسحاب اميركا من الاتفاق الدولي حول ما سمي «الملف النووي الايراني» مع ما يعني عودة الى سياسة العقوبات والحصار وحجز الاموال الايرانية الخ… إضافة إلى التعامل بكيدية واستفزاز للحرس الثوري. وبالنسبة لحزب الله، يبدو ان السلوك الاميركي قائم على فرعين: الاول مالي والثاني سياسي، وبمقتضى الاول تتخذ اميركا التدابير التي تدعي بأنها تجفف مصادر حزب الله المالية ما سيؤدي حسب زعمها الى التضييق عليه وتراجع قدراته العسكرية، والثاني الضغط السياسي الذي يؤدي الى حرمان حزب الله من الحلفاء والاصدقاء والمؤيدين داخليا وخارجيا ما يؤدي بزعم اميركا الى ضموره وضعفه.‏

أما سورية فان السياسة الاميركية الراهنة تبدو في 3 اتجاهات: الاول تأخير اتمام المعركة ضد الارهاب الى الحد الاقصى الممكن، ولأجل ذلك اسقطت اميركا كل الأقنعة التي اختفت خلفها او اخفت بها علاقتها الاستراتيجية والبنيوية مع داعش وباتت اليوم في وضع من يقود داعش ويحدد له علانية مهامه ويسنده في التنفيذ، والثاني يقوم على تشجيع الاكراد السوريين في مسارهم الانفصالي، والثالث عرقلة العملية السياسية على اتجاهيها في آستنة وجنيف على حد سواء مع التظاهر الكاذب بالحرص على العمل السياسي حلاً للأزمة السورية . وتبقى روسيا التي لها نصيب وافر من الكيدية والاستفزاز الاميركي الذي يعرقل السياسية الروسية في سعيها لإيجاد الحل للأزمة السورية وللحرب على الارهاب بشكل عام.‏

هذا ما تقوم به اميركا راهنا ويضاف الى الكثير من الاعمال العدائية والكيدية السابقة التي يحفظها المتابع عن ظهر قلب، وهنا نعود الى السؤال الرئيسي: هل ستكتفي اميركا بما تصنع الان، وهو ما يستوجب صياغة الردود والمواجهة على هذا الاساس؟ إما أن في الأمر ما تخفيه وما يستوجب الاحتياط والحذر منه؟‏

في دراسة لما يمكن لأميركا صنعه في ظل الوضع السائد نكاد نقول ان اميركا باتت في خياراتها في منطقة ضيقة للغاية ولم يعد بمقدورها التصعيد للذهاب للحرب المباشرة وفتح الجبهات وارسال الجيوش، فالحالة الذاتية الراهنة لأميركا تمنعها من اي مغامرة عسكرية ضد اي كان خاصة إذا كان الطرف المستهدف يملك قوة ميدانية تمنع اميركا من حسم المعركة ضده في مرحلة اولى ثم ينزل بأميركا خسائر تجعل ثمن العدوان باهظا. وبالتالي نقول: لو كانت اميركا جاهزة لحرب في غرب آسيا او في شرقها لكانت فعلت في العام 2013 او كانت شنت العدوان على كوريا الشمالية التي حطمت بتحديها النووي الهيبة الاميركية وسفهت كل ما صدر عن ترامب من تهديدات.‏

فأميركا المقيدة في موضوع شن حرب وفتح جبهات الجيوش التقليدية تناور في المواضيع التي ذكرت ما يفرض مواجهتها ومنعها من الحصول على المكاسب التي تبتغيها، وأهم ما في الرد المعول عليه ومن قبل الجميع فرادى ومجتمعين هو التصرف بشكل يوحي لأميركا انها لن تكون لها الهيبة التي تصرفها نفوذا وتسيلها مكاسب مهما كانت أنواع تلك المكاسب وحجمها فيجب ان تشعر اميركا ان من قدم التضحيات وصمد وانتصر لن ينقاد او يرضخ لها مهما ضغطت ومارست الاعمال الانتقاميةضده. اما في التفصيل فنرى:‏

1- أن ما يقوم به حزب الله من عدم اكتراث بالعقوبات الأميركية والتضييق المالي او محاولة الحصار السياسي عليه، ان ما يقوم به في هذا الصدد ومع الاستمرار في الخط البياني التصاعدي لتراكم القوة العسكرية وممارستها على قاعدة « نكون حيث يجب ان نكون»، ان في ذلك من الرد ما يكفي لإشعار اميركا ان اعمالها العدائية ضد الحزب ستكون جوفاء بذاتها، ولن تغير من مسار الحزب في شي. ويبقى على جمهور لمقاومة واجب الالتفاف عليها وتحصينها امر لا بد منه حتى تشعر اميركا ان الحزب لن يتألم من تصرفها وان تدرك ان شيئا من أوضاع الحزب لن يتغير.‏

2- اما إيران فان سياسة الحزم التي تبديها حيال التهديدات لأميركية والبدع التلفيقية ضدها، توحي بانها وضعت لكل احتمال من احتمالات التصرف الأميركي حلاً، فإن بقيت اميركا في دائرة التلويح بالإلغاء والتهديد به من اجل الابتزاز تستمر إيران بالرد بالطريقة نفسها دون خضوع او استجابة وهذا ما يفهم من موقف الحرس الثوري الإيراني الذي يبطن تهديدا شديدا جدا ضد الكيد الأميركي، وان الغت اميركا او خرجت من الاتفاق النووي كليا فان إيران لا يمكن ان تتعامل مع الموضوع جزئيا، لان الاتفاق ينفذ كله او يسقط كله وعلى الأمم المتحدة ومجلس الامن التصرف حيال الإصغاء ان سياسة العين الحمراء هي الدواء المناسب للصلف الأميركي.‏

3 – وتبقى المواجهة الأساسية الدائرة في سورية مع المحور ككل ومع روسيا الحليف، له مواجهة تتركز بشكل خاص في وسط المنطقة الشرقية على الحدود مع العراق ما بين التنف ودير الزور، حيث تنظر اميركا الى المنطقة هذه بانها الورقة الأخيرة التي يمكن ان تلعبها في سورية. وهي بالفعل تناور فيها على وجوه ثلاثة: الأول الاحتفاظ بمنطقة في محيط التنف لتمكين داعش من القيام بعمليات إرهابية بقصد العرقلة والتأخير ومنع الجيش العربي السوري من الاستقرار في مناطق استعادها في البادية، والثاني في مثلث دير الزور البوكمال الحدود العراقية لمنع الجيش العربي السوري من استعادة المنطقة، والثالث مواجهة محدودة ضد الجيش العربي السوري وحلفائه باستهداف ناري لعرقلة تقدمه.‏

حيال هذه السلوكيات نرى ان معسكر الدفاع عن سورية مضطر للقيام بعمليات نوعية تطيح بأهداف السياسة الأميركية، وذلك عبر التقدم السريع والمدروس والإمساك بكامل الحدود من التنف الى البوكمال ربطاً بدير الزور وكامل المثلث شرق النهر في المنطقة الوسطى لإشعار اميركا بأن سورية مصممة على استعادة السيطرة على ارضها ولن تترك لاحد مجالا للسيطرة والابتزاز والمناورة. ما يعني وجوب سد الثقب الأسود في التنف «على حد الوصف الروسي»، ووجوب قطع الطريق على أي كان للامساك بمعبر البوكمال. اما سياسيا فان ما تحقق حتى الان ينبغي البناء عليه لإفهام اميركا ان المنتصر لا يقدم جوائز ترضية للمعتدين.‏

* استاذ جامعي وباحث استراتيجي – لبنان‏

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.