المصالحة الفلسطينية .. النوايا الصادقة تعزز نجاحها / عبدالحميد الهمشري
عبدالحميد الهمشري* ( الأربعاء ) 11/10/2017 م …
*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني …
بداية أبارك للشعب العربي الفلسطيني المصالحة ، وأشكر القاهرة وقيادتها على ما بذلته من جهود لإتمام هذه المصالحة ، لأنها تدرك جيداً مدى أهمية ذلك في خدمة الأمن القومي المصري أولاً والفلسطيني ثانياً والإقليمي العربي ثالثاً ، وإنني لأدعو الله عز وجل أن يسدد خطى الخيرين في الشعب الفلسطيني والعالمين العربي والإسلامي والدولي لإنجاح هذا المسعى ، والوقوف بصلابة في وجه كل من يسعى لوضع العصي في الدواليب لمنع نجاحها ، لأن هذا سيبقي الحالة الفلسطينية بين التجاذبات المحلية والإقليمية والدولية ، التي ما زالت القوى المؤثرة في القرار الدولي ترى أن الشعب العربي الفلسطيني غير مؤهل لقيادة نفسه بنفسه ما دامت تعصف الخلافات بين مكوناته ، ولا اتفاق بين أبناء شعبه على ما يريدون ويطمحون إليه ، يكسبون من خلال توحدهم احترام المجتمع الدولي ، فتقرير المصير تفرضه إرادة شعب متلاحم تسنده أمة متماسكة وتنال تعاطف ومساندة الأمم الأخرى حين يعرف ما يريد بالتحديد ، ويلتف تحت لواء قيادة موحدة تمثل كل مكوناته ، وهنا أوجه نصيحة مهمة أنه لا بد أن تكون هناك قواسم مشتركة تحكم جميع التوجهات في الشعب الفلسطيني ، لا فرض إرادة وتوجهات ورؤى فصيل معين على الآخرين لتستمر المصالحة ، فالنوايا الصادقة فقط ما يُعزِّزُ نجاحها.
ولا شك أن المتضرر الأكبر من هذه المصالحة الفلسطينية ووحدة الشعب العربي الفلسطيني هو العدو الصهيوني وكل القوى المساندة له والتي تعمل جاهدة على فكفكة التلاحم بين مكونات كل الكيانات العربية والإسلامية وعلى رأسها فكفكة اللحمة الفلسطينية ، وما الفوضى الخلاقة المنتشرة في أرجاء الوطن العربي التي تبين أن بعضاً من رموزها صهاينة انضموا إلى منظمات الإرهاب بعد تغيير أسمائهم إلى العربية لبث سمومهم ضد العرب والمسلمين لخير دليل على ذلك.
وما صرح به نتنياهو من عدم موافقته على تلك المصالحة إلا في حال الموافقة لكلا الفصيلين على يهودية الدولة يصب في هذا الإطار ، وكأنه يريد القول أنه هو من يقرر في أن تكون هناك مصالحة من عدمها وشكلها إن حصلت.
وهذا يُظهر بوضوح مدى امتعاض ورفض كل صهيوني ومن يلف في كنفه على تحقيق ذلك ، لأنها حتماً لا تصب في مصلحة الصهيونية العالمية التي تعوم في بحر الخلافات العربية الاسلامية الفلسطينية المشتركة.
وأمام هذا التحدي الأكبر على القيادات الفلسطينية الخيرة خاصة في قيادتي فتح وحماس أن تدرك أنه ملقى على عاتقها العمل على لم شمل الشعب العربي الفلسطيني الذي قدم وما زال يقدم التضحيات الجسام منذ بدايات القرن الماضي وتضيع كل جهود أبنائه أمام صراعات على لا شيء أو لا طائل منها، كونها تخدم في المجمل العدو لتحقيق تكتيكاته خدمة للاستراتيجية الصهيونية التي تسعى لحكم الشجر والحجر في المنطقة العربية ، فتعبث في عقل الإنسان العربي بصفة عامة والفلسطيني خاصة من خلال وضع العصي في الدواليب والشروط التعجيزية للحيلولة دون حصول الوفاق والاتفاق أو عرقلته لمنع حصول المراد منه الذي في حال نجاحه يعود خيره على القضية وشعب القضية وعلى أهل المنطقة جميعاً .
كلنا يعلم بالمواقف الصهيونية من أي اتفاق يعمل على جمع لم الشمل الفلسطيني ومن حجم الضغط الصهيوني على الفلسطينيين، فهم يحاولون فرض ما يريدون عليهم بالتدخل في شؤونهم وتنقلاتهم ، فالجندي الصهيوني لا يتردد في إذلال الفلسطيني أمام الحواجز حتى أنه لا يتورع في حجز القيادي الفلسطيني مهما كانت حدود مسؤولياته أمام الحواجز ، ولا يتردد كذلك بإشهار السلاح على أي فلسطيني وإطلاق نيرانه تجاهه لإلحاق الأذى به سواء بالقتل أو إلحاق عاهة مستديمة به ، ولا يتردد في اعتقاله وزجه بالسجن مهما كان عمره وحالته الصحية وبلا مبرر ، دون أن يميز من أي فصيل هذا أو ذاك ، ولا يهمه في أن يبقيه ساعات طوال ينتظر في الحر القائظ أو البرد القارس أمام الحواجز أو يسمح له بالمرور من عدمه.
الموقف الصهيوني تجاه الانقسام والمصالحة واضح وثابت أنه يعمل في الاتجاه المعاكس لطموحات وأمال الشعب الفلسطيني ، وبكل تأكيد يعتبر من أخطر العوائق التي تحول دون تحقيق الفلسطينيين لأمانيهم المنشودة في تحرير الأرض والإنسان وعودة اللاجئين المهجرين بالقمع والإرهاب إلى ديارهم، فالفلسطيني ما زال يتطلع إلى عالم يوفيه حقه ، وهذا لن يحصل إلا برص صفوفه تحت قيادة موحدة ممثلة لكل تجمعاته وفئاته ، لا بد أن تكون صادقة ، ما يهمها أولاً مصلحة الشعب العربي في فلسطين وفي الشتات ، لا مصالح فصائلية أو آنية لا تخدم إلا العدو الصهيوني الخبيث .
فالمتتبع للأحداث في فلسطين ودول الإقليم العربي يدرك أن الصراع هنا أضحى في الدرجة الأولى قضية مركزية أميركية صهيونية خاصة وغربية عموماً ، تسعى فقط لخدمة الصهيونية العالمية وتوجهاتها ومصالح الغرب الفاجر، لهذا لا تدخر جهدها في سبيل تخريب أو منع أية مصالحة سواء كانت فلسطينية أم عربية أم إسلامية تصب في مصلحة أي شعب من شعوبها خاصة الشعب الفلسطيني.
كلمة أخيرة أقولها من العيب بل من الإجرام أن تبقى مواقف مختلف مكونات الشعب الفلسطيني مفتتة وتصب في غير صالح وتوجهات الإرادة الفلسطينية ، لأنها في ذلك لا تخدم إلا المخططات الصهيونية التي لم تدخر جهدها في سبيل اقتلاع الشعب الفلسطيني من جذوره في فلسطين والاستيلاء على أرضه وفرض هيمنته على مقدساته ، تمهيداً لإعادة صياغتها من جديد ، لتثبت للعالم أنهم “أي الصهاينة ” كانوا هنا منذ الأزل وما زالوا فهل نحن معتبرون؟.
فلا بد إن أراد الفلسطينيون تحقيق حتى لو الحد الأدنى من طموحاتهم أن يكونوا صادقين مع أنفسهم أولاً حتى يصدق العالم معهم ويقف بحزم وليس يتعاطف مع قضاياهم ، فمن يحب أن يرى النور في أرض النور والهدى عليه أن يكون واثق الخطا يمشي ملكاً ، صادق الهدف والمقصد المنشود.
التعليقات مغلقة.