إيران .. الثورة والدولة ؛ مشروع استنهاض حضاري لقيادة الملة / عبدالحفيظ ابو قاعود

 

عبدالحفيظ ابو قاعود ( الأردن ) الخميس 12/10/2017 م …



المقدمة ؛
سقوط بغداد الاول في العام 1258 على يد المغول بقيادة هولاكو ؛ انهت حقبة تاريخية لولاية الامة على الملة ؛ يؤرخ لنهاية الدورة الثانية “للنهوض  العربي الاسلامي في تاريخ الحضارة  الانسانية ، حيث خرج العرب كأمة من التاريخ الحضاري للبشرية ،ولم تسجل لها أي انجاز يذكر لتدخل مرحلة تاريخية جديدة ” الشتات والتقوقع حول الذات ” تعيش حالة” تعيش لتأكل وتأكل لتعيش”. فاحتلت ارضها من التتار والفرنج والاتراك والغرب المتصهين  واليهود تارة باسم السيطرة والتحكم والهيمنة وتارة  اخرى باسم الحروب الدينية والوصاية والاستعمار” سايكس بيكو” واخيرا باسم الاغتصاب  الصهيوني  .
المشروع النهضوي العربي ؛
من السقوط  الاول الى سقوط بغداد الثاني على يد مغول العصر “الولايات المتحدة الامريكية ” بقيادة “بوش المتوحش” في العام 2003؛أصبح العرب كأمة خارج التاريخ الحضاري للبشرية ،حيث حصلت خلال هذه الحقب التاريخية استدارة للنهوض الحضاري للامة عبر محاولتين في مصر1958 – 1971 ، والعراق 1980- 2003 افشلهما علقمي العصر ” ممالك الكاز ” للدخول في مرحلة كامب ديفيد وملحقاتها “الاستسلام والتسوية ” مع إسرائيل ،بالزيارة التاريخية للرئيس المصري الراحل  انور السادات للقدس المحتلة والقاء خطاب بالكنيست الاسرائيلي  في العام 1977 ،اعلن فيه بان حرب اكتوبر هي اخر الحروب مع إسرائيل ،وتوقيعه معاهدة كامب ديفيد 1979 ، وفقدت مصر زعامة الامة بالتولي عن الجهاد في عهد السادات واسلافه، وبذلك تحقق الاستبدال في قيادة الامة للملة ،واصبحت مصر خارج معادلة الصراع مع إسرائيل.
والمحاولة الثانية “للعلقمين” الجدد تمثلت في اقناع “صدام حسين” بالحرب  مع ايران ،في الوقت الذي كان فيه العراق ينفذ مشروعا نهضويا، وذلك لإحياء صراع حدودي رسمه الاستعمار البريطاني في سايكس بيكو في اطار استراتيجية  الاحتواء المزدوج الامريكية التي استهدفت تحطيم قوتين في الاقليم بنزاع حدودي لا وجودي ؛ فكانت الحرب العراقية الايرانية 1980- 1988 ،التي استولدت سلسلة حروب في الاقليم ،وانشاء منظومة التحالف الامني الاقليمي 1988 بالحماية الامنية المباشرة والتفاهم بالتعاون العسكري التحالف من خارج الناتو  مع الولايات المتحدة الامريكية للتآمر على “محور المقاومة ” لتوسيع دائرة المصالحة المكشوفة مع إسرائيل والاعتراف بيهودية الدولة في فلسطين المحتلة.
وفرضت الادارات الامريكية المتعاقبة على الدول العربية والاسلامية من خارج منظومة التحالف الامني الاقليمي خياران لا ثالث لهما هما ؛ المصالحة المكشوفة مع إسرائيل بالانضمام الى هذه المنظومة او مواجهة الحرب التدميرية و”الفوضى الخلاقة” والتفتيت بتغيير الانظمة المقاومة ؛ سورية والعراق نموذجا. حيث مؤامرة الحروب الكونية لتفتيتهما ،التي مازالت دائرة ومتواصلة عليهما .
المعطيات والوقائع؛
فقد تزامن قيام الثورة الاسلامية الايرانية مع توقيع “مصر السادات ” معاهدة كامب ديفيد 1979 بالصلح المنفرد مع إسرائيل ، حيث حصل “التولي ” العربي ليتحقق الاستبدال الفارسي لقيادة الملة الذي جاءت موجباته في عجز الآية الكريمة رقم 38  من سورة محمد ، لتقود إيران الثورة والدولة الملة الى الاستقلال السياسي والاقتصادي في عالم متعدد الاقطاب والثقافات.
ولقد شنت الحروب الاقليمية والحروب بالوكالة والاحتلالية المباشرة  منذ العام 1979، وعلى مدى اربعين عاما الماضية في اطار استراتيجية الاحتواء المزدوج الامريكية لتدمير المشاريع النهضوية في الوطن العربي والعالم الاسلامي ،ولتنفيذ الخطة الجيوسياسية الاسرائيلية التي اعتمدتها حكومة الارهابي اسحق رابين عام 1976،للدخول بعصر” ثقافة التسوية”  للمصالحة المكشوفة مع إسرائيل والحماية الامنية الامريكية المباشرة وغير المباشرة والتفاهم مع مملكة ال سعود متلازمة ثلاثية لإبقاء انظمة المنطقة والاقليم في الحاضنة الامريكية. وهنا يفهم اهداف الاستراتيجية الامنية الامريكية لشن الحروب المباشرة وبالوكالة في الشرق .
لكن هذه الحروب والمؤامرات  الامريكية جميعها بات بالفشل في تحقيق الاهداف المرسومة لها ؛ديمومة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة “الكيان الاسرائيلي “،وضمان استمرارية مصالحها الحيوية في الشرق في القواعد العسكرية الثابتة والمتحركة وتدفق النفط الى اسواقها والاسواق الدولية .   
وجاء اعلان  دولة “الدواعش ” في العام 2014على اجزاء صحراوية وجرداء من بلاد الشام وارض الرافدين في اطار هذه الحروب و المؤامرات واداة من ادواتها لوظيفة مرسومة ضمن الاستراتيجية الامنية الامريكية الاسرائيلية لتنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد بتأسيس دول وكيانات الطوائف لتكون إسرائيل مقبولة من ضمنها . لكن المشروع الغربي المتصهين بتقسيم سورية والعراق تحطم على ابواب دمشق قلب العروبة النابض بهزيمة المجموعات الارهابية التكفيرية المسلحة ومشغليهم من الادوات الاقليمية والدولية .
الاستبدال القومي ؛
الاستبدال ، هو ؛ استنهاض حضاري لقيادة الملة لدورة ثالثة في الحضارة الانسانية بعد قرون من الجهالة والنكوص الحضاري والوصاية المستبدة  باسم الدين الى  مرحلة التبعية للمستعمر الأجنبي والاحتلال الاسرائيلي الى الاستقلال السياسي والاقتصادي . فالجمهورية الاسلامية الإيرانية ؛ الثورة والدولة تمكنت من كسر طوق الحصار العلمي الذي فرضه الغرب المتصهين على الامة والملة ، بامتلاكها  ناصية العلم والتكنولوجيا المحضورة والسلاح النووي والاستراتيجي الكاسر بالانضمام للنادي النووي العالمي بزمن قياسي ابهر العالم .
واستطاعت إيران “الثورة الاسلامية والدولة المدنية “من تحقيق اختراق نوعي في الاستراتيجية العدوانية المتوحشة، والتي استهدفت حظر المعرفة على العرب والمسلمين، وذلك من خلال التوجه الى مشروع ” فن الحياة” ،لثقب كبير في جدار الحظر الغربي المتصهين على “الامة والملة” للنفاذ لامتلاك “تكنولوجيا الناتو” وتعميمها، فخرجت من دائرة الاستهداف الرأسمالي المتوحش عبر الاتفاق النووي في فيينا للانضمام الى مجموعة الدول الكبرى 5+1 ،لرسم مستقبل المنطقة والاقليم وفق تفاهمات دولية لإدارة الازمات تمهيدا لتقاسم النفوذ في المنطقة.  
وكان الرئيس الامريكي السابق اوباما قد نصح مملكة”ال سعود “خلال زيارته الاخيرة  الى الرياض في نهاية ولايته بان تتقاسم النفوذ في المنطقة مع إيران .لكن اعمى بصيرة حكام “نجد والحجاز” لالتقاط فكرة اوباما في تقاسم النفوذ في المنطقة ؛ انهم سيربحون معركة سورية والعراق عبر” الدواعش ” لكن “الناصح الامين”  كان على معرفة تامة الى اين تتجه الجمهورية الاسلامية الايرانية وحلفها المقاوم في المنطقة .فلجأت مملكة ال سعود الى العراق منذ فترة وجيزة للوساطة لدى إيران للتفاهم والمصالحة وتطبيع العلاقات بينهما بعد فوات الاوان .
وكما تمكنت إيران “الثورة الاسلامية والدولة المدنية “من تحقيق اختراق نوعي في الاستراتيجية العدوانية المتوحشة، والتي استهدفت حظر المعرفة على العرب والمسلمين، وذلك من خلال التوجه الى مشروع ” فن الحياة” ،لثقب جدار الحظر الغربي المتصهين على “الامة والملة” لامتلاك “تكنولوجيا الناتو” وتعميمها .
فن الحياة ؛
علوم “فن الحياة” .. تمنح البشر الامل السعادة وبمستقبل واعد للإنسانية في مشروع تشاركي جامع في المنطقة والاقليم … لذا نجد ان الجمهورية الاسلامية الايرانية في أطار “مشروعها الحضاري.. تعلم ” فن الحياة”، بالانتقال من الاستبداد الى الدولة المدنية الديمقراطية ذات المرجعية الدينية الالهية يتناوب فيها التياران ؛ المحافظ  والاصلاحي السلطة سلميا ، وامتلكت الخيار الاستراتيجي السلاح النووي ،واصبحت قوة اقليمية لها وزنها الدولي ،وتمكنت من إيجاد ثقب كبير في جدار الحظر الغربي المتصهين على المعرفة العلمية المتقدمة ل”الامة والملة” في أطار “مشروعها الحضاري.. تعلم فن الحياة”، ورعاية العلم والعلماء المؤدي الى ولوج الدورة الحضارية الانسانية الثالثة ل”الامة والملة”.
النتيجة ؛
الاوضاع في المنطقة والاقليم تشئ الى ان “الهلال المقاوم” قد استكمل حلقاته من طهران الى دمشق بالنصر السوري العظيم الذي لاح بالأفق في معركة “الحواسم ” التي قادها الرئيس المجاهد الدكتور بشار حافظ الاسد  في مواجهة مؤامرة الحرب الكونية على سورية ومن سورية ، وان الصراع العربي الاسرائيلي قد استعاد مساره الطبيعي ” دورات حروب ” بإحياء الجبهة الشرقية لتحرير فلسطين والاراضي العربية المحتلة من الاغتصاب الصهيوني ،والانفكاك من الهيمنة والسيطرة الاستعمارية من الغرب المتصهين .
وفي السياق ؛ نجد ان إيران في العقد الأول من الالفية الجديدة ، احتلت المرتبة التاسعة عشرة عالمياً في الإسهامات البحثية المنشورة .لأنها مهتمة بالمعرفة الانسانية وعلوم “تكنولوجيا الناتو” في اطار مشروعها “فن الحياة”. في حين شكلت إسهامات البلدان العربية البحثية المنشورة حول “تكنولوجيا النانو ” صفرا في المئة… لان العربان منشغلون ب”ارب ايدل، بإنتاج القانيات ليس لهم علاقة ب”علوم وتقانيه الناتو” وفن الحياة ،فأصبحوا في زمن الحماية الامريكية المباشرة ،ويهودية الدولة ؛”ممالك الطوائف” ؛ استبداد وفساد ومكانك قف وللخلف در، وتولوا عن تحرير فلسطين وقتال اليهود فحق عليهم الاستبدال الالهي المذكور في الآية 38 من سورة محمد.
          “وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ” (38)
القوس المقاوم؛
وفي الاستثناء كانت دمشق وقيادتها المجاهدة ومعها “الوعد الصادق” على العهد خارج التولي لم تلتحق بمسار” السادات” بالاعتراف بيهودية الدولة في فلسطين المحتلة وعدم القبول بالشروط والاملاءات الامريكية الثلاث … فحسب ، بل ارست مرتكزات محور المقاومة العربي الاسلامي ” القوس المقاوم ” بعد تولي شريك حرب اكتوبر/ تشرين الرئيس المصري انور السادات الدبر بقبوله بالشروط الامريكية والدخول في مسار الاعتراف بيهودية الدولة ، وذلك بالتحالف السوري مع الثورة الاسلامية الايرانية وقائدها الامام اية الله الخميني منذ العام 1979.فكانت باكورة نواة هذا التحالف على الصعيد الجهادي؛ حزب الله لتكون سورية الاسد الضلع الاساس للقوس المقاوم وامتلاك السلاح الاستراتيجي الكاسر للتحرير .
·      صحافي ومحلل سياسي

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.