إنفصاليون في خدمة مشروع السيطرة على العالم / م. ميشيل كلاغاصي
م. ميشيل كلاغاصي ( الخميس ) 12/10/2017 م …
عشرات ومئات الأقاليم التي تسعى لإنفصالها عن دول ٍ عاشت بكنفها وتحت رايتها لسنوات وسنوات , يختلف التوقيت , وقد يتزامن , تختلف حدة المواقف , وقد يرافقها سيل الدماء , تتعدد الأسباب , ويبقى جوهرها واحد , تفرقة وضعف , حصارٌ للأعداء وإنهاكهم, هزيمة للجغرافيا ونصر لأسلاك الحدود , ومن تقاسم الثروات إلى تجميعها , تخمة ٌ للبعض وجوع ٌ للبعض الاّخر , خلافات وصراعات إضافية تزيد درجة تعقيد حياة البشر , تحت راية ٍ أو أخرى , يتضاعف حجم الألم , بشرٌ يدفعون حياتهم ثمنا ً لتحقيق أحلام وغايات المخططون وأصحاب الأياد الخفية , كوكب ٌ تتبعثر أحشاؤه قبل إنفجاره أو بعده لا فرق ,
ولم يعد هناك مكان ٌ اّمن ٌ لإستقرار البشر وبناء البيوت و زراعة الأحلام والورود , من يسعى إلى تفتيت العالم , يجيب البعض ويتهم “المؤامرة ” , وبعض ٌ ساذج ٌ يعتقد أنه يفعل حسنا ً لشعوب ٍ ويخدم عرقا ً أو قومية ً أو دينا ً أو مذهبا ً, أوسياسة ً أو مصلحة ً ومالا ً!.
فمن تفكك الإتحاد السوفيتي , إلى كاليفورنيا الولايات المتحدة , إلى كيبك كندا , واسكتلندا المملكة المتحدة , ومن لومبارديا وبندقية إيطاليا , إلى كاتلونيا وباسك إسبانيا , ومن كورسيكا إلى باريس , و من بافاريا إلى برلين , ومن هونغ كونغ إلى الصين , ومن كردستان إلى روج أوفا في العراق وسورية , ومن جنوب اليمن إلى جنوب السودان , ومن البنغال إلى أراكان الروهينجا , وعشرات الأمثلة للدول والأقاليم التي إنفصلت , وتلك الجاهزة للإنفصال , وعشرات التي تطبخ وتُحضّر عناصر وأدوات إنفصالها .
قد يبدو تحليل هذه “الظاهرة” للوهلة الأولى أشبه بالمستحيل , مع تعدد الأسباب و الدوافع والأهداف والغايات , ولكن يبقى الفعل هداما ً مدمرا ًومؤذيا ً, ويحمل من الألم أكثر ما يحمله من الأمل , خصوصا ً بعد مراقبة أعداد المنكوبين و المتضررين والمفقودين والجرحى والمهجرين والنازحين , وتتويجا ً بعدد الضحايا والقتلى.
ويطرح السؤال نفسه , من يبحث عن إيلام البشر وأذيتهم ؟ من يحقد على البشر إلى هذه الدرجة ؟ ومن يبحث عن إضعافهم للتفرد بهم ؟ ومن هو المستفيد من ضياعهم و تشرذمهم ؟ ومن هو الجامع الأخير لثرواتهم المهدورة , من يُمول الإنفصال و يُسلح “حراسه” ومن يُؤمن مواد حروبه ؟ وهل تستخدم الطرق السلمية فقط ؟ أو للعنف و الإرهاب دورٌ وخدمة ؟ وهل يملك الإنفصاليون أسبابا ً وأسسا ًواضحة وكافية ومحقة , وتحمل من الفائدة ما يوازي الأثمان التي تُدفع لأجلها ؟ أم للبشر حياتهم , و للساسة غاياتهم ؟ وهل تسعى الشعوب للعيش قطعانا ً متجانسة , بحسب العرق أو الدين أوالمذهب , أوبحسب المستوى الطبقي أوالإقتصادي – المعيشي , وهل يرغب الأغنياء بمسح أحذية الأغنياء , ويستعدون للعمل في المناجم و رعاية الأبقار , أو ووووإلخ ؟
ويتساءل البعض من استعمر الدول , وسطا على خيراتها , واستعبد سكانها , ونقلهم عبيدا ً إلى بلاده , ومن قسم القارات الشاسعة , ومن وضع الحدود الحالية , وهل واضعوا الخرائط , يرسمون أقدار الشعوب , ويقررون عنهم خوض المعارك الدامية للدفاع عن خطوط مؤامراتهم ومصالحهم؟
من يملك مشاريعا ً على مستوى الكرة الأرضية ؟ ومن جاهر بأحلامه ومشاريعه للسيطرة على العالم ؟ ومن يقاتل لأجل إخضاع العالم والسيطرة على ثرواته وعقوله , من يعتقد أنه يملك مزايا لا يملكها غيره , من يتحدى الإله في خلقه و بتقسيم موطئ قدمه وبتبديد ثروات الأرض التي كُلف الإنسان ببنائها و إعمارها …من يسعى لإقامة الحروب العالمية و تغيير خارطة الكون؟.
ومن يتذرع للإنفصال بداعي الغنى والفقر واللغة , ومن يتمرد ويعتدي على حقوق الغير ويسعى للإنفصال عن عقله وزمانه ويسعى للعيش في دولة ٍ أو كيان ٍ على أساس ٍ ديني , ويرجع بالمكان إلى غير زمن ؟ وكيف يتم إقناع الشعوب لتتمترس وراء مدافع أو سكاكين أو حتى حروب باردة ؟ و من لا زال يرفض كل تنوع وإختلاف ويستخدم العنف والقتل والإرهاب وسيلة ً “لإقناعه”؟.
عشرات الأسئلة , تقفز إلى رؤوسنا , لا يمكن لأصحاب الدعوات الإنفصالية إقناع الاّخرين بضرورة الإنفصال وإعتبارها أسبابا ً وحيدة و كافية لخوض الصراع و دفع أثمانه.
قد لا يحتاج الأمر لعناء ٍ كبير ليجد المرء الأجوبة الشافية , فدائما ًهي الحركة الصهيونية بغاياتها وبأساليبها المتعددة وأدواتها المختلفة, التي جاهرت بأهدافها وبذلت جهودها للسيطرة على كافة وسائل الإعلام ومراكز القرار العالمي, واتخذت من الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة ً ومرتكزا ً للإنطلاق نحو إشاعة الفوضى وإثارة المشاكل والفوضى وتحضير أرضيات الحروب , وليست دعوات الإنفصال سوى إحدى تلك الأدوات التي استعملت فيها جيوش وحكومات بعض الدول لشن الحروب المختلفة , وأنشأت العصابات والمافيات والحركات والأحزاب والجيوش, تحت عناوين الإنفصال.
ولم تتوان عن تجنيد وحشد كافة وحوش الأرض عبر إيديولوجيات تكفيرية ظلامية , كانت كافية لشن الحروب الحديثة إنطلاقا ً من رحم الإرهاب والذي أطلقت عليه اسم ” القاعدة” والذي تفرع عنه عشرات ومئات التنظيمات الإرهابية منها ما استعملته في ضرب روسيا , ومنها في ضرب الشرق الأوسط و خصوصا ً في سورية و العراق , ومنها لضرب الفيلبين وأفريقيا , فكانت تنظيمات داعش والنصرة والجيش الحر وأبو سياف وبوكو حرام ومجاهدي أراكان وغيرها.
واستعملت قدراتها وإمكاناتها لإقناع الدول والشعوب بعدالة قضايا الإنفصال , و زيفت الوقائع والصور والفيديوهات و بعثرت الحقائق حتى بات البعض يخدم مشاريعها معتقدا ً أنه يخدم العدل و الحق …!.
فعلى سبيل المثال , يقول مسعود البرزاني أنه سيخوض معركة الإستفتاء والإستقلال بالحروب والدماء ؟ وكذلك تفعلها السعودية , إذ قامت بإنشاء فصيل إرهابي ودعمته وسلحته وأوت قادته (حركة يقين , وجيش إنقاذ أراكان), ومع ذلك تصف الروهنجيين في صحيفة عكاظ ب”المتمردين”, ولا تنبس ببنت شفة تجاه الشعب المسكين الذي يُذبح بمالها و سلاحها , فأنابيب النفط والغاز الخليجي العابرة إلى بورما فالصين ترجح كفة المصالح التجارية في مقابل دماء المسلمين , فلطالما راهنت السعودية على دعم الحكومة البورمية لحماية خط أنابيب النفط الخليجي ، في سعي ٍ جدي لإيصاله إلى الصين .
إن دعم الكيان الصهيوني لنظام ميانمار العسكري من جهة , ودعم الإرهابيين الروهنجيين عبر السعودية من جهة ٍ أخرى , يمنح قادة العدو الصهيوني إمكانية السيطرة على طرفي النزاع مستفيدة من عمالة وتبعية العرش السعودي , على حساب دماء مساكين و فقراء الإقليم , وبات من الواضح أن الصين وبحرها الجنوبي هي المسرح الجديد للحروب بثوبها الديني, بعد إتمام تجهيز الصورة , عبر صبغ الصراع العرقي – السياسي وتحويله إلى صراع ٍ ديني في منطقة تعج بالإثنيات العرقية والقومية والدينية , ويتوسط فضاءات دول ٍ قوية تمتلك السلاح النووي تبدأ من باكستان والهند , ولا تنتهي عند تركستان وسور الصين العظيم فقط , فطريق الحرير الجديد سيحمل الموت نفطا ً في أنابيب دماء الدول والشعوب , ليضعه تحت رحمة الأساطيل الأمريكية , لتلفه حبلا ً على رقبة المارد الصيني , الذي يخشى ويتوجس إنفجارا ً إنفصاليا ً– إرهابيا ً, في منطقتي “شينجيانج” تركستان الشرقية’ “والتيبت” على حدوده الشرقية.
هكذا تُستخدم الشعوب والأقليات من حيث يدرون أولا يدرون , ولأجل أكبر المصالح , وهكذا تُستباح الحدود , وتُنسج الحكايا وتُخلق المسببات , وتصبغ الشرور بالوان ورغبات ودعوات الإنفصال العرقي أوالقومي أو الديني , ومن فوضى المكان إلى فوضى الزمان , تُسرق الثروات وتسيل دماء الأبرياء في عالم ٍ متوحش ٍ تقوده أدوات العصيان الإلهي والسيطرة على العالم في خدمة الشر والشرير .
التعليقات مغلقة.