من هزم أمريكا في سورية؟! / د. خيام الزعبي
د. خيام الزعبي ( سورية ) الجمعة 20/3/2015 م …
تؤكد مؤشرات سير “أكبر ملحمة سورية” إنهيار معنويات مسلحي داعش بشكل غير مسبوق، فيما ينقسم من الداخل حيث فتت في عضده المعارضة والإنشقاقات والإنتكاسات في ساحة القتال وأدت إلى تآكل الهالة التي تحيط به كقوة لا تقهر، فتصاعد التوترات بين المقاتلين الأجانب والمحليين والمحاولات العدوانية، والتي يتزايد فشلها لتجنيد المواطنين للقتال على الجبهات الأمامية، وإزدياد وتيرة هجمات الجيش السوري ضد أهداف داعش، يٌبشر بإنتهاء هذا المرض الخطير وإستعادة سورية لعافيتها، وخير دليل على ذلك قيام التنظيم بحرق أبار النفط في العراق وسورية التي كانت تشكل عوناً مالياً كبيراً له قناعة منه إنها لن تكون تحت سيطرته بعد إسابيع، لتتكرر بذلك تجربة حرق أبار النفط الكويتية قبل إنسحاب القوات العراقية من هناك، فمعارك الشمال السوري والحسكة تؤكد حقائق كثيرة منها أن مخاوف الطائفية قد تراجعت لصالح التكاتف الوطني، إضافة الى إنهيار حاجز الخوف بين المدنيين و أساطير داعش في القتال، كما أن تنفيذ الخطط على أيدي قيادات سورية أضعف الحاجة أو الإتكاء على الدعم الدولي، لذلك ستؤسس هذه المعارك لهدف نبيل هو القضاء على داعش بإرادة سورية.
إنّ قلق أمريكا مما حققه الجيش السوري وحلفاؤه في الجنوب يبدو واضحاً، إذ تعلن صراحة رعبها غير المسبوق من وصول إيران لحدود “إسرائيل” وإستعادة حزب الله شعبيته التي أدعى الأميركيون ومن لف لفهم أنه قد فقد جزءاً منها، وتخلص أنه على القيادة الأميركية حماية الأردن و”إسرائيل” من تقدم الجيش السوري ومن معه، فيما تواصل صب الزيت على النار بتصويرها الحرب الدائرة على أنها بين نظام وميليشيات شيعية من جهة وثوار سنة وجهاديين من جهة أخرى، وتتعامى عن المرتزقة القادمين من كل حد وصوب للقتال في سورية والعراق وذبح الأبرياء وتدمير الإرث الحضاري والتاريخي للبلدين.
في سياق متصل، يتواصل خذلان أميركا وصدمتها بفصائلها “المعتدلة”، فتحل حزم نفسها ويبايع ثلاثة أرباعها الأشد تطرفاً من داعش أي الجبهة الشامية، وما تبقى يلفظ النفس الأخير ليخلص المشهد أن المعتدلين لا يعول عليهم، لذلك يعلو صراخ هنا ونباح هناك وتدخل بري تارة ومناطق عازلة تارة أخرى، فيما يواصل الجيش السوري وحلفاؤه سحق رؤوس الإرهاب ودك أوكارهم محرزاً تقدماً كبيراً على كافة الجبهات، معلناً وهم القوة الخارقة الذي تم ترويجه عن داعش في المنطقة وأسقطته القدرة القتالية للجيش السوري ما جعل من المعادلة أن تنقلب على الأرض وتعيد الكثير من الجهات الداخلية والخارجية حساباتها خصوصاً بعض الدول التي راهنت على إسقاط النظام السوري وتغيير وجه المنطقة العربية، في إطار ذلك بدأ الجيش السوري بإسترجاع الثقة بنفسه ومسك زمام المبادرة بتخطيط متقن هدفه تحرير سورية من تلك العصابات المجرمة، فالجيش السوري المسنود من قبل الشعب هو الذي يجعلنا كمواطنين نشعر بالتفاؤل بحتمية إندحار داعش والإرهاب من سورية عاجلاً أم آجلاً، يُضاف إلى ذلك الهزيمة النكراء والضربة القاصمة التي وجهها الجيش بتصفية قيادات بارزة لهذه المجموعات المأجورة على الأراضي السورية فهي خسائر فادحة تلحق بهذه التنظيمات التي باتت ترى حتفها القريب، لذا نقول وبكل يقين أن الشعب السوري الذي نال الويل جراء سلوكيات التنظيم بالأرواح والتخريب الإقتصادي والثقافي والإبادات الجماعية مدعو اليوم لرفع الرأس بجيشه المتفاني بالتضحية في سبيل كرامة الوطن وترابه.
اليوم يخوض الجيش السوري معركة ليست ككل المعارك، كما إن المصير وتحرير المناطق من المجموعات المتطرفة، هو ليس أمراً إعتيادياً، وإنما تضحيات، في تسابق المقاتلين لنيل الشهادة، وهذا الأمر حيّر من نسج سيناريو تقسيم سورية، وجعلها ساحة تصفيات لتلك الدول، التي تريد أن تبعد ساحاتها من تلك المعارك، وجعل سورية محوراً لتلك التصفيات، وإستدامة وجود داعش في سورية، وتأسيس دولتهم المزعومة، هو مخطط أشرفت عليه أمريكا وحلفاؤها، التي تمد تلك المجاميع بكل أنواع السلاح والعتاد، لتخريب العملية السياسية، وجعل سورية مقسمة الى دويلات، ليسهل السيطرة على مقدرات وخيرات الشعب السوري.
هنا لا بد من القول إن واشنطن صنعت تنظيم داعش وفق مواصفات تخدم أهدافها الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، كما خلقت من قبل القاعدة، وهذا التنظيم هو في الأصل أحد فروع الكيان الذي أنشأته الإستخبارات الأمريكية بدعم من المخابرات البريطانية والموساد الإسرائيلي، وقوات داعش هم جنود المشاة التابعين للتحالف العسكري الغربي، ومهمتهم غير المعلنة هي تخريب وتدمير سورية والعراق ومصر وليبيا وغيرها من دول المنطقة، بالنيابة عن راعيهم الأمريكي، والجميع يعلم أن الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد داعش مجرد كذبة كبرى، وما ملاحقة “الإرهابيين الإسلاميين”، وشن حرب وقائية في جميع أنحاء العالم، لحماية الوطن الأمريكي، سوى ذريعة لتبرير أجندة عسكرية أمريكية، ولم يكن إجتياح قوات داعش لسورية، سوى جزء من عملية إستخباراتية عسكرية مخطط لها بعناية وتحظى بدعم سريّ من الولايات المتحدة وإسرائيل، وعليه فإن مكافحة الإرهاب ليست سوى ضرب من خيال، فأمريكا هي الدولة الراعية للإرهاب، وتنظيم داعش يحظى بحماية الولايات المتحدة وحلفائها، ولو أرادوا القضاء على هؤلاء المسلحين، لكان بإمكانهم قصفهم عندما عبروا الصحراء من سورية إلى العراق أو منعهم من التسلل عبر الأراضي التركية الى سورية، وبالتالي فإن التحالف الدولي لمحاربة داعش هو عملية جراحية تخفي وراءها أهداف خطيرة.
نحن على يقين بأن الحوار السياسي أصبح اليوم هو المطلب الوحيد في الأزمة السورية، فروسيا تسعى الى جمع شمل الأقطاب السورية من خلال عقد جلسة حوارية مع المعارضة والحكومة السورية، وبنفس الوقت هناك الحراك المصري تجاه القضية السورية، هذا مما سيوسع من دائرة الحوار وربما سيغير المواقف الرافضة لهذا الحوار وهنا سيكون للحوار جبهتين روسية ومصرية فربما تلتف كل منها حول قضايا معنية حتى تلتقي في جبهة واحدة يخرج منها حل سياسي ينهي الصراع السوري وبنفس الوقت يوحد جميع الأطراف لمحاربة الإرهاب في سورية، وبالتالي فإن سورية تحتاج الى سواعد أبنائها خصوصاً في هذا الوقت الذي نرى العالم من حولنا ينتشر فيه الصراع والقتل والخراب والتدمير، لذلك يجب على جميع الأطراف المتنازعة في سورية الجلوس على طاولة المفاوضات لإيجاد حل سلمي للأزمة.
مجملاً… ستزول داعش والإرهاب من سورية لكونها آداة مأجوره للضغط, والترهيب لتحقيق مكاسب سياسية, إنتهى مفعولها بعد تثبيت أساس وحدة سورية, عن طريق الحوارات واللقاءات الوطنية بين أبناء شعبها، كما أثبت الجيش السوري للعالم أجمع بأنه الأقدرعلى لجم أمريكا ومن يلتف معها خلف الكواليس، ومنهم بالعلن، وبإختصار شديد يمكنني القول لقد إحترق الكثير من الأوراق السياسية لدى أمريكا بسبب الرهانات الخاطئة والأخطاء القاتلة،فهي في عداد الخاسرين في سورية والعراق ومصر وأفغانستان واليمن، ومع ذلك، تحاول أن تركب موجة داعش التي صنعته لإستعادة ما خسرته في سورية ولكن هل تسلم جرتها هذه المرة أم ان الجرة ستكسر على رأس الجميع بمن فيهــم رأسها؟.
التعليقات مغلقة.