100 عام على ثورة أكتوبر الإشتراكية … النساء في الثورة الروسية 1917 / ماري ديفيس / ترجمة : سلم علي
ماري ديفس ( الجمعة ) 13/10/2017 م …
أثارت الذكرى المئوية للثورة الروسية قدراً كبيراً من الاهتمام، ولم يكن كل ما نشر عنها مفيداً. لكن أحد جوانب الثورتين في1917 الذي اُهمل بالكامل تقريباً هو دور النساء.
ان وجهة النظر الشائعة هي ان النساء الروسيات لم يكن لهن دور سوى مرتين في 1917. المرة الأولى في مدينة بتروغراد في 23 شباط / فبراير كطلائع للثورة التي اقامت الحكومة المؤقتة. وكانت المرة الثانية عندما لعبت النساء البرجوازيات دوراً كجزء من كتيبة دافعت عن قصر الشتاء (مقر الحكومة) ضد هجوم البلاشفة في 25 تشرين الأول /اكتوبر.
وكلا هذين الحدثين وقعا بالفعل، لكن الاكتفاء بالاشارة اليهما لا ينصف الدور البالغ الأهمية للنساء على امتداد العملية الثورية كـ “قابلات للثورة” (اذا اقتبسنا عنوان كتاب من تأليف جين ماكدرميد وآنا هيلاري) – فقد كن حاضرات في الولادة وكان لهن دور حاسم في المراحل الأخيرة للتوليد. كما انهن لعبن دوراً حيوياً في الدفاع عن الثورة خلال الحرب الأهلية في 1919-1920.
ومن اجل تقدير دور النساء من الضروري العودة الى ثورة 1905 في روسيا عندما انطلقت الحركة النسوية مع تشكيل “الرابطة من اجل المساواة للمرأة”. وكما كان الحال بالنسبة الى منظمات مماثلة كثيرة في اوروبا آنذاك، تركز اهتمام الرابطة على انتزاع حق الاقتراع في الانتخابات وتألفت بشكل رئيسي من نساء برجوازيات. لكن كلارا زتكين في المانيا أدركت ان النساء كن منقسمات على أسس طبقية وضرورة ان تكافح نساء الطبقة العاملة من اجل مصالحهن بالذات. وعبّرت عن ذلك في كلمتها امام مؤتمر النساء للأممية الاشتراكية الذي عقد في شتوتغارت في 1907 بقولها:
“ان التناقضات الطبقية تستبعد امكانية ان تصبح النساء العاملات حليفات للحركة النسوية البرجوازية. وهذا لا يعني ان ينبذن ناشطات الحركة النسوية البرجوازيات في حال وقفن، في النضال من اجل حق النساء في الاقتراع بالانتخابات، الى جانبهن في مقارعة العدو المشترك على جبهات مختلفة”.
هذه الرسالة التقطت في روسيا من قبل كونكورديا سامويلافا والكساندرا كولونتاي واخريات كثيرات من النساء البلشفيات اللاتي شكلن في 1907 “مركز المساعدة المتبادلة للنساء العاملات” من اجل نشر الافكار الاشتراكية وتشجيع النساء على الانضمام الى النقابات التي اصبحت شرعية، وايضاً لضمان ان لا تستمر الحركة الاشتراكية بتجاهل قضايا النساء.
وعلى رغم ان إحياء يوم المرأة العالمي بدأ في 1910، فان الاحتفال به في روسيا لم يبدأ الاّ في 1913. وأيد لينين بحماس التحرك وسط النساء العاملات وكان من بين الذين دعوا الى اصدار صحيفة جديدة باسم “رابوتنيتسا” (المرأة العاملة) التي ظهرت للمرة الأولى في 1914. وكان اندلاع الحرب العالمية الأولى في تلك السنة كابحاً كبيراً لأنشطة الحركة العمالية وأدى، كما جرى في اماكن أخرى في اوروبا، الى تعميق الانقسامات بين اليسار واليمين وسط الاشتراكيين. وكان هذا واضحاً للغاية في روسيا حيث كان حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي قد انقسم بالفعل في 1903 الى جناحي البلاشفة والمناشفة. لكن الانقسام تعمق الى حد لا يمكن التوفيق بينهما بعد تأييد المناشفة للحرب بالمقارنة مع السياسة الشعبية المناهضة للحرب التي تبناها البلاشفة.
وعلى نحو مماثل أسهمت مسألة تأييد الحرب في مقابل معارضتها بتعميق حدة الانقسامات الطبقية في الحركة النسوية التي كانت أصلاً منقسمة. فالحركة النسوية البرجوازية (كما كان الحال في بريطانيا بقيادة ايملين بانكهرست) أيدت الحرب بينما عارضت النساء العاملات، اللاتي تأثرن بشقيقاتهن البلشفيات، الحرب العالمية الأولى بصورة متزايدة. وبحلول1917 كان عدد كبير من النساء يعملن في المصانع، في صناعة الذخائر وايضاً لاستبدال الرجال المجندين. وفي 23 شباط/فبراير 1917 (8 آذار/مارس حسب التقويم الغريغوري)، جرى إحياء يوم المرأة العالمي بتنظيم اضرابات وتظاهرات ضخمة للنساء. وأفادت “برافدا” البلشفية بأن هذه الاضرابات والتظاهرات أفضت الى الثورة:
“… كان اليوم الأول للثورة هو يوم المرأة … النساء حسمن موقف الجنود، فقد توجهن الى الثكنات وتحدثن الى الجنود وانضم هؤلاء الى الثورة … ايتها النساء، نحييكم.”
ولكن، بخلاف وجهة النظر التقليدية، لم يكن هذا سوى بداية مشاركة النساء العاملات في العملية الثورية. اما بالنسبة الى الناشطات البرجوازيات فانها كانت النهاية، فقد دعمن بثبات “الحكومة المؤقتة” الجديدة التي تولى قيادتها أولاً غيورغي لفوف ثم الكسندر كيرنسكي. وعلى رغم انهن واصلن المطالبة بحق الاقتراع فان مطلبهن الرئيسي كان “الحرب حتى النصر”. ومن هذه النسوة المؤيدات للحرب تشكلت “كتيبة النساء” المشار اليها أعلاه لمحاربة الالمان والبلاشفة على السواء. والتقت بهن ايملين بانكهرست (زعيمة الحركة النسوية البرجوازية في بريطانيا) في تموز/يوليو 1917 عندما زارت روسيا لمناشدة كيرنسكي ان يستمر في الحرب.
لكن النساء العاملات عارضن بصورة مطلقة الحرب والحكومة والافتراض بأنه يمكن للنساء البرجوازيات أن ينطقن بإسمهن. لذا تواصلت الاضرابات حتى وسط عاملات الخدمة اللاتي يصعب تنظيمهن. على سبيل المثال، في اذار/مارس 1917، اعلنت عاملات الغسيل بقيادة ناشطة بلشفية اسمها صوفيا غونتشارسكيا الاضراب لمدة اربعة اسابيع. وفي نيسان/ابريل 1917 نظمت 100 ألف من زوجات الجنود مسيرة وتظاهرة للمطالبة بتحسين الحصص التموينية وانهاء الحرب. والقت كولونتاي خطاباً امام هذا التجمع الجماهيري. كان البلاشفة منخرطين بقوة في العمل التحريضي وسط النساء، وساعدهم في ذلك عودة صحيفة “رابوتنيتسا” للظهور وبدأت تصدر عدة مرات شهرياً وبلغ توزيعها 40 -50 ألف نسخة. (كانت ناديجدا كروبسكايا وإينيسا أرماند ضمن اعضاء مجلس تحرير الصحيفة). وساهمت النساء العاملات بنشاط في التصدي لمحاولة الانقلاب التي قام بها الجنرال كورنيلوف في آب/اغسطس 1917، وساعدن في بناء المتاريس، ونظمت “الأخوات الحمر” مساعدات طبية. وفي ايلول/سبتمبر نظمت سامويلافا اول مؤتمر للنساء العاملات، وعقد مجدداً بعد ثورة اكتوبر. وخلال الثورة وبعدها التحقت اعداد كبيرة من النساء بالحرس الأحمر ونهضن بمهمات متنوعة من ضمنها العمل كمقاتلات. وكدليل على اهمية النساء في المرحلة الثورية، كان واحداً من أول قرارات الحكومة الاشتراكية هو “قانون الزواج والعائلة” (تشرين الأول/اكتوبر 1918). وجسّد هذا القانون رؤية ثورية للعلاقات الاجتماعية المستندة على المساواة بين الجنسين.
أفضل تلخيص لدور النساء في الثورة الروسية قدمه لينين الذي قال في حديث مع كلارا زتكين في 1920: “تحركت النساء العاملات بصورة رائعة خلال الثورة. من دونهن لم يكن بالإمكان ان نخرج منتصرين”. والآن، بعد 100 سنة، ينبغي ان تكون هذه الكلمات تذكيراً قوياً بالدور الثوري للنساء.
التعليقات مغلقة.