متى يجوز للماركسي التحالف ؟ ومع من ؟ (1) / مفكر ماركسي عراقي
الجمعة 13/10/2017 م …
الأردن العربي – مفكر ماركسي عراقي –
حين اتحدث عن الماركسي في هذا المقال اقصد كل ماركسي سواء اكان شخصا او منظمة او مجموعة او حزبا او اي شكل من اشكال التجمع التي عرفها التاريخ.
كان موضوع التحالفات بشتى اشكالها طوال تاريخ الحركة الماركسية موضوعا هاما يحتل مكانا اساسيا في السياسة الماركسية في مختلف المراحل وفي شتى ظروف النضال التي مرت بها الحركة الماركسية العالمية. هل يمكن ان نضع تعريفا عاما للتحالفات يشمل كافة الحركات الماركسية في مختلف مراحلها؟ في رأيي ان تعريفا كهذا ممكن ومهم جدا في سياسة الاحزاب والمظمات التي تعتنق الماركسية مبدأ لها. والتعريف هو: يجوز للماركسي ان يتحالف اذا كان تحالفه يدفع الصراع الطبقي خطوة في طريق تحقيق هدفه الاساسي في اللحظة المعينة.
واول ما يمكن فهمه من هذا التعريف هو ان التحالف، اي تحالف، ليس هدفا للماركسي وانما هو وسيلة لتحقيق هدف. فالاساس لدى الماركسي ان يكون له هدف يناضل من اجل تحقيقه. وفي خضم هذا النضال يبحث عن تحالفات تساعد على تقدمه خطوة في سبيل تحقيق هذا الهدف. فالاساس الذي يميز الماركسي هو انه يحدد الهدف الذي يريد التوصل اليه في ظروف المرحلة التي يمر بها المجتمع في اللحظة المعينة. الاساس هو ان يكون للماركسي هدف استراتيجي يوجه نضالاته التكتيكية. واذا كان هذا الهدف واضحا لدى الماركسي فانه انذاك يبحث عن الاشخاص او المنظمات او المجموعات التي يمكن بالتحالف معها السير خطوة نحو تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.
الصراع الذي يخوضه الماركسي في كل مرحلة من مراحل النضال وفي كل ظرف من ظروف المجتمع الذي يعيش فيه هو صراع طبقي. ولذلك فان الهدف الاستراتيجي الذي يضعه الماركسي هدفا له هو بالضرورة هدف طبقي. وان كيفية اختيار الشخصيات او الجماعات التي يجوز للماركسي ان يتحالف معها يجب ان يكون اختيارا طبقيا. اي ان الماركسي عليه ان يحلل الطابع الطبقي للشخصيات والمنظمات والتجمعات والاحزاب التي يوافق على التحالف معها. عليه ان يتأكد من ان الطابع الطبقي للحليف يؤدي الى التقدم خطوة في طريق تحقيق الهدف الاستراتيجي الذي يناضل الماركسي من اجل الوصول اليه وتحقيقه.
ما هي الخطوة الاولى لدى الماركسي لكي يتوصل الى قرار يتعلق بالتحالفات الممكنة في لحظة معينة يمر مجتمعه بها؟ اعتقد ان الخطوة الاولى هي التحليل الطبقي لهذا المجتمع في تلك اللحظة المعينة. واضح من هذا ان التحليل الطبقي يختلف بين لحظة تاريخية معينة واخرى. ليس التحليل الطبقي ظاهرة ثابتة تبقى كما هي في كل المراحل التي يمر بها المجتمع. فالتحليل الطبقي في لحظة معينة او مرحلة معينة يختلف عن التحليل الطبقي في لحظة اخرى او مرحلة اخرى.
ماذا يعني التحليل الطبقي لمجتمع في لحظة معينة او مرحلة معينة؟ يعني تعيين الطبقات والمراتب الطبقية التي تؤلف المجتمع في تلك اللحظة من حيث علاقتها بالانتاج الاجتماعي. تعني تحديد الطبقات والمراتب الطبقية التي من مصلحتها تغيير المجتمع بتحقيق خطوة الى الامام في التطور الاجتماعي. يعني تحديد مدى جدية مصلحة كل طبقة او مرتبة في هذا الصراع الطبقي. تعني ايضا تحديد الطبقات او المراتب الطبقية التي لا مصلحة لها بتقدم المجتمع خطوة الى الامام في حياة المجتمع. تعني تحديد العدو الاساسي الذي يمنع مثل هذا التقدم وتدعو مصالحه الى ايقاف هذا التقدم. تعني تحديد الطبقات او المراتب الطبقية التي لا يمكن تحقيق التقدم الا بالقضاء عليها سياسيا. ان هذا التحليل الطبقي للمجتمع هو الخطوة الاولى من خطوات الماركسي في طريق تحديد الطبقات والمراتب الطبقية التي يجوز له التحالف معها والى اي مدى يمكن ان يكون هذا التحالف.
لماذا يجب ان تكون الخطوة الاولى والمهمة لدى الماركسي بخصوص قرار تحالفه او عدم تحالفه التحليل الطبقي لمجتمعه في اللحظة المعينة؟ يتألف كل مجتمع من ملايين البشر وكل انسان من هذا المجتمع يعمل وفقا لما يراه من مصلحته ومن اجل ضمان كيان عائلته واطفاله وضمان تربيتهم وثقافتهم وسعادتهم وامنهم وكل ما يحتاج هو وتحتاج عائلته من مستلزمات الحياة. وهذا يعني ان المجتمع مكون من ملايين الاشخاص الذين تختلف مصالحهم واهدافهم ومستلزمات حياتهم في المجتمع. وضمن هذا التنوع الشديد يوجد عامل هام يوحد بين فئة من المجتمع هو طريقة الحصول على لقمة العيش وفي اللغة الماركسية يسمى هذا العامل علاقته في الانتاج الاجتماعي. فرغم اختلاف الاغراض العائلية الشخصية يرغب كل فلاح ان تكون له ارض يزرعها ويزيد انتاجها ويبيع الانتاج باحسن اسعاره. هذه العلاقة الانتاجية تجعل من الفلاحين جماعة متشابهة من حيث مصدر حياتها اي علاقاتها الانتاجية. ويصح هذا على كل مهنة كالخياطين والحدادين والنجارين والنساجين والمعلمين والمحامين والمهندسين والقضاة والمحاسبين وغيرهم. هذا التجمع في العلاقات الانتاجية يجعل من كل فئة مجموعة متشابهة في علاقاتها الانتاجية ولذلك تشكل ما نسميه طبقة او مرتبة. ويمكن اعتبار العلاقة الانتاجية لمرتبة معينة او لطبقة معينة دافعا مشتركا في العمل الاجتماعي او ما نسميه المصالح المشتركة. فالمصالح المشتركة بين افراد كل مهنة هي مصالح اقتصادية، مصالح تحقيق الاهداف الاقتصادية عن طريق العلاقة الانتاجية المشتركة. بهذه الطريقة يمكن تقسيم المجتمع المعين في اللحظة المعينة الى طبقات ومراتب لها مصالح مشتركة متشابهة.
ان اهم هذه المصالح المشتركة في علاقات الانتاج في مجتمعاتنا الحالية في ارجاء العالم هي مصالح العمال. جميع العمال في مجتمع معين يبحثون عمن يشتري سلعتهم الوحيدة، سلعة قوة عملهم، من اجل الحصول على لقمة عيشهم. هذا التشابه في وسيلة الحصول على لقمة عيش العمال هو الذي يجعل العمال في بلد معين طبقة واحدة. ولكن عمال جميع العالم لهم نفس المصلحة، نفس العلاقة الانتاجية، مصلحة بيع سلعتهم الوحيدة، قوة عملهم، الى من يقبل ان يشتريها. ولذلك فان الماركسية اعتبرت في جميع ظروف المجتمع الحديث ان الطبقة العاملة في العالم كله هي طبقة واحدة تشترك بعلاقتها الانتاجية اينما كانت ومهما كانت تختلف في الصفات الاخرى عن بعضها كاختلاف اللغات واختلاف الاوطان واختلاف القوميات وغير ذلك من الاختلافات. الطبقة العاملة هي طبقة عالمية واحدة. وهذا هو منشأ شعار كارل ماركس الاعظم، يا عمال العالم اتحدوا.
كما هو الحال عند تصريف اية بضاعة يحاول العمال ان يجدوا في السوق من يشتري سلعتهم لكي يحصلوا على ما يمكنهم من شراء السلع التي تضمن حياتهم اي انتاج قوة عملهم لليوم التالي. فعدم النجاح في بيع سلعتهم يجعلهم عاجزين عن الحصول على السلع اللازمة لاستمرار حياتهم وحياة عوائلهم. والذي يشتري سلعة قوة العمل يجب ان تكون له مصلحة في استخدامها كما هو الحال في سائر السلع في المجتمع. فكما ان الانسان يشتري سيارة لكي يستخدمها فان من يشتري سلعة قوة العمل يريد ان يستخدمها. والانسان الوحيد الذي يجد مصلحته في استخدام قوة العمل هو الانسان الذي تدعو علاقاته الانتاجية الى استخدام سلعة قوة العمل. وهذه العلاقات الانتاجية التي تدعو الى استخدام قوة العمل هي العلاقات الراسمالية. فالراسمالي يهدف الى تطوير علاقته الانتاجية بان يضمن استمرار علاقته الانتاجية وتطورها وهو لا يستطيع تحقيق ذلك الا باستعمال قوة العمل. فالراسمالي لا يستطيع هو بنفسه ان يستخدم قوة عمله في انتاج ما يهدف الى انتاجه كما يستخدم الحذاء مثلا ادواته الانتاجية بنفسه لانتاج الحذاء. ان الانتاج الراسمالي اوسع من الانتاج المهني بكثير وينبغي شراء قوة عمل تستطيع ان تدير ادوات انتاجه الواسعة المتطورة لكي يحقق اهدافه في ضمان ارباحه وزيادتها. ان جميع الراسماليين في بلد معين، رغم اختلاف مصالحهم ومشاربهم الخاصة، يشكلون من حيث علاقاتهم الانتاجية طبقة واحدة متشابهة المصالح. هم جميعا يستخدمون قوة عمل العمال ويعملون على استمرار وجود هذه السلعة في السوق لانهم لا يستطيعون الاستمرار في علاقاتهم الانتاجية عند عدم وجود هذه السلعة في السوق. لهذا تشكل الراسمالية في بلد معين طبقة واحدة من حيث علاقاتها الانتاجية.
وكما ان العمال في جميع العالم يشكلون طبقة واحدة كذلك يشكل الراسماليون في العالم من حيث علاقاتهم الانتاجية طبقة واحدة. فمصلحتهم المشتركة هي الحفاظ على وجود سلعة قوة العمل في السوق وعلى شرائها من اجل ضمان ارباحهم وزيادتها. فالطبقة الراسمالية العالمية هي الاخرى طبقة واحدة من حيث علاقتها الانتاجية بالطبقة العاملة. ولكن الطبقة الراسمالية ليست متماثلة في العالم كله كما هو الحال لدى الطبقة العاملة. فالطبقة الراسمالية في صراع دائم فيما بينها للتنافس على الحصول على اقصى الارباح مما يؤدي الى الحروب فيما بينها والى الصراع الدائم من اجل الحصول على المزيد من الارباح في عالم محدود. ولكن الطبقة الراسمالية العالمية متحدة كطبقة واحدة في مجال واحد هو ابقاء سلعة قوة العمل متوفرة في السوق اي ابقاء الطبقة العاملة على حالها لا تملك سوى سلعة قوة عملها. وهذا يعني ابقاء النظام الراسمالي الى الابد. مهما كانت التناقضات والصراعات بين الفئات الراسمالية شديدة فانها موحدة في نضالها ضد الطبقة العاملة.
من هو الماركسي؟ الماركسي هو جزء واع من الطبقة العاملة. جزء ملم بالنظرية الماركسية دليل الطبقة العاملة في نضالها الطبقي ضد الراسمالية. ليس الماركسي عنصرا خارج الطبقة العاملة يعطف عليها ويعمل على الدفاع عنها وعن مصالحها. انما هو جزء من الطبقة العاملة يناضل في صفوفها من اجل بلوغ الهدف الذي تتطلبه مصالح الطبقة العاملة في لحظة معينة من لحظات حياتها. ان كون الماركسي جزءا من الطبقة العاملة وليس عنصرا خارجا عنها امر في غاية الاهمية. وفي موضوعنا حول التحالفات هذا يعني ان الماركسي حين يتحالف مع عنصر خارج الطبقة العاملة فانه يتحالف لا بصفته الشخصية او الحزبية او الاجتماعية وانما يتحالف بصفته ممثل الطبقة العاملة في التحالف. فالتحالف بين الماركسي وبين اي عنصر اخر هو في الحقيقة تحالف الطبقة العاملة مع ذلك العنصر وليس الماركسي بصفته الشخصية شخصا كان ام حزبا. ولذلك اطلق على الحزب الماركسي اسم حزب الطبقة العاملة. فحزب الطبقة العاملة جزء من الطبقة العاملة بلغ به الوعي الطبقي مستوى جعله يتبنى الماركسية دليلا له للعمل من اجل تحقيق اهداف الطبقة العاملة القريبة، التكتيكية، والبعيدة، الاستراتيجية.
قد يعترض البعض على هذا بان اكثرية اعضاء الاحزاب الماركسية تاريخيا كانوا وما زالوا من عناصر لا تنتمي اقتصاديا الى الطبقة العاملة وخاصة من المثقفين. وهذه حقيقة تاريخية لا يمكن لاي انسان ان ينكرها او يكذبها او ان يدعي بان اكثرية اعضاء الاحزاب الماركسية هم الطبقة العاملة. ولكن الواقع هو ان المثقف او اي شخص من خارج نطاق الطبقة العاملة يصبح ماركسيا فانه يتخلى عن مصالحه الانية الناجمة عن انتمائه الطبقي ويتبنى مصالح الطبقة العاملة فيصبح جزءا منها ولذا نقول ان الماركسية هي نظرية الطبقة العاملة رغم ان مكتشفيها ليسوا من الطبقة العاملة.
لماذا هذا التشديد على عبارة ان الحزب الماركسي هوجزء من الطبقة العاملة وليس كيانا منفصلا ومستقلا عنها؟ يرجع هذا الى ان تاريخ النضال من اجل الجبهات الوطنية من جانب الحزب او الاحزاب التي تدعي كونها احزابا ماركسية يدل على عدم فهم وعدم معرفة وعدم الالتزام بهذه الظاهرة. وليسمح لي القراء الاعزاء بالخروج قليلا عن صلب الموضوع واجراء مقارنة بسيطة بين خطين لعقد الجبهة الوطنية في تاريخ العراق السياسي.
في ١٩٤٥ قررت الاحزاب البرجوازية الثلاثة اعلان اضراب عام ليوم واحد لمطالبة الحكومة ببعض الشعارات التي كانت تهمها انذاك. وكان من الطبيعي ان لا تلجأ هذه الاحزاب الى التحالف مع الحزب الشيوعي العراقي اذ كانت هذه الاحزاب ترفض اي تعاون بينها وبين الحزب الشيوعي لانه حزب غير شرعي وهي احزاب شرعية. ولكن هذه الاحزاب رأت انها غير قادرة على دعوة الشعب العراقي الى المشاركة في الاضراب بدون موافقة الحزب الشيوعي. واذذاك ظهرت الاهمية الشعبية للحزب الشيوعي امام هذه الاحزاب البرجوازية. كانت هذه الاحزاب مضطرة لكي تنجح في اضرابها ان تطلب من الحزب الشيوعي الانضمام اليها في الاضراب.
هنا تظهر اهمية كون الحزب جزءا من الطبقة العاملة. فلو كان الحزب منظمة منعزلة مستقلة عن الطبقة العاملة والجماهير الاخرى كالطلاب والشبيبة والنساء على سبيل المثال لما كانت له هذه الاهمية لدى الاحزاب البرجوازية. ولكن كون الحزب الشيوعي جزءا من الطبقة العاملة بين لهم عجزهم عن القيام بالاضراب بدون موافقة الحزب الشيوعي على التعاون معهم لان الجماهير الشعبية لا تستجيب لنداء الاحزاب البرجوازية وتستجيب فقط لنداء الحزب الشيوعي. نرى من هذا ان الحزب الشيوعي لم يكن الجهة التي تتوسل الى البرجوازية ان تقبلها في جبهتها وانما الاحزاب البرجوازية هي التي تتوسل الى الحزب الشيوعي لكي يوافق على الانضمام الى الجبهة.
ان المفاوضات الصعبة التي كانت البرجوازية تجابهها مع الرفيق فهد لكونه يرى نفسه ممثلا للطبقة العاملة وليس مجرد رئيس لحزب هي التي ادت الى كيل الاتهامات لفهد ووصفه بالعجرفة والتزمت والخشونة وغير ذلك من الصفات التي يستطيع القارئ العزيز تتبعها في تاريخ هذه الاحزاب بمن في ذلك كامل الجادرجي. هم يريدون جر الحزب وقائده فهد الى التعاون معهم كواحد منهم ولكن فهد لم يكن يستجيب لمثل هذه المحاولات.
واذا قارنا ذلك مع تكوين الجبهة الوطنية سنة ١٩٥٧ نرى كم هو الفرق بين ان يكون الحزب جزءا من الطبقة العاملة وتكون الجبهة جبهة الطبقة العاملة مع غيرها وبين ان يكون الحزب ككيان مستقل ينتمي الى الجبهة بصفة هذا الكيان. اذا تتبعنا المفاوضات التي جرت قبل تكوين الجبهة وشروط كامل الجادرجي التي فرضها على ممثل الحزب من اجل قبوله في الجبهة نجد هذا الفرق الهائل بين الجبهتين. كانت شروط كامل الجادرجي كما اتذكرها التوقف عن الحديث عن المراحل وعن القيادة وقبول الحزب في جبهة يكون فيها حزب الاستقلال طرفا يمينيا موازنا للثقل اليساري الذي يمثله الحزب الشيوعي. ولم تعقد الجبهة الا بعد ان حقق الحزب في الكونفرنس الثاني جميع مطاليب كامل الجادرجي واكثر منها.
التعليقات مغلقة.